|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
محمد الباز يكتب : جماعة الخرفان إذا كلفت نفسك وفتحت المعجم الوسيط ستقابلك هذه الجملة «انقادوا كالخراف أى سلكوا مسلك الآخرين بدون تفكير ولا روية».. يمكن أن ينهى هذا التعريف أى حديث عن ذم الخرفان، ففيها ما يكفى، لكن أعتقد أن الأمر يحتاج بعضاً من الحديث. فالخروف يسير وسط قطيعه يتبع الإشارة لا يناقش ولا يجادل، وإذا خرج عن الصف حتى لو صدفة يجد كلب الراعى يطارده حتى يعود به مرة أخرى إلى القطيع الذى لا يستطيع أن يغادره أبدا. هناك من يتعاطف مع الخروف بالطبع، يعتبره ضحية، وهؤلاء يعظمون أمره، استجابة إلى توصيف القرآن الكريم له: «وفديناه بذبح عظيم»، فعندما أوشك نبينا وسيدنا الأكبر إبراهيم عليه السلام أن يذبح ولده إسماعيل، أنقذت السماء صغيرها، وأتت لنبى الله بخروف عظم شأنه وجعلته فداء لإسماعيل ومن بعده. بخلاف هذا التكريم الإلهى للخروف، نراه كائنا مهانا، لا ميزة فيه على الإطلاق، فالإنسان الغبى نطلق عليه «خروف»، والرجل الذى لا يهش ولا ينش مع زوجته هو رجل «خروف»، أما إذا بدأ الرجل فى التخريف، فهو رجل خرف (بيخرف). أنت تصطحب خروف العيد لتذبحه بلا أى مشاعر، تعتبر ما تفعله تقربا من الله لا أكثر ولا أقل، ولأنه كائن تافه بالنسبة لك لا تفكر على الإطلاق فيما يعانيه هذا الكائن الضعيف، ستعتبر ما أقوله مزايدة لك، سأؤكد لك أن الخروف لا يملك لى ضرا ولا نفعا حتى أزايد عليك به. لو افترضنا أن الخروف كائن عاقل يعرف ما ينتظره فى حياة من ذبح، فلا يعبأ بأى شىء، فمصيره بيد آخرين، لا يملك لنفسه شيئا، صحيح أنه ليس سلبيا بالمرة، لا يكف عن الصياح، ولا يلتزم الصمت إلا بعد أن تسرقه السكين (راجع ما فعله صلاح أبو سيف فى فيلمه شباب امرأة، فبعد أن اصطحبت شفاعات فتاها إمام إلى مخدعها بدون رضاه، قطع الشاشة بشخص يقود خروف وراءه، فلا فرق بين الخروف الحيوان والخروف الإنسان، كل منهما يقاد إلى مصيره حتى لو كان هذا المصير لا يعجبه). على سبيل المزاح أعتقد أيضا أن الخروف يمكن أن يكون حالة مكتملة يقوم على دراستها نفسيا صديقى الدكتور محمد المهدى، المتخصص فى علم النفس السياسى، يدخل به إلى دراسة عالم القطيع، ويمكن هنا أن أشير عليه ببعض ملامح عالم الخرفان، حتى يضع لها توصيفا نفسيا. فالخروف فى كتاب ابن سيرين الشهير فى تفسير الأحلام، وعندما يظهر لك فى الحلم، فمعناها أن الله سيرزقك بولد ذكر مطيع لوالديه، فالأصل فى الخروف إذن هو الطاعة التامة والمطلقة العمياء، لا توجد ميزة أخرى له، ولو كانت ولو مصادفة لذكرها الشيخ ابن سيرين. عندما نأخد الخروف من الصيغة الفردية إلى الصيغة الجماعية، يمكن أن نلحظ جماعات بأكلمها تمثل جماعات الخرفان، وهى جماعات تتبع من يقودها وتهلل لقائدها الذى يتكلم دون أن تكلف نفسها عناء التفكير جيدا فيما يقول، فالنسبة لها يكفى أنه القائد المنتظر. وفى وعى قائد جماعة الخرفان السياسية أن خير الخراف أكثرها طاعة وتبعية، وإذا أثبت ذلك بمواقف مختلفة كان حقاً له أن ينعم بحب الراعى والبعد عن المشكلات.. فإن يلتزم الخراف بتعالميه فهذا كل شىء، لأنه إذا خرج كل خروف ليرعى فى المنطقة التى يريدها، فإن هذا معناه الفوضى التامة، وقائد الخراف لا يحب الفوضى، أو بمعنى أدق لا يستطيع أن يعمل وخرافه متمردة عليه. الخروف فى الجماعة السياسية ليس أكثر من دلدول، والدلدول منهى عنه سياسيا ودينيا، فالرسول صلى الله عليه وسلم ذم فى حديثه الشريف الرجل الإمعة، الذى يسىء إذا أساء الناس، ويحسن إذا أحسن الناس، لا رأى له ولا قيمة. أما سياسيا فالخروف ينظر له راعيه على أنه بلا قيمة، مجرد رقم، مجرد أداة يستخدمها كما يريد، منديل كلينكس يلقى به فى أول صندوق زبالة بعد أن يستخدمه، وهنا يظهر للخروف مرادف آخر، وهو كبش الفداء، وكم من جماعات سياسية قدمت خرافها ككباش فداء لتخرج من مأزقها، وإذا تمرد أحدهم اتهموه بألعن وأفحش الصفات.. فليس مقبولا منك إلا أن تكون خروفا فقط، أما إذا أردت أن تتمرد على وضعك فليس لك إلا الذبح. سيطر الراعى على جماعة الخرفان مرة بالمصلحة، اقنعهم أنهم معه سيربحون أكثر، يمكن أن يستخدموا ولاءهم له فى سرقة ونهب واغتصاب ما يريدون، لا لشىء إلا لأنهم من رجاله، ولما انتهت دورة المصلحة، ظهرت جماعات خرفان جديدة تتعامل مع الدين على أنه الوسيلة الوحيدة التى يمكن أن تخضع الرقاب، بزعم أن التضحية هنا ليست من أجل الحياة ولكن من أجل الآخرة وما فيها من جنة وحور عين. الخراف فى كل مرة تنخدع، وفى النهاية تجد نفسها أمام كارثة، تضيع معها كل أحلامهم، لكن المفزع أن الخراف تذهب إلى الحظيرة كل مرة بنفس الطريقة دون إبداع أو ابتكار.. ولا غرابة فى ذلك فهم فى النهاية خراف وهذا يكفى لتفسير كل ما تقدم عليه. الآن وعلى مساحة الفوضى السياسية التى تعيشها مصر هناك أكثر من جماعة تتنابز بالألقاب، لكن القوى السياسية تتفق فيما بينها على أن هناك جماعة خرفان واحدة، تسير وراء قائدها دون وعى ولا رأى ولا روية، تدافع عنه بالحق والباطل دون عقل، هؤلاء أصبحوا مثل السرطان الذى ينخر فى عظام الوطن بلا رحمة وبلا ضمير.. يمكن أن تحترم من يناقشك، من يختلف معك وهو يقدم مبرره لما يقوله، لكن ماذا تفعل فى الخروف الذى ينبح فى وجهك لمجرد أنك قلت شيئا لم يعجبه، أو يتفق مع الأوامر التى صدرت له، ولن أقول شيئا يختلف مع أفكاره (فمن قال إن الخرفان لها أفكار من الأساس. لم تنزعج جماعة الخرفان كثيرا ولا قليلا، عندما وجدوا شعارا فى مواجهتهم يقول: « أنا خروف دلدول.. ومستنى لما الجماعة تقول».. فهم فى تصرفاتهم السياسية ينتظرون بالفعل أوامر جماعتهم، لا يتحركون إلا بها، اخرجوا يخرجون.. الزموا بيوتكم يلزمونها دون خروج حتى لو مصادفة. جماعة الخرفان فى النهاية تتضاءل شيئا فشيئا، لكنها لن تنتهى أبدا، لأن من يحملون صفات الخراف التابعة لا يمكن أن ينقرضوا، لأن وجود الخراف فى الغالب حاجة بشرية، لا يمكن الاستغناء عنها أبدا. جماعة الخرفان التى ترفع شعار الطاعة العمياء لا تريد من يناقشها، أو يدخل معها فى جدل طويل، لأنها لا تملك حجة ولا مبرراً لما تقوم به إلا أنها تلقت الأوامر فقط، ولأنها تلقت الأوامر فلابد أن تنفذها حرفيا، حتى لو كانت تشعر بأن هذه الأوامر تتناقض معها أو لا تتفق مع إحساسها بإنسانيتها (عفوا فهل يعقل أن نقول إن لدى الخرفان مشاعر إنسانية يمكن أن نحاسبهم عليها أو بها؟). هذه الجماعات لا تحتاج إلا (جزار نضيف) على رأى محمد سعد فى فيلمه «بوحه»، يخلصنا هذا الجزار منها حتى لو سلخ قبل أن يذبح. الفجر |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|