|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الكاهن وشرب الخمر: 8 وَكَلَّمَ الرَّبُّ هَارُونَ قَائِلًا: 9 «خَمْرًا وَمُسْكِرًا لاَ تَشْرَبْ أَنْتَ وَبَنُوكَ مَعَكَ عِنْدَ دُخُولِكُمْ إِلَى خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ لِكَيْ لاَ تَمُوتُوا. فَرْضًا دَهْرِيًّا فِي أَجْيَالِكُمْ 10 وَلِلتَّمْيِيزِ بَيْنَ الْمُقَدَّسِ وَالْمُحَلَّلِ وَبَيْنَ النَّجِسِ وَالطَّاهِرِ، 11 وَلِتَعْلِيمِ بَنِي إِسْرَائِيلَ جَمِيعَ الْفَرَائِضِ الَّتِي كَلَّمَهُمُ الرَّبُّ بِهَا بِيَدِ مُوسَى». جاءت الوصية موجهة إلى هرون: "خمرًا ومسكرًا لا تشرب أنت وبنوك عند دخولكم إلى خيمة الاجتماع لكي لا تموتوا، فرضًا دهريًا في أجيالكم، وللتمييز بين المقدس والمحلل وبين النجس والطاهر، ولتعليم بني إسرائيل جميع الفرائض التي كلمهم بها الرب بيد موسى" [9-11]. كأن الوصية لم تحرم الخمر كمادة إذ كان يمكن استخدامها كدواء أحيانًا، إنما حرمت كمسكر تفقد الكاهن اتزانه وتعقله فلا يعرف أن يميز بين الطاهر والنجس، ويفقد قدرته على تعليم الشعب الوصايا الإلهية. وكما يقول القديس جيروم: [لكي يحفظ الله عقولهم من غباء السكر، ويمكنهم من فهم ممارسة واجباتهم في خدمة الله]. يرى القديس جيروم في هذه الوصية نوعًا من الصوم، مطالبًا إيانا الهروب حتى من رائحتها إذ يقول: [ليت تنفسك لا يستنشق رائحتها قط كي لا تسمع كلمات الفيلسوف: "عوض تقديمك قبلة أعطيتني طعم خمر". يُدين الرسول الكهنة الذين يشربون الخمر (1 تي 3: 2-3)، كما تدينهم الشريعة القديمة... وأنا في هذا لا أدين خليقة الله]. ويقدم لنا العلامة أوريجانوس تفسيرين للوصية: أحدهما حرفي والآخر رمزي. ففي تفسيره الحرفي يقول: [يُريد الله من الذين هو ميراثهم (عد 18: 20) أن يكونوا متزنين، خاصة عندما يتواجدون أمام المذبح لكي يصلوا إلى الرب ويتقدسوا بحضرته. هذه الوصية تحفظ قوتهم. وقد أكدها الرسول بنفسه في شريعة العهد الجديد (1 تي 5: 23)... إذ يليق بالكهنة ألا يشربوا خمرًا بل يكونوا متزنين (تي 1: 7-8). فإن كان التعقل هو أم الفضائل فالسكر هو أم كل الرذائل. لقد صرح الرسول بوضوح: "الخمر الذي فيه الخلاعة" (أف 5: 18)، مظهرًا أن الخمر يلد ابنته البكر الخلاعة]. إسترسل العلامة أوريجانوسفي تفسيره الرمزي لهذه الوصية التي وجهت إلى هرون وبنيه نقتطف منها الآتي: [هرون يُشير إلى ربنا بكونه "رئيس كهنة الخيرات العتيدة" (عب 9: 11)... وأبناء هرون هم الرسل الذين قال لهم: "يا أولادي أنا معكم زمانًا قليلًا بعد" (يو 13: 33)، فما أمر به الناموس ألا يشرب هرون وبنوه خمرًا ولا مسكرًا حين يقتربون من الهيكل [9] يمكن تطبيقة على الكاهن الحقيقي يسوع المسيح ربنا وعلى أبنائه الكهنة رسلنا. لنحدد هكذا أن هذا الكاهن (هرون) مع كهنته كانوا يشربون قبل أن يقتربوا من المذبح، لكنهم متى بدأوا يقتربون منه ويدخلون خيمة الاجتماع يمتنعون عن الخمر... الآن لنبحث كيف أن ربنا ومخلصنا الكاهن الحقيقي مع تلاميذه الكهنة الحقيقيين يشربون الخمر (روحيًا) قبل اقترابهم من المذبح، لكنهم إذ يبدأون في الاقتراب يمتنعون. جاء المخلص إلى العالم ليقدم جسده فدية عن خطايانا (غلا 1: 4)، قبلما يقدمه كان كمن يشرب الخمر، إذ قيل عنه "أكول وشريب خمر، محب للعشارين والخطاة" (مت 11: 19). لكنه إذ جاء وقت الصلب مقتربًا من المذبح ليقدم جسده فدية أخذ الكأس وباركه وأعطاه لتلاميذه، قائلًا: "خذوا إشربوا" يقول لهم: "إشربوا أنتم يا من لم تقتربوا بعد من المذبح أما أنا فلا أشرب إذا اقتربت فعلًا من المذبح". لهذا يقول: "وأقول لكم إنيّ من الآن لا أشرب من نتاج الكرمة هذا إلى ذلك اليوم حينما أشربه معكم جديدًا في ملكوت أبي" (مت 26: 29)... ماذا يعني هذا القول: إنيّ من الآن لا أشرب من نتاج الكرمة هذا إلى ذلك اليوم حينما أشربه جديدًا في ملكوت أبي؟ نجيب بأن هذا الوعد قد أُعطى للقديسين أن يتمتعوا بالخمر الجديد، إذ قيل "كأسي ريا" (مز 23: 5)... "هوذا عبيدي يشربون وأنتم تعطشون" (إش 65: 13). مثل هذا الخمر يذكر في الكتاب المقدس بمعنى فرح النفس وتهليلها، لهذا يجب أن نميز بين سكر الليل (1 تس 5: 7)، وسكر النهار. لقد فهمنا السكر المقدس، إذ صار الوعد بتهليلهم، وبهذا ندرك معنى امتناع مخلصنا عن شرب الخمر إلى اليوم الذي يشربه مع قديسيه في ملكوت الله (مت 26: 29)، بمعنى أن مخلصي يبكي على خطاياي، ولا يقدر أن يتذوق الفرح ما دمت أنا مستمر في المعصية، لماذا؟ لأنه هو الشفيع (المحامي) عني لدى الآب، كما يصرح بذلك صديقه الحميم يوحنا: "إن أخطأ أحد فلناَ شفيع عند الآب يسوع المسيح البار وهو كفارة لخطايانا" (1 يو 2: 1-2). كيف إذن وهو شفيع من جهة خطاياي يقدر أن يشرب من خمر الفرح بينما أنا أحزنه بخطاياي؟! كيف يمكن لذاك الذي يقترب من الهيكل كفارة عني أنا الخاطئ أن يكون فرحًا بينما يصعد إليه حزن خطاياي بلا توقف...؟! إنه في حزن ما دمنا نحن مستمرين في الخطية... إن كان رسوله يقول: "أنوح على كثيرين من الذين أخطأوا من قبل ولم يتوبوا عن النجاسة والزنا والعهارة التي فعلوها" (2 كو 12: 21) فماذا نقول عن ذاك الذي ندعوه "ابن محبته" (كو 1: 13)، الذي "أَخْلَى نَفْسَهُ" (في 2: 7)، بسبب محبته لنا؟! هذا الذي وهو مساٍو للآب لم يطلب ما لنفسه (1 كو 13: 5) بل ما هو لخيرنا، مخليًا نفسه لأجلنا؟! هل بعدما طلب ما هو لخيرنا يكف الآن عن البحث عنا وعن التفكير في خيرنا؟! ألا يحزن على خطايانا ويبكي على خسارتنا وجروحنا هذا الذي بكى على أورشليم، قائلًا لها: "كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تريدوا" (مت 23: 37)؟! هذا الذي حمل جراحتنا، ومن أجلنا تألم بكونه طبيب نفوسنا وأجسادها، هل يهمل الآن التهاب جراحتنا؟! يقول النبي: "قد أنتنت، قاحت حُبر ضربي من جهة حماقتي" (مز 38: 5). لهذا السبب يقف أمام وجه الآب يشفع من أجلنا (عب 9: 24)، يقف أمام الهيكل ليقدم لله فدية كفارة لخدمتنا. وإذ اقترب من الهيكل يقول: "لا أشرب من نتاج الكرمة هذا إلى ذلك اليوم حينما أشربه معكم جديدًا في ملكوت أبي" (مت 26: 29). إنه ينتظر حتى نتغير، نتمثل به ونحمل سماته، فيفرح معنا ويشرب معنا الخمر (الفرح الروحي) في ملكوت الآب. الآن إذ هو إله الرحمة والمغفرة (مز 103: 8) فبعاطفة أعظم مما لرسوله يبكي مع الباكين مشتاقًا أن يفرح مع الفرحين، فينوح أكثر من رسوله على الذين أخطأوا من قبل ولم يتوبوا بعد (2 كو 12: 21)، إذ لا يليق بنا أن نظن أن بولس يحزن وينوح على فاعلي الشر بينما يكف ربنا عن البكاء عندما يقترب نحو الآب أمام المذبح مقدمًا نفسه فدية كفارة عنا. إننا نقول بأنه إذ يقترب إلى الهيكل لا يشرب خمر الفرح بل يحزن على خطايانا... فإهمالنا في حياتنا يؤجل فرحه! إلى متى ينتظر؟ إلى أن يتمم عمله (يو 17: 4). متى يتمم عمله؟ عندما يجعلني أنا آخر الكل وأشر الخطاة كاملًا! عمله يحسب غير كامل ما دمت أنا لست بعد كاملًا، ما دمت لست بعد خاضعًا للآب (1 كو 15: 28)، إذ يُحسب كمن هو غير خاضع للآب بسببي ويكون عمله لم يكمل بعد...]. يكمل العلامة أوريجانوس حديثه عن التزام هرون وبنيه الكهنة بالامتناع عن الخمر عند اقترابهم للخدمة، فبعدما تحدث عن السيد المسيح الذي يرمز له هرون صار يتحدث عن الرسل والتلاميذ بكون بني هرون رمزًا لهم: [لا ننسى أنه ليس هرون وحده لا يشرب خمرًا وإنما أبناؤه أيضًا لا يشربون عندما يدخلون المقدس، وذلك لأن الرسل أيضًا لم يحصلوا على فرحهم بل هم منتظرون حتى ننال نصيبًا معهم في فرحهم. إذ رحل القديسون من هنا لا ينالون المكافأة التي يستحقونها دفعة واحدة إنما ينتظروننا بالرغم من تباطؤنا، إذ لا يكون لهم ملء الفرح ما داموا يحزنون على خطايانا ويبكون علينا... ولكي تكون لك شهادة لما أقوله فلا تشك... بعدما عدد الرسول الآباء القديسين الذين تبرروا أضاف: "فهؤلاء كلهم مشهودًا لهم بالإيمان لم ينالوا الموعد، إذ سبق الله فنظر لنا شيئًا أفضل لكي لا يكملوا بدوننا" (عب 11: 39-40). إذن إبراهيم ينتظر لينعم بحالة الكمال، وأيضًا إسحق ويعقوب وكل الأنبياء ينتظرون لكي يحصلوا معنا على السعادة الأبدية... يوجد جسد واحد نقول أنه يقوم يوم الدينونة... سيكون لك فرح يوم رحيلك من هذه الحياة إن كنت قديسًا، لكن فرحك يكمل عندما لا ينقص عضو من الجسد، فإنك تنتظر أخوتك كما انتظرك أخوتك السابقون لك]. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|