|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
العماد اغتسال »اغتسلتم، تقدَّستم، تبرَّرتم باسم الربِّ يسوع المسيح وبروح إلهنا« (1 كو 6: 1). العماد أو المعموديَّة، لفظ يأتي من السريانيَّة ولا أساس له في اللغة العربيَّة الأولى. فاللفظ العربيّ »عمد« يعني دعم (السقف مثلاً) ومنه العمود. أو يعني: قصد. أمّا الجذر السريانيّ ܥܡܕ (3) فيعني غاص في الماء، اغتسل، انغمس، اصطبغ. وهكذا جاء التحديد العربيّ المرتبط بالسريانيّ: غسله بماء المعموديَّة ܡܥܡܘܕܝܬܐ(4). ونجد أيضًا ܥܡܕܐ الذي صار في العربيَّة: العماد. قال الأب لويس معلوف في المنجد: اللفظة سريانيَّة الأصل أو مولَّدة مأخوذة من العُمد أي البلل. والفعل عَمِدَ: بلَّل المطرُ (الثرى). فالعماد المسيحيّ هو قبل كلِّ شيء اغتسال. فالفعل الأوَّل βαπτω يعني غطس، غاص، انغمس في الماء. εν υδατι ثمَّ: بلَّل، رطَّــب. والفعـل الثاني βαπτισμα الذي يعني الشيء عينه(5). أمّا المعنى المسيحيّ فسوف يأتي فيما بعد: اعتمد، العماد أو المعموديَّة(6). لهذا فالاسم βαπτισμα الذي يعني المعموديَّة لا نقرأه في الأدب العاديّ، بل في العهد الجديد ثمَّ في الآباء في امتداد العهد الجديد. قال الرسول في إطار كلام عن الموت والحياة: »دُفنّا معه في المعموديَّة δια του βαπτισματος وشاركناه في موته« (رو 6: 4). وقال هو أو تلاميذه في أف 4: 5: »إيمان واحد، معموديَّة واحدة« εν βαπτισμα و μια πιστιω. أمّا βαπτισμος الذي يعني الاغتسال الطقسيّ كما في مر 7: 4، فيرد في رسالة القدّيس بولس إلى العبرانيّين: »وشعائر المعموديَّة βαπτισμων ووضع الأيدي« (عب 6: 2). نشير هنا إلى أنَّ βαπτισμος سوف يصبح الاستعمال العاديّ للكلام عن المعموديَّة، منذ القرن الثالث المسيحيّ، وذلك بجانبβαπτισμα(7). من هذه الألفاظ انطلق الرسول، وتطلَّع إلى ما يتمُّ في العالم اليهوديّ كما في العالم غير اليهوديّ. فالماء عنصر هامّ في العالم اليهوديّ من أجل التطهير الطقسيّ، كما يطلب سفر اللاويّين (لا 14: 8 بالنسبة إلى الأرض؛ 15: 16-18 بالنسبة إلى النجاسة الجنسيَّة) وسفرُ العدد (19: 19: لمس جثَّة ميت). وأورد مر 7: 1-5 ردٌّا على ما قال سفر اللاويّين بالنسبة إلى الآنية التي تُغسَل قبل أن تُستعمل. أمّا المشناة (نظام طهوروت) فتتحدَّث عن طهارة طقسيَّة تُتيح للإنسان أن ينتقل من المجال العاديّ profane إلى المجال القدسيّ sacré. وهكذا يحقُّ له أن يدخل إلى الهيكل ويشارك في الذبيحة. وفي جماعة قمران، الاغتسال اليوميّ مطلوب في رغبة عميقة بالتطهير(8): »يرشّ عليه ماء التطهير ويتقدَّس بالمياه الجارية«. وفي القرن الأوَّل المسيحيّ، اعتاد اليهود أن يمارسوا »عماد المهتدين الجدد« بجانب الختان، لكي يتطهَّر الوثنيّون قبل الدخول في الديانة اليهوديَّة(9). ولا ننسى خصوصًا الحركة العماديَّة(10) التي سبقت يوحنّا المعمدان بقرن من الزمان(11)، وتواصلت بعده قبل أن تصبَّ في الحركة المندائيَّة(12). كانت هناك تيّارات عديدة، ودخل خطُّ المعمدان في أحد هذه التيّارات فكان عمادُه مميَّزًا لأنَّه يطلب توبة حقيقيَّة ولا يكتفي بالطقوس الخارجيَّة. وإذا تركنا العالم اليهوديّ، ندخل في تاريخ كبير ينطلق من الهند ليصل إلى بلاد الرافدين ومصر مرورًا بآسية الصغرى واليونان ورومة. هو الاستحمام المقدَّس، والاغتسال الطقسيّ. فالاغتسال يمحو النجاسة الطقسيَّة، ويضيف قوَّة الحياة، ويهب الخلود(13). مصر اغتسلت في النيل، وبابل في الفرات، والهند في الغانج. وكلُّ بلد وجدَ نهرًا يغتسل فيه. وحين أتى بولس إلى فيلبّي في رحلته الرسوليَّة الثانية، خرج والفريق الرسوليّ إلى ضفَّة النهر »متوقِّعين أن نجد هناك مكانًا يهوديٌّا للصلاة« (أع 16: 13). ذاك هو الجوّ الذي نقرأ فيه كلام الرسول: »اغتسلتم، تقدَّستم، تبرَّرتم«(14). أنَّب بولس جماعة كورنتوس لأنَّهم يتخاصمون ويمضون إلى محاكم وقضاة وثنيّين. دعاهم »ظالمين«، »فجّارًا« αδικων, أي لم يتبرَّروا بالإيمان بيسوع المسيح ولم يتقدَّسوا بالعماد. فلا هؤلاء »الظالمون« αδικοι ولا الزناة ولا عبّاد الأوثان... يرثون ملكوت الله (1 كو 6: 9-10). فهل تريدون أنتم أن تكونوا منهم؟ ولكنَّ الرسول استعاد كلامه في آ11: »بعضكم«، لا كلّكم. ثمَّ »كنتم« في الماضي، لا الآن. لا يمكن أن يكون المسيحيّون على هذا المستوى من »الانفلات« الخلقيّ. أنتم اغتسلتم. فالاغتسال بالنسبة إلى المسيحيّ هو الاعتماد. هو التنقية من الخطايا. ولمَ لا نستعيد تقاليد العالم السابق للمسيح؟ هي الحياة الجديدة كما قال الربُّ في إنجيل يوحنّا: الولادة من فوق. أو: الولادة مرَّة ثانية، الولادة الجديدة (يو 3: 3-5). هذا ما يجعلنا في إطار »الجديد« و«العتيق« الذي يردِّده بولس مرارًا. بالمعموديَّة صرنا »الخليقة الجديدة« (غل 6: 15)، بالمعموديَّة لبسنا »الإنسان الجديد الذي خلقه الله على صورته في البرِّ وقداسة الحق« (أف 4: 24). وفي الرسالة الأولى إلى كورنتوس يدعونا بولس إلى أن نترك القديم ونأخذ بالجديد، فيربط هذا الموقف »بالخمير«. قال: »تطهَّروا من الخميرة القديمة لتصيروا عجينًا جديدًا« (1 كو 5: 7). كانت بداية التجديد حين اعتمدنا بروح واحد، وينبغي أن نعبِّر عن هذا التجديد في الحياة اليوميَّة. إذًا »نسلك في حياة جديدة« (رو 6: 4). لا بحسب العنصر البشريّ فينا، بحسب اللحم والدم والضعف البشريّ والميل إلى الخطيئة، بل بحسب الروح πνευμα. هنا تنطلق الثمار من المحبَّة فتصل إلى الفرح والسلام والصبر واللطف والصلاح والأمانة والوداعة والعفاف (غل 5: 22-23). أمّا الأعمال بحسب الميل البشريّ فينا σαρζ فهي الزنى والدعارة والفجور... (آ19ي). تحدَّث القدّيس يوحنّا مرَّتين عن هذا الاغتسال، مرَّة أولى حين شفاء الأعمى منذ مولده (يو 9: 7، 11، 15)، ومرَّة ثانية حين غسل أرجل تلاميذه (يو 13: 5، 6، 8، 10، 12، 14)، وفي الحالين الإشارة إلى المعموديَّة واضحة. اغتسل الأعمى »فاستنار«. وبطرس اغتسل »ليكون له نصيب مع الربّ« (يو 13: 8). هل من علاقة بين الإنجيل الرابع وبين الرسالة إلى أفسس التي تحدَّثت عن ماء الاغتسال؟ المسيح »يقدِّس الكنيسة ويطهِّرها بغسل الماء« (أف 5: 26). حينئذٍ صارت له »كنيسة مجيدة لا عيب فيها ولا تجعُّد« (آ27). اغتسل، تعمَّد، نال الحياة الجديدة، وهكذا صار جميع المعمَّدين إخوة وأخوات في الربّ. هنا نقرأ الرسالة إلى غلاطية حيث الختان شكَّل انتماء اليهوديّ إلى الديانة. أمّا مع المسيح، فالختان لا يزيدنا شيئًا. وإذا لم نُختتَن لا ينقصنا شيء. فبالمعموديَّة ننال انتماء جديدًا. نصبح أعضاء في الكنيسة، في جسد المسيح السرّيّ. قال الرسول: »فأنتم كلُّكم أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع، لأنَّكم تعمَّدتم جميعًا في المسيح فلبستم المسيح، ولا فرق الآن بين يهوديّ وغير يهوديّ (أو: يونانيّ)، بين عبد وحرّ، بين رجل وامرأة (أو: ذكر وأنثى)، فأنتم كلُّكم واحد في المسيح يسوع« (غل 4: 26-28). مثل هذا الكلام يفهمنا موقف الرسول في أنطاكية، حيث كان انفصال بين المسيحيّين الآتين من العالم اليهوديّ، وآخرين آتين من العالم اليونانيّ (الوثنيّ). كان جميع المعمَّدين معًا يشاركون في عشاء المحبَّة بانتظار الإفخارستيّا. كان هناك بطرس وبولس وبرنابا وآخرون غيرهم. »وجاء قوم من عند يعقوب« (غل 2: 12أ)، فانفصل بطرس »عنهم خوفًا من دعاة الختان« (آ12ب)، وواصل بولس كلامه: »وجاراه سائرُ اليهود في ريائه حتّى إنَّ برنابا نفسه انقاد إلى ريائهم« (آ13). اعتبر بولس أنَّ مثل هذا التصرُّف لا يدلُّ على »سيرة مستقيمة مع حقيقة البشارة« (آ13). وفي كورنتوس اعتاد المؤمنون أن يأتوا إلى عشاء الربّ. هل يكون الأغنياء مع الفقراء، والأسياد مع العبيد؟ مبدأيٌّا الأمرُ هكذا. ولكن عمليٌّا، يأتي الأغنياء والأسياد باكرًا، والآخرون يأتون بعد ساعات العمل المضنية. هل يقبل بولس بهذا الوضع؟ كلاّ. أين المعموديَّة الواحدة والإيمان الواحد؟ قال: »لا أهنِّئكم، لا أمتدحكم، لأنَّ اجتماعاتكم تضرُّ أكثر ممّا تنفع« (1 كو 11: 17). وإذا تناسى أعضاءُ الكنيسة هذه التعليمة »يكون اجتماعكم سببًا للحكم عليكم وللدينونة« (آ24). وكذا نقول عن العلاقة بين المرأة والرجل. قال التقليد المرتبط بسفر التكوين: المرأة هي من الرجل (تك 2: 22)، فقال الرسول: »لا تكون المرأة بدون الرجل، ولا الرجل من دون المرأة. لأنَّه إذا كانت المرأة من الرجل، فالرجل تلده المرأة، وكلُّ شيء من الله« (1 كو 11: 11-12). وعن العلاقة بين العبد والسيِّد. فالرسول يطلب من فيلمون، السيِّد الغنيّ الذي تجتمع الكنيسة في بيته، أن لا يحسب أونسيمس بعدُ »عبدًا« اشتراه كما اشترى غيره بحسب عادة ذلك الزمان: »لا يكون عبدًا بعد اليوم، بل أفضل من عبد، أي أخًا حبيبًا« (فلم 16). |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|