|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
يُوحَنَّا شاهد لمجيء المسيح ورسالته (يُوحَنَّا 1: 19-28) ترتبط شَهَادَةٌ يُوحَنَّا بكشف الهُوة القائمة بين الذين يؤمنون باسم يسوع والذين لا يؤمنون. فإن وصول وفد من الكهنة واللاويين من اورشليم الذين حضروا إلى بيت عبرا في الأردنِّ لتوجيه سؤالا إلى يُوحَنَّا المَعْمَدان بخصوص المَعْمودِيَّة والتَّصريحات التي أعلنها (يُوحَنَّا 1: 19). يسال الكهنة واللاَّوِيّونَ بسلطان " مَن أَنتَ؟" (يُوحَنَّا 1: 19)، ويُوحَنَّا ينفي في إجابته أنه المسيح أو إيليا أو النَّبي الذي تنبَّا عنه موسى (يُوحَنَّا 1: 20-21). ومرة أخرى يُلحون عليه بان يُخبرهم ماذا يقول عن نفسه (يُوحَنَّا 1: 22) فيعلن أنه مجرد "صوت صارخ في البرية" أمام المسيح (يُوحَنَّا 1: 23) وأمَّا مُهِمَّته فهي إعداد الطَّريق للمسيح. وعند سؤاله بعد ذلك، يؤكد أن طقس معموديته كان تطهيريًا إعداديًا لمجيء المسيح، ويتبرأ من ادعاء أي سلطان، ويشهد باستحقاق وفضل يسوع المسيح الحاضر الآن. أراد الفَرِّيسيُّون أن يعرفوا من هو يُوحَنَّا المَعْمَدان، أمَّا يُوحَنَّا فأراد أن يُعرِّفهم من هو يسوع. فهو لم يجلبهم إلى نفسه، بل حوّل القلوب والعقول نحو الآخر، وبالتحديد نحو المسيح الرَّبّ. "بَينَكم مَن لا تَعرِفونَه" (يُوحَنَّا 1: 26). فقد بيّن يُوحَنَّا أنَّ أشخاص كثيرين من معاصريه لم يفهموا يسوع، ولم يتمكَّنوا من سبر غور شخصيته. نتذكّر في الزَّمن السّابق لميلاد الرب يسوع، توالي الأجيال من موسى إلى يُوحَنَّا المَعْمَدان هو زمن الأنبياء وهو الزَّمن الذي كانوا يرون فيه الرَّبّ رهيبًا مُخيفًا. لأنَّهم لم يكن يعرفونه حقًا. وفي وسط الدَّهشة العامة التي أحدثها يُوحَنَّا المَعْمَدان، جعل يخبر النَّاس ويعلن أنَّ المسيح آتٍ بعده وأنَّه يُعمّد بالرُّوح القدس، ويُوحَنَّا المَعْمَدان، "الذي سار أمام الرَّبّ بروح إيليّا وقدرته" (لوقا 1: 17)، بشّر بالمسيح مُعلنًا أنّه هو "الذي سيعمّد بالرُّوح القدس والنَّار" (لوقا 3: 16). وأمَّا يُوحَنَّا المَعْمَدان فهوغير مستحق أن يفك رباط حذاءه" أَنا أُعَمِّدُ في الماء، وبَينَكم مَن لا تَعرِفونَه ذاكَ الآتي بَعدِي، مَن لَستُ أَهلاً لأَن أَفُكَّ رِباطَ حِذائِه"(يُوحَنَّا 1: 26-27). اكتشف يُوحَنَّا سر عظمة يسوع الإلهية، وهو "يغفر الخطايا بالحقيقة، وهو دور لا يقدر سوى المسيح، ابن الله، على إدَّائه وإتمامه. ففي معمودية يسوع تتضمن القوَّة المطلوبة لعمل إرادة الله. شهد يُوحَنَّا للمرة الثَّالثة عن عظمة يسوع المسيح، إذ إنَّه يأتي بعده (يُوحَنَّا 1: 27) مع أن المسيح الأزلي السَّابق له، وأنه واهب النِّعم والمُخبر عن الآب (يُوحَنَّا 1: 15-18)، مُوضِّحًا أنه غير " أَهلاً لأَن يَفُكَّ رِباطَ حِذائِه" (يُوحَنَّا 1: 26-27)، وهو قائم في وسطهم ولم يعرفوه. ويعلق العلامة أوريجانوس "لا تظنَّ أن السَّبب أن يُوحَنَّا المَعْمَدان حمل الشَهَادَةٌ لكي يضيف شيئًا إلى الثِّقة في سيِّده. لا، وإنما لكي يؤمن أولئك الذين من ذات طبقته البشر. لقد سبق وأخبرنا يُوحَنَّا نفسه، إذ يقول: "لكي يؤمن الكل بواسطته". لم يَكْرِز يُوحَنَّا المَعْمَدان فقط فِي زمانه مُعلِنًا مجيء الرَّبّ قَائِلاً: "أَعِدُّوا طَريقَ الرَّبّ وٱجعَلوا سُبُلَه قويمة" (متى 3: 3). بل ها هو شاهدٌ لنا، فهو يصرخ اليوم أيضًا في داخِلنا ورَعْدُ صوتِه يَهُزُّ صحراء خطايانا... وصوتُه ما زال مُدويًا اليوم، طالبًا منَّا أن نُعِدَّ طريقَ الرَّبّ ليس بشقّ طريقٍ بل من خلال نقاوة إيمانِنا. ويُعلق العلَّامة أوريجانوس "أعتقد أنّ سرّ يُوحَنَّا المَعْمَدان ما زال يَتمّ في العَالَم حتّى يومنا هذا. فكلّ مَن قُدِّرَ له أن يؤمن بالرَّبّ يسوع المسيح، يجب بدايةً أن تحلّ فيه روح يُوحَنَّا المَعْمَدان وقدرته، لكي "يُعِدَّ لِلربِّ شَعبًا مُتأَهّبًا" (لوقا 1: 17)" (عظات عن إنجيل القدّيس لوقا). فيا حبّذا لو تحلّينا بروح يُوحَنَّا المَعْمَدان هذه الأيام، بل ولبسنا روحه، لنبشّر للأجيال النَّاشئة، بحياتنا ومثلنا وأقوالنا. أليس شرفًا أن نكون صوت الله في هذا العَالَم؟ رسم يُوحَنَّا نفسه طريقه لمجيء الرَّبّ يسوع المسيح، إذ كان رصينًا ومتواضعًا وفقيرًا. "وكانَ على يُوحَنَّا هذا لِباسٌ مِن وَبَرِ الإِبِل، وحَولَ وَسَطِه زُنَّارٌ مِن جِلْد. وكان طَعامُه الجَرادَ والعَسلَ البَرِّيّ" (متى 3: 4). ويُعلق القدّيس مكسيمُس الطورينيّ : "فهل من علامة أكبر للتواضع من أن يزدري المرء الملابس النَّاعمة ويستبدلها بالوبر الخشن؟ وهل من علامة أفضل للإيمان المُترسّخ من أن يكون المَرء وحقويه مَشدودين جاهزًا دومًا لجميع واجبات الخِدمة؟ وهل من علامة للتخلّي أكثر إشراقًا من أن يتغذَّى المَرء من الجرادِ والعسلِ البرِّي؟" (العظة 88). |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|