1097 - في وسط زحام الحياة وضجيج العمل ونحن نسعى ونجري ونلهث ، نسمع صوته ، صوت الله يعلو فوق كل صوت ويقول : تعالوا الى موضع ٍ خلاء " تَعَالَوْا أَنْتُمْ مُنْفَرِدِينَ إِلَى مَوْضِعٍ خَلاَءٍ وَاسْتَرِيحُوا قَلِيلاً " ( مرقس 6 : 31 ) وننظر الى المسؤوليات حولنا ونتلفت ونتردد ونتوانى ونؤجل . لكن الله يظل ينادي ويشير ويدعو ويؤكد : " استريحوا قليلا ً " الراحة ليست كسلا ً ، الراحة تجديد ٌ للنشاط ، استرجاع ٌ للقوة . ويدعونا الله للخروج من الزحام والتوقف عن الجري ليكلفنا بعمل ٍ آخر ، عمل ٍ أهم ، عمل ٍ يحتاج الى كل الحيوية وكل النشاط وكل القوة . بعد ان رأى المسيح وجوه تلاميذه ِ معفّرة وعيونهم مرهقة . حين وجد ايديهم مرتخية وارجلهم متعثرة واجسادهم متعبة ، اخذهم الى موضع ٍٍ خلاء ليستريحوا ويستعدوا لمعجزة ٍ كبيرة . معجزة اشباع خمسة آلاف نفس من خمس خبزات وسمكتين . كان عليهم ان يشاركوا في التدبير والاعداد والتوزيع والجمع . وشاهد التاريخ وشهد كيف تحنن الرب وكيف اشبع الجياع . وموسى النبي بعد ان تربى في بيت فرعون ، بعد ان كبر وصلب عوده . بعد ان نمى وتأهل واكتمل استعداده ، لم يرسله الله حالا ً ليُخرج الشعب من مصر . دفعه الله ان يهرب الى البرية ، جعله راعيا ً للغنم وسط السكون ، وسط الجبال . ولما كملت اربعون سنة كاملة ً في الخلاء ، في البرية ، في جبل حوريب ظهر له ملاك الرب بلهيب نار وسط علّيقة ، علّيقة ٍ صغيرة . واذا العلّيقة تتوقد بالنار والعلّيقة لم تكن تحترق . وقال الرب : " إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مَذَلَّةَ شَعْبِي الَّذِي فِي مِصْرَ وَسَمِعْتُ صُرَاخَهُمْ مِنْ أَجْلِ مُسَخِّرِيهِمْ. إِنِّي عَلِمْتُ أَوْجَاعَهُمْ ، فَنَزَلْتُ لأُنْقِذَهُمْ فَالآنَ هَلُمَّ فَأُرْسِلُكَ إِلَى فِرْعَوْنَ ، وَتُخْرِجُ شَعْبِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ " ( خروج 3 : 7 ، 8 ، 10 ) حصل موسى على كل حكمة المصريين في قصر فرعون وبين حكمائه ِ ومعلميه . وانسحب من القصر وذهب الى البرية وبقي في الخلاء اربعين سنة .ثم دعاه الله وناداه وارسله في مهمة ٍ عظيمة ٍ ثقيلة ٍ هامة . والله يسحبك جانبا ً من اعمالك ومسؤولياتك وواجباتك الى موضع ٍ خلاء للاستراحة والتأمل والاستعداد لخدمة ٍ أعظم . إصغي الى صوته ، ميّز دعوته ، اسمع كلامه . مهما كان الزحام ، مهما كان الضجيج ، مهما زاد العمل ، واخرج الى الخلاء ، استرح ، استعد . فالله يرسلك الآن الى مهمة ٍ جديدة .