منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 05 - 04 - 2024, 09:45 AM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,270,059

المواجهة بين متّى وبولس




المواجهة بين متّى وبولس

قرأ الشرّاحُ متّى تجاه بولس فاعتبروه مزيجًا يهومسيحيٌّا حيث إعلان الخلاص تراجَعَ أمام لاهوت من النمط الشريعي(43). أجل، ما أراد متّى أن يتخلّى عن الشريعة ساعة كان بولس قاسيًا معها، إذ لا فائدة منها من أجل الخلاص. هي مواجهة، بل هو تلاقٍ. في الوقت عينه سوف نرى بولس ومتّى ينطلقان من موقع واحد هو أنطاكية. يبتعد الواحد عن الآخر، وفي النهاية يلتقيان ليُعلنا أهميَّة الشريعة بالنسبة إلى الكنيسة.

بعد أن نتعرَّف إلى المحيط الأنطاكيّ، نعرف أنَّ الشريعة لا تُفهَم إلاَّ في هدفها الأخير: المحبَّة. وفي النهاية يكون الشعار كما نقرأه في رو 10: 4: »غاية الشريعة هي المسيح«.

أ- المحيط الأنطاكيّ

نقطة الانطلاق الصراع الذي كان بين بطرس وبولس حول المشاركة في المائدة. هذا ما ترويه الرسالة إلى غلاطية (ف 2).

11 وعندما جاء بطرس إلى أنطاكية، قاومته وجهًا لوجه لأنَّه كان يستحقُّ اللوم.

12 فقبل أن يجيء قوم من عند يعقوب، كان بطرس يأكل مع غير اليهود. فلمّا وصلوا (قومٌ من عند يعقوب) تجنَّبهم (= غيرَ اليهود) وانفصل عنهم خوفًا من دعاة الختان.

13 وجاراه سائر اليهود في ريائه، حتّى إنَّ برنابا نفسه انقاد إلى ريائهم.

نلاحظ حالة الصراع بين اليهود المتشيِّعين لشريعة موسى، وبين غير اليهود، أو الأمم، الذين هم محرَّرون من شريعة موسى: لا داعي للختان، لا داعي للاهتمام بالأطعمة الطاهرة وغير الطاهرة، بعد أن صارت جميع الأطعمة طاهرة في المسيح(44)، وخصوصًا لا فصل بين اليهوديّ وغير اليهوديّ. فاليهوديّ يعتبر الأمميّ نجسًا، ولهذا فهو لا يأكل معه(45). وهكذا صارت الشريعة حاجزًا داخل الجماعة الواحدة.

وطُرح السؤال في أنطاكية: أيُّ سلطة لشريعة موسى بعد موت يسوع؟ إنَّ الجماعة اليهومسيحيَّة في أورشليم، التي لبثت متعلِّقة بالهيكل(46) وبالشريعة، دام حضورها حتّى موت قائدها، يعقوب أخي الربّ، سنة 62. والجماعة الهلّينومسيحيَّة(47) تألَّفت من يهود آتين من الشتات(48). تحرَّرت من الشريعة وهربت من أورشليم بعد رجم إسطفانس (أع 8: 1). اضطُهد أعضاؤها فلجأوا إلى فينيقية، إلى قبرص، إلى أنطاكية (أع 11: 29)، حيث أسَّسوا كنيسة من اليهود ومن غير اليهود (آ20-21)(49). إلى أنطاكية أتى بولس بعد أن جاء به برنابا من طرسوس (آ15-16).

* * *

»هاجم« إسطفانس الهيكل (أع 6: 14)(50) وذلك في خطِّ ما فعل الربّ (يو 2: 13ي) وما قال (مر 13: 1-2؛ مت 24: 1-2؛ لو 21: 5-6). وممّا قال لوقا على لسان متَّهمي إسطفانس: »ونحن سمعناه يقول: سيهدم يسوع الناصريّ هذا المكان ويغيِّر التقاليد التي ورثناها من موسى« (أع 6: 14) τα εθη: التقاليد، العادات المرتبطة بموسى μουσης. وسبق لإسطفانس فقيل عنه: »شتم الهيكل المقدَّس والشريعة« (آ13). غير أنَّ هذا الكلام غير صحيح، لأنَّ إسطفانس سوف يقول في خطبته عن الشريعة إنَّها »كلمات حياة« (أع 7: 38) λογια ζωντα(51). هذا يعني أنَّ الشريعة لم تُرذَل في أساسها على أنَّها طريق خلاص، بل أعفيَ بعض المؤمنين من بعض متطلِّباتها مثل الختان والأمور الطقسيَّة.

راح بولس في خطِّ الهلِّنيّين، ولكنَّه ما عاد إلى حياة يسوع على الأرض(52)، بل إلى الصليب. قال في غل 3: 13:

»والمسيح حرَّرنا من لعنة الشريعة بأن صار لعنة من أجلنا. فالكتاب يقول: ملعون كلُّ من مات معلَّقًا على خشبة«.

في آ10، ذكر بولس لعنة الخطيئة بفعل الشريعة (تث 27: 26). وإن هو ذَكَر »الخشبة« الذي يعلَّق عليها الملعون (تث 21: 23)، فلكي يذكر دور الصليب في تخليصنا من الخطيئة، ومن الشريعة التي تُبرز الخطيئة. وقال الرسول في رو 3: 24-25:

24 ولكنَّ الله برَّرهم (البشر كلَّهم) مجّانًا بنعمته، بالمسيح يسوع الذي افتداهم،

25 والذي جعله الله كفّارة في دمه لكلِّ من يؤمن به.

»الكفّارة« ιλαστηριον. كيف كانت تتمُّ الكفّارة في العهد القديم؟ يُرَشُّ الدم على المؤمنين فتُغفَر خطاياهم (لا 16: 1ي). ورأى بولس في هذا الطقس صورة عن ذبيحة المسيح. »في دمه« εν τς αυτου αιματι. أي بتقدمة ذاته ذبيحة يمنحنا الله الغفران بواسطة الإيمان (لا بالأعمال، آ27).

ما نلاحظه هو أنَّ موقف بولس يرتبط بالكرازة، بيسوع المسيح، لا بالوجهة الخلقيَّة. وهكذا يلتقي مع إسطفانس الذي يحافظ على الشريعة التي هي كلمة الله. وبولس دافع ودافع وما تعب عن سلطة الشريعة، وإن جاء تعليمه عن التبرير بالإيمان، يلغي الشريعة بالنظر إلى الخلاص.

* * *

ذاك كان جيل إسطفانس وبولس والهلّنيّين، وتجذُّره في أنطاكية قبل أن يصل إلى رومة. أمّا جيل متّى وإنجيله الأنطاكيّ في الثمانينات، فعرف إطارًا لاهوتيٌّا وكنسيٌّا مختلفًا جدٌّا. طُردوا من فلسطين على أثر الحرب اليهوديَّة الأولى (سنة 66-70) فمضوا إلى »سورية« بمعناها الواسع، من سهل البقاع مرورًا بحمص وحماة وصولاً إلى أنطاكية. هم يهومسيحيّون متعلِّقون بالشريعة تعلُّقًا دقيقًا(53)، وبرسالة إسرائيل(54). هو الخطُّ »الناموسي« من νομος(الشريعة). أمّا خطُّ مرقس فهو »أنتيناموسي« antinomiste ، لأنَّ إنجيله لا يتوجَّه فقط إلى العائشين بحسب الشريعة، بل إلى الوثنيّين ولاسيَّما في رومة. ويبدو، بحسب دراسات أخيرة، أنَّ أساسه في أنطاكية(55).

هو صراع في مسيحيَّة أنطاكية وامتدادها، يمزِّقها ويجعل فئة ضدَّ فئة، فيمضي المؤمنون تاركين هذه الفئة وتلك. ما يكون موقف متّى؟ بدأ هجومه على المجمع(56). فالعالم اليهوديّ الذي أرعبه دمار الهيكل سنة 70، حاول البقاء فانغلق على ذاته في خطِّ تعليم الفرّيسيّين: لُعن الهراطقة (وأوَّلهم المسيحيّون) وطُردوا من المجمع. فماذا كانت النتيجة؟ عداوة بين اليهود واليهومسيحيّين، وكلُّ فئة تحاول أن تشدَّ بالتوراة إلى صدرها: هل تمرُّ الشريعة وتعاليم الأنبياء عبر الكنيسة أو عبر المجمع؟ أمّا متّى فتحدَّث باسم حركة مسيحيَّة تُجرّد إسرائيل من الوحي التوراتيّ وتُصادره: التوراة ومواعيد الآباء مُلكُ الكنيسة. ومقتل المسيح كرَّس فشل الشعب المختار(57). وتوقيع الله نقرأه في خراب المدينة، بحيث حُذف إسرائيل من خارطة الخلاص وانتُزعت الشريعة منه(58).

منعطف تاريخيّ في كنيسة متّى(59). دعا الإنجيليّ الجماعة اليهومسيحيَّة لكي تتخلّى عن إسرائيل الملعون، وتنطلق في الرسالة إلى الوثنيّين(60). في هذا الطريق، تتسلَّم الرسالة بأن تحفظ وصايا يسوع كما أعاد ترتيبها يسوع (مت 28: 20: ما أوصيتكم به). ولكن برز انقباض وتشنُّج داخل الكنيسة، وارثة المواعيد: التشديد على الشريعة لدى اليهومسيحيّين. ولكنَّ متّى أخذ مرقس، فبيَّن حرِّيَّة يسوع تجاه الشريعة(61)، وجاء النداء إلى الحبّ يتساءل حول معنى الفرائض النصوصيَّة. ففي الوضع الصعب الذي يعرفه متّى، كانت الأوَّليَّة للحبِّ الذي يُدمِّر »الناموسيَّة«.

وهكذا نفهم أنَّ بولس حافظ على السلطة الخلقيَّة في الشريعة(62). أمّا متّى فقطع كلّ اتِّصال بعقيدة سلطة الفرائض الموسويَّة التي لا تُناقَش، وتطلَّع إلى الشريعة بالنسبة إلى الكنيسة مع ابتعاد عن اليهومسيحيَّة.

ب- المحبَّة قمَّة الشريعة

حين تحدَّث الرسول عن المواهب في كنيسة كورنتوس، أراد أن يدلَّهم »على أفضل الطرق« (1كو 12: 31). هذه الطريقة هي المحبَّة وهي تُعطي كلَّ أعمال الإنسان معناها. وفي امتداد هذا القول، تَبرز المحبَّةُ التي تُجمِّل الشريعة وكلَّ الوصايا. قال الرسول إلى أهل غلاطية:

5: 13 اخدموا بعضكم بعضًا بالمحبَّة،

14 فالشريعة تكتمل كلُّها في وصيَّة واحدة: أحبب قريبك مثلما تحبُّ نفسك.

لا حاجة لكثرة الوصايا بعد أن وصل عددُها في العالم الفرّيسيّ إلى 613 وصيَّة. وصيَّة واحدة، سوف يدعوها بولس في الرسالة عينها: »شريعة المسيح«، قال:

6: 2 ساعدوا بعضكم بعضًا في حمل أثقالكم، وبهذا تتمُّون العمل بشريعة المسيح.

وشريعة المسيح هي في النهاية المحبَّة(63) التي تقود إلى الحرِّيَّة. فالمسيح الذي أخرج الذين آمنوا به من كلِّ إكراه خارجيّ، يحوِّلهم إلى أبناء الله، أي أناس حمَلَ إليهم المسيحُ حبَّه البنويّ، كأناس يُلهم هذا الحبُّ كلَّ خياراتهم، ويكون مبدأ نشاطهم كلِّه. فالحبّ الذي يجعل من البشر خدّام إخوتهم، يجعلهم يُفلتون من كلِّ عبوديَّة للشريعة. وكيف تمارَس الشريعةُ إكراهًا على الذي يمارسها بحبّ؟ لهذا قال الرسول: الشريعة تكتمل بوصيَّة واحدة، وصيَّة المحبَّة. ذاك هو الوجه الإيجابيّ. والناحية السلبيَّة تقول: »فإذا كنتم تنهشون وتأكلون بعضكم بعضًا« (آ15). وهكذا نفهم إلى أين تقود عبوديَّة الجسد، وكيف أنَّ الحبَّ يخلِّص من هذه العبوديَّة ومن الانقسامات التي تُنتجها هذه العبوديَّة.

وهذه الحرِّيَّة التي تميِّز أبناء الله، هي شيء إيجابيّ، لأنَّها تقول لنا إنَّهم لم يعودوا لأيِّ شريعة، بعد أن صاروا في خدمة إخوتهم. هنا نلاحظ طابع المفارقة في مثل هذه الحرِّيَّة، فهي تجد كمالها في الخدمة. وهذه الخدمة هي التعبير عن المحبَّة، ذات المحبَّة التي جعلت ابن الله يأخذ وضعنا كخادم، ويقبل الموت لكي يحرِّرنا من الموت ويعطينا أن نقاسمه حياته، كالابن الوحيد. ونقرأ في الإطار عينه الرسالة إلى رومة:

13: 8 لا يكن عليكم لأحد دَين إلاَّ محبَّة بعضكم لبعض، فمن أحبَّ غيره أتمَّ العمل بالشريعة.

9 فالوصايا التي تقول: لا تزنِ، لا تقتل، لا تسرق، لا تشتهِ، وسواها من الوصايا، تتلخَّص في هذه الوصيَّة: أحببْ قريبك مثلما تحبُّ نفسك.

10 فمن أحبَّ قريبه لا يسيء إلى أحد، لأنَّ المحبَّة تمام العمل بالشريعة.

»دين«. حرفيٌّا: ما ينبغي عليكم، ما هو متوجِّب οφειλετε . كانت الشريعة تفرض على المؤمنين أن يقوموا بأعمال ويمتنعوا عن أخرى. أمّا الآن فالمحبَّة هي هنا. ومن أحبَّαγαπων أكمل الشريعة νομον πεπληρωκεν. كانت ناقصة في العهد القديم. وها هي المحبَّة تكمِّلها. وهذا الذي قاله الرسول، ردَّده في آ10: المحبَّة αγαπηهي كمال الشريعة πληρωμα νομου. لا شيء يُطلَب بعد من المؤمن. لهذا كان بولس قاسيًا مع أهل غلاطية، فدعاهم »أغبياء« لأنَّهم أرادوا أن يضيفوا على مثل هذه الشريعة شريعة أخرى: »إذا اختنتم لا يفيدكم المسيح شيئًا« (غل 5: 2). لماذا؟ لأنَّ الختان »لا ينفع شيئًا، ولا عدم الختان، بل الإيمان العامل بالمحبَّة« (آ6). والشيء عينه يقال بالنسبة إلى الشريعة الطعاميَّة. فالشريعة هي المحبَّة. قال بولس: »إذا أسأتَ إلى أخيك بما تأكله، فأنت لا تسلك طريق المحبَّة. فلا تجعل من طعامك سببًا لهلاك من مات المسيح من أجله« (رو 14: 15).

قلنا »وصايا عديدة« تتلخَّص، أو بالأحرى »تلخَّص« (في صيغة المجهول): ανακεφαλαιουται: الله يلخِّصها في »كلمة واحدة« εν τω λογω. نتذكَّر هنا أنَّ النصَّ الأصليّ للوصايا كما ورد في التوراة هو zbrsy الكلمات العشر.

ذاك هو كلام الرسول: هناك دَين لا يمكن أن نتخلَّص منه مهما فعلنا، هو المحبَّة المتبادلة. فالوصيَّة الجديدة التي أعطاها الربّ، دُوِّنت هنا قبل أن تدوَّن في الأناجيل(64). فعلاقة الأخوَّة في الجماعة المسيحيَّة تكمن في الحبِّ المتبادل بين الأعضاء، بحيث يحبّ كلّ واحد قريبه بالحبِّ الشخصيّ الذي أحبَّه الله: »ونحن عرفنا المحبَّة حين ضحّى المسيح بنفسه لأجلنا، فعلينا أن نضحّي بنفوسنا من أجل الإخوة« (1 يو 3: 16). غير أنَّ المحبَّة المسيحيَّة ليست محبَّة منعزلة، منغلقة على ذاتها، وهي لا تنحصر في القريب القريب، أي الأخ المسيحيّ. فالمحبَّة عند المؤمن تصل إلى كلِّ إنسان لأنَّ كلَّ إنسان قد أحبَّه الله. وهكذا تتمُّ الشريعة. لاحاجة أن نعمل بعدُ شيئًا فوق ذلك(65) إذا كانت الشريعة في حياة الشعب العبرانيّ تعبيرًا ملموسًا عن حبِّ الله لشعبه (رو 9: 4)، فلا يمكن أن يكون كمالها إلاَّ في الحبّ، ممّا يعني أنَّ الربَّ عاد إلى الابتداء، تاركًا »تقاليد البشر التي تحاول أن تُبطل كلام الله« (مت 15: 6).

* * *

ما طرحه بولس في شأن المحبَّة، سوف يطرحه متّى في شكل آخر. فالمحيط هو هو. والصراع يكون، لا بين الشريعة والإيمان، بل بين الشريعة والمحبَّة. ونقرأ المقطع الأوَّل حيث يُطرَح سؤال على يسوع (مت 22):

35 فسأله واحد منهم، وهو من علماء الشريعة ليُحرجه:

36 »يا معلِّم، ما هي أعظم وصيَّة في الشريعة؟«

37 فأجاب يسوع: »أحبَّ الربَّ إلهك بكلِّ قلبك، وبكلِّ نفسك، وبكلِّ عقلك.

38 هذه هي الوصيَّة الأولى والعظمى.

39 والوصيَّة الثانية مثلها: ''أحبب قريبك مثلما تحبُّ نفسك''.

40 على هاتين الوصيَّتين تقوم الشريعة كلُّها وتعاليم الأنبياء«.

يدور الكلام على الوصيَّة εντολη. الوصايا عديدة في الشريعةεν τω νομω. وسأل العالم بالشريعة νομικος ما »أعظم« الوصايا. μεγλα(66). أجاب يسوع فأورد »العظمى«. ثمَّ »الأولى« πρωτη: وصيَّة واحدة في وصيَّتين: محبَّة الله ومحبَّة القريب. بهما يتلخَّص العهد القديم كلُّه. بل بهما تتعلَّق κρεμαται »الشريعة والأنبياء«. في هذا الخطِّ نفهم كلام القدّيس أوغسطين: »أحبب وافعل ما تشاء. فمن يحبَّ لا يفعل سوءًا بالقريب«.

ضمَّ يسوع الوصيَّتين في أعظم الوصايا، فكان هذا التعبير أساسًا لعدد من التعابير في العهد الجديد. وحده يسوع يدعو تابعيه ليركِّزوا الخلقيَّة في العمق على هذا الكلام(67): فالأولويَّة المميَّزة التي تلعبها المحبَّة في الخلقيَّة المسيحيَّة، لا يمكن أن تصدر إلاَّ عن فم المعلِّم الذي وحَّد بين محبَّة الله ومحبَّة القريب. وهكذا نادت المسيحيَّة الأولى »بشريعة المحبَّة«(68).

إذ أورد متّى هذا الحوار، رسم محبَّة الله كموجز للشريعة (تث 16: 1-7): من يحبُّ الله يُتمُّ الشريعة كلَّها (تث 5: 29). هذا النصُّ حول محبَّة الله هو أرفع ما في العالم اليهوديّ (اسمع يا إسرائيل). وكذا نقول عن محبَّة القريب في لا 19: 18. نصّان من العهد القديم جُعلا في وصيَّة واحدة، ولا حاجة بعدُ إلى الوصايا العديدة(69).

وتَبرز هذه المحبَّةُ بشكل يوميّ في ما دُعيَ القاعدة الذهبيَّة: »اعملوا للناس ما تريدون أن يعمله الناس لكم. هذه هي خلاصة الشريعة وتعاليم الأنبياء« (مت 7: 12). ويواصل يسوع كلامه: »إذا كنتَ تقدِّم قربانًا« (مت 5: 23). وأيُّ شيء أعظم من القربان؟ ومع ذلك المحبَّة تمرُّ قبله: »اذهب أوَّلاً وصالح أخاك، ثمَّ تعال وقدِّم قربانك« (آ24). ويُقال الشيء عينه عن محبَّة الأعداء. »سمعتم أنَّه قيل... أمّا أنا فأقول لكم: أحبّوا أعداءكم...« (آ43-44).

أجل، المحبَّة تتجاوز الشريعة وفرائضها: أشرنا إلى حادثة التقاط السنابل مع قساوة قلوب الفرّيسيّين تجاه فقراء قطفوا بعض السنابل، فحسبوهم حصدوا حقلاً كاملاً. وكذا نقول عن المعجزات: كيف يمضي يسوع إلى الأبرص، بل »يمدُّ يده ويلمسه« (مت 8: 3) لمسة المحبَّة؟ يا للنجاسة، أين شرائع البرص والعفن كما يتحدَّث عنها سفر اللاويّين؟! والضابط الرومانيّ دعا يسوع إلى بيته من أجل خادم طريح الفراش. ما تردَّد يسوع في الذهاب إلى بيت وثنيّ: »أنا ذاهب لأشفيه« (آ8). والخطيئة الكبرى أنَّ يسوع جلس مع الخطأة والعشّارين! (مت 9: 11). وهذه النازفة، النجسة، التي لا يحقُّ لها أن تمسَّ إنسانًا، لمست يسوع فهنَّأها على ما فعلت: »ثقي يا ابنتي، إيمانك شفاك« (آ22). لا شيء يعلو على المحبَّة، حتّى الإيمان والرجاء. أتُرى الشريعة تبقى خارج المحبَّة؟ حينئذٍ يصيبها ما أصاب الابن الأكبر، ذاك الفرّيسيّ، الذي لا يريد أن يجلس مع أخيه العائش مع البغايا. يصيبها ما أصاب الشعب اليهوديّ حين رفض المسيح باسم الشريعة، فتألَّم بولس وقال: »إنّي حزين جدٌّا وفي قلبي أَلمٌ لا ينقطع« (رو 9: 2).

ج- غاية الشريعة المسيح

في إطار القسم الخامس (9: 1-11: 36) من الرسالة إلى رومة، يأتي الكلام على برِّ الشريعة وبرِّ الإيمان (10: 1-13):

3 لأنَّهم جهلوا (= اليهود) برَّ الله وطلبوا أن يثبِّتوا برَّهم الخاصّ ιδιαν ، فما خضعوا لبرِّ الله،
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
مسيرة طويلة سرناها مع متّى وبولس في قراءتنا للشريعة
انظروا إنسانًا، شاول وبولس؛ شاول في المغارب، وبولس في المشارق
المواجهة
متّى
دعوة متّى


الساعة الآن 09:32 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024