|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الرسول جنديٌّ وفلاّح من هو الجنديّ؟ ذاك الذي يدافع عن الوطن. والفلاّح؟ ذاك الذي يهتمُّ بالأرض فيُخرج منها الطعام لإخوته وأخواته. قال بولس لتلميذه تيموتاوس: »شارك في احتمال الآلام كجنديّ صالح للمسيح يسوع« (2 تم 2: 3). إذا كان التلميذ يحمل الصليب، فهذا يعني أنَّ الألم جزء من حياته. الرسول يعرف ذلك منذ بداية المسيرة وبولس قال لنا بصراحة: »أعطيَ لنا لا أن نؤمن به، بل أن نتألَّم معه« (فل 1: 29). إذا كان الإيمان هديَّة من عند الربّ، فالآلام أيضًا هديَّة. تلك هي المشاركة المطلوبة من خادم الربّ، على ما قال بولس أيضًا: »أتمِّم في جسدي ما ينقص من آلام المسيح من أجل جسده الذي هو الكنيسة« (كو 1: 24). أتُرى آلام المسيح ناقصة؟ بل المسيح ترك لنا مكانًا لكي نحمل صليبه معه. وهذا هو شرف كبير لا يفهمه إلاَّ القدّيسون. ونلاحظ قول الرسول: هو لا يتأفَّف بسبب الآلام التي تصيبه في رسالته، بل يعلن: »أفرح بالآلام التي أعانيها«. فلسنا وحدنا حين نحتمل الآلام، فهناك من يحمل صليبنا معنا، وقد يحملنا حين يرانا ضعفاء، بائسين، لا نعرف كيف نتوجَّه. ووضع بولس المثال: الجنديّ. هو من يقدِّم عمله وتعبه، بل يجعل حياته على كفِّه. وهناك جنديٌّ وجنديّ. فالجنديّ الصالح لا يترك الساحة مهما كانت الأخطار. والجبان يهرب حين يرى العدوَّ آتيًا. هنا نتذكَّر جيش جدعون الذي عُدَّ بالآلاف، ولكن كم كان الذين رافقوه؟ ثلاثمئة فقط. هناك الخائف المرتعد (قض 7: 3) الذي ينقل خوفه إلى الآخرين. هذا تراجع. الرسول الذي يتراجع خوفًا، يدلُّ أنَّه لا يؤمن بمن جنَّده. وهناك من فكَّر بامرأته وأولاده، أو بحقله فرجع. وهناك من تماهل فأخذ وقته ليشرب على مهل بحيث يكون الأخير فيموت من يموت ويتدبَّر هو أمره. فكم من الأشخاص يتركون العمل لغيرهم! وإذا أحسُّوا أنَّهم وحدهم تذمَّروا. مع أنَّه شرف كبير أن يستند الربُّ إليَّ ويقول لي: اذهب إلى كرمي (مت 21: 28). كان بإمكان الربِّ أن يختار غير شاول (أو بولس) بين الماضين إلى دمشق. ولكنَّه اختار شاول ودعاه باسمه مرَّتين. وماذا ينتظره بعد أن اختاره الربّ؟ قال الربُّ لحنانيا: »سأريه كم يجب أن يتحمَّل من الآلام في سبيل اسمي« (أع 9: 16). ليس نداء الربِّ نزهة بين المروج، ولا شَرفيَّة وفخرًا، بل الصعوبات والآلام. فابنا زبدى طلبا أن يكونا عن يمين الربِّ وعن شماله، حين يكون في مجده. قال لهما يسوع: »أتعرفان ما أنتما تطلبان؟ هل تستطيعان أن تشربا كأس الموت التي سأشربها؟ (مر 10: 38). لم يعرفا ما ينتظرهما في ذلك الوقت، ولكن فيما بعد عرفا ولاسيَّما يعقوب الذي كان أوَّل رسول يموت لأجل اسم يسوع: قتله هيرودس بحدِّ السيف (أع 12: 2). خادم الربِّ »يتجنَّد«، أي يتفرَّغ لعمل الجنديَّة. ويقول بولس لتيموتاوس: »لا يشغل باله بأمور الدنيا إذا أراد أن يُرضي قائده« (2 تم 2: 4). لا يهمُّه سوى إرضاء من جنَّده. يسوع المسيح هو قائدنا، ونحن ننتظر أوامره. هنا نتذكَّر »شاول« بعد اهتدائه في دمشق ومروره في أورشليم. ماذا عمل؟ مضى إلى طرسوس، إلى بلدته وانتظر الأوامر من قائده. فأرسل إليه برنابا »فجاء به إلى أنطاكية« (أع 11: 25). ولن تتوقَّف مسيرة رسول الأمم حتّى آخر رمقٍ من حياته. وما يميِّز الجنديّ هو »الجهاد«. قال بولس عن نفسه: »جاهدت الجهاد الحسن وأتممتُ سعيي وحفظتُ إيمانيّ« (2 تم 4: 7). وما قام به بولس، ها هو يطلبه من تلميذه، ومن كلِّ كاهن في كنيسة الله: »وجاهِد في الإيمان جهادًا حسنًا، وفُزْ بالحياة الأبديَّة« (1 تم 6: 12). وتحدَّثت الرسالة الأولى إلى الكورنثيّين عن »السباق« الذي يقوم به كلُّ واحد منّا: هناك مجهود وضبط النفس (1 كو 9: 25). الناس في الميدان ينتظرون إكليلاً يَفنى، أمّا نحن فإكليلاً لا يَفنى. هناك هدف أمامنا نتطلَّع إليه ولا يشغلنا عنه شاغل. نحاول أن ندرك المسيح الذي أدركنا. لهذا ننسى ما وراءنا ونتطلَّع إلى ما قدَّامنا »للفوز بالجائزة التي هي دعوة الله السماويَّة في المسيح يسوع« (فل 3: 14). ملكوت الله يؤخذ بالقوَّة، والأقوياء هم الذين يأخذونه. »فلا مكان للجبناء«، كما قال سفر الرؤيا (21: 8). فهم يقفون مع السحرة وعبدة الأوثان والكذّابين. خادم الربِّ هو جنديّ، وهو فلاّح أيضًا. قال بولس: »والزارع الذي يتعب يجب أن يكون أوَّلَ من ينال حصَّته من الغلَّة« (2 تم 2: 6). يسوع هو الزارع الأوَّل. ذاك ما نفهمه من الأمثال الإنجيليَّة. »خرج الزارع ليزرع« (مت 13: 3). والزارع هو يسوع المسيح الذي تقع كلمته في أكثر من موضع. وما أسعدنا إن وقعت في الأرض الجيِّدة، فهي تثمر ثلاثين وستّين ومئة. هو يزرع، وإن جاء العدوُّ »وزرع الزؤان بين القمح« (آ24) فهو لا يتراجع. وحبَّةُ الخردل التي يزرعها، تصير شجرة وإن كانت في الأصل حبَّة صغيرة (آ3-32). ومعه يزرع »خدَّامُ الإنجيل« على ما قال بولس عن نفسه وعن الفريق الرسوليّ: »فإذا كنّا زرعنا فيكم الخيرات الروحيَّة، فهل يكون كثيرًا علينا أن نحصد من خيراتكم المادِّيَّة؟« (1 كو 9: 11). أجل، هكذا مضى الرسول من مدينة إلى مدينة يزرع الإنجيل. ونبَّه معاونيه في الرسالة: »وتذكَّروا أنَّ من زرع قليلاً حصد قليلاً، ومن زرع كثيرًا، حصد كثيرًا« (2 كو 9: 6). أجل، الكاهن يزرع كلام الله. والويل له إن تقاعس عن هذا العمل وارتضى ببعض الممارسات الخارجيَّة التي قد ترضي الله بسبب قلوب العاملين بها. فنسمع صوت الربِّ بفم إشعيا: »أبغضتُ أعيادكم. إذا بسطتم أيديكم، أسترُ عينيَّ عنكم لئلاَّ أراكم. وإذا أكثرتم الصلاة لا أسمع لكم« (إش 1: 15). فإذا كنّا لم نزرع شيئًا، فماذا نحصد؟ ولماذا نتذمَّر من رعايانا لأنَّها ميتة ولا حياة فيها؟ معتقدات بلا جذور! فمن هو المسؤول عن هذه »الأرض« التي لم تُفلَح ولم تُصلَح؟ ولماذا نندهش إذا الكرمة ما أعطت عنبًا، بل حصرمًا برِّيٌّا؟ الربُّ يرسلنا إلى كرمه ويطلب منّا الثمار، هذا يعني أنَّنا نعمل ولا نخفي وزنتنا في الأرض (مت 25: 18). حينئذٍ نستحقُّ تسمية »الخادم الشرّير الكسلان« (آ26). فإذا جاء الربُّ ماذا يحصد إذا كنّا لم نزرع شيئًا؟ وماذا يجمع إذا نحن لم نلقِ البذار؟ عندئذٍ نسمع الحكم القاسي: »وهذا الخادم الذي لا نفع فيه، اطرحوه خارجًا في الظلام. فهناك البكاء وصريف الأسنان« (آ20). ولكن طوباه العامل في الكرم فيسمع كلام الربِّ حين يعود: »أدخل فرح سيِّدك« (آ23). |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|