|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الظلام وعمود النار أبرز في الأصحاحات السابقة أقنوم حكمة الله الذي يعلن حبه واهتمامه سواء بعطاياه أو تأديباته. فكثيرًا ما كان يستخدم وسيلة ما لتأديب الأشرار، وإذا بذات الوسيلة تُستخدم لصالح الأبرار ومساندتهم، حتى يدرك الكل أن ما يحدث هو حسب إرادة الله أو بسماحٍ منه، وأن كل عطية صالحة هي من عنده. عرض قبلًا أربع مقابلات بين ما حلُ بالأشرار وما تمتع به الأبرار، والآن في شيء من الإسهاب يتحدث عن المقابلة الخامسة بين الظلمة التي أرعبت الأشرار والنور الذي كان لخدمة المؤمنين الأبرار. ظلمة تفضح الشر 1 إِنَّ أَحْكَامَكَ عَظِيمَةٌ لاَ يُعَبَّرُ عَنْهَا، وَلِذلِكَ ضَلَّتِ النُّفُوسُ الَّتِي لاَ تَأْدِيبَ لَهَا. 2 فَإِنَّهُ لَمَّا تَوَهَّمَ الْمُجْرِمُونَ أَنَّهُمْ يَتَسَلَّطُونَ عَلَى الأُمَّةِ الْقِدِّيسَةِ، إِذَا هُمْ مُلْقَوْنَ فِي أَسْرِ الظُّلْمَةِ وَقُيُودِ اللَّيْلِ الطَّوِيلِ، مَحْبُوسُونَ تَحْتَ سُقُوفِهِمْ، مَنْفِيُّونَ عَنِ الْعِنَايَةِ الأَبَدِيَّةِ. 3 وَإِذْ حَسِبُوا أَنَّهُمْ مُسْتَتِرُونَ فِي خَطَايَاهُمُ الْخَفِيَّةِ، فَرَّقَ بَيْنَهُمْ سِتْرُ النِّسْيَانِ الْمُظْلِمُ، وَهُمْ فِي رُعْبٍ شَدِيدٍ تُقْلِقُهُمُ الأَخْيِلَةُ. إن أحكامك عظيمةٌ لا يُعبَّر عنها، ولذلك ضلَّت النفوس التي لم تتأدب. [1] فإنه لما توهَّم آثمونَ أنهم يتسلطون على الأمَّة القديسة، صاروا أسرى الظلام، ومقيدين بليلٍ طويلٍ، محبوسين تحت سُقوفهم منفيِّين عن العناية الأبدية. [2] جاءت ضربة الظلمة التي حلت بالمصريين قبل الضربة القاضية "قتل الأبكار"، وكأنها آخر إنذار إلهي موجه ضد الأشرار ليكتشفوا ما هم عليه، ويعيدوا تقييم الموقف. بهذه الضربة ظهرت عظمة حكمة الله، للأسباب التالية: أولًا: بسقوطهم تحت هذه الضربة يدركون الظلمة الداخلية التي حلت في قلوبهم وأفكارهم. لقد ضلت نفوسهم، ولم تبالِ بالضربات السابقة المتوالية، فصاروا كمن في تيهٍ وضلالٍ، وقد ضاعت منهم ملامح الطريق الحقيقي، لأنهم رفضوا النور الإلهي. بحقٍ قيل عنهم: "لذلك ضلت نفوس لا تأديب لها". ثانيًا: يعيشون في وهم، ولا يدركون الحقيقة، فيظنون أنهم أصحاب سلطان، ليس من يقدر أن يقف أمامهم أو يصد هجماتهم على شعبٍ أعزل مُستعبد. ثالثًا: أنهم يسخرون بهذا الشعب الأعزل، ولا يدركون أنهم يمثلون أمة مقدسة في ذلك الحين. رابعًا: لم يدرك هؤلاء القساة أنهم إنما يقسون على أنفسهم، إذ هم "أسرى الظلام" وأنهم مقيدون وفي ليلٍ طويلٍ، ربما لا يشرق عليهم نور صباح بسبب عنادهم. خامسًا: بعنفهم وقسوتهم صاروا أسرى بغير قيود حديدية، وفي سجنٍ من صنع خطاياهم: "محبوسين تحت سقوفهم". سادسًا: إذ هم بلا رحمة يحرمون أنفسهم من رحمة الله ولطفه "منفيين عن العناية الإلهية" هذه الحقائق الست هي من صنع الخاطي المُصر على العنف والظلم والقسوة: ظلمة داخلية في أعماق النفس، اعتداد بسلطان وهمي لا وجود له، عدم إدراك لإمكانات من يقسون عليهم، والتعرف على حقيقتهم، يأسرون أنفسهم في الظلام بلا رجاءٍ في التمتع بنورٍ مشرق، يسجنون أنفسهم في سجنٍ من في عمل أيديهم، وأخيرًا يحرمون أنفسهم من المراحم الإلهية. ظن فرعون ورجاله أنهم أصحاب سلطان ليس من رادعٍ لهم، فلم يبالوا بالأمر الإلهي الصادر إليهم خلال رجل الله موسى. وعوض التجاوب معه، في عناد صدرت الأوامر مشددة لمعاملة شعب الله بقسوةٍ وعنفٍ. وإذ أصروا على ذلك حتى بعد معاناتهم من تأديبات كثيرة أصيبوا بضربة الظلام. هنا يصوِّر الحكيم المصريين وهم في سجنٍ وظلامٍ، عاجزين عن ممارسة أعمالهم اليومية، ولم يوجد نور إلاَّ في أرض جاسان (محافظة الشرقية حاليًا). عوض استعبادهم لليهود، سجنوا أنفسهم بأنفسهم في بيوتهم وسط ظلمة حالكة، وفارقتهم حتى عطية إشراق الشمس المادية عليهم. لم يكن ممكنًا لإلههم حيث كانوا يعبدون الشمس (الإله رع) أن يخلصهم من الظلمة. تحولت بيوتهم إلى جحيم لا يُطاق، حيث اقتحمتهم الخيالات، وانحلت قوتهم من الخوف. الله المحب للبشرية يشرق شمسه على الأشرار والأبرار (مت 5: 45)، ومن أجل حبه أيضًا يسمح أن ينزع هذه العطية أحيانًا، لكي إذ يفقد الشرير النور الملموس يدرك فقدانه النور الإلهي في أعماقه، وتسلط الظلمة الشريرة على قلبه وفكره وحواسه! هكذا يبدو كمن فقد العناية الإلهية (حك 17: 2). |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|