مواقف مؤلمة بعد «زواج التأبيدة»
صورة أرشيفية
بعد رحلة زواج استمرت خمسة وعشرين عاماً، وما زالت أى «تأبيدة»، نعيش نحن الآباء (الأزواج سابقاً) قِلّة أو نُدْرَةَ ما كان يجمع الزوجين ويقربهما إلى حد التماهى وانصهار أحدهما فى الآخر، فعلى سبيل المثال لا الحصر لم يعد الزوج (أقصد الأب) منا يقول لزوجته بعد كل وجبة «ما شاء الله، تسلم الأيادى»، وذلك اعترافاً منه بجودة طهيها للطعام، «ونَفَسها المشهود له»، يكف الزوج عن هذه الكلمات لأن الزوجة تدب فى أوصالها اللامبالاة، ولأنه هجر الحلو بسبب «السُكَّر»، ولأنه هجر الدسم «بسبب الضغط»، وهجر المسبّك بسبب «القرحة»، كما أن أخذ الزوجة لرأى زوجها فى ما سوف تطهو أصبح أمراً فى ذمة التاريخ، ولم يعد الزوج بالنسبة للزوجة أكثر من اسم ثلاثى مدون فى ظهر بطاقتها «الرقم القومى»، أما الزوج المكون من لحم دوم فقد خرج من الخدمة ومكانه مخزن العهدة التى تنتظر مزاداً للخلاص منها، يا لها من طعنة كطعنة الحبيب نرى دمها ولا نرى موضعها، وربما عزاء الكثيرين هو أن الجميلات والقبيحات كلهن سواء فى أنهن نساء هذه الإنسانية.
كما أن استخدام الزوج لملابس أبنائه التى تتغير وتتبدل كل عام بأوامر «الموضة» قد لا تحتاج إلى تعليق الزوجة بأنها تناسبه أو لا تناسبه، كما أن اختيار الزوجة لزرار فى قميص الزوج لا يهم إن كان يتفق مع بقية الأزرار أم لا يتفق، إنه كرم منها أن تثبت زراراً، وبعد أن كانت تقف على رأس زوجها وتمنحه تصريح الخروج بأنه «على سنجة عشرة» فإنها تقف على رأسه ليستعجل ارتداء ملابسه لتقوم بترتيب المكان لا غير، وربما فى قرارة نفسها تخشى أن يرتدى ما يلفت انتباه النساء «تغار عليه ومنه» وهى تدرى أنه كومة عظام لا حول لها ولا قوة، إنها الزوجة التى أحبها فإذا بها امرأة كالتى جعلت آدم يفر حتى من الجنة، إن حياة كهذه تجعل حياة الرجل ليلاً طويلاً مات صباحه، يحيا الزوج ربع قرن ويزيد مع زوجته ومؤخراً جداً يكتشف أن فى كل إنسان نعرفه إنسان لا نعرفه، إنها الزوجة التى كانت الأشهى عند زوجها ولكن دوماً تدسُّ الحياة سُمَّها فى ألذِّ أطعمتها
ها هو الزوج الذى كانت الزوجة تؤيده فى كل ما يقول وما لا يقول فى شأن الأبناء، تقف له بالمرصاد لترفض كل ما يقول وكل ما لا يقول من باب «خالف تُعْرَف»، أو «تيجى فى الهايفة وتتصدر»، ولتبدو مع أبنائها ضد زوجها «أبوهم» وكأنهم أمريكا وأوروبا وإسرائيل فى مواجهة السودان مثلاً أو أى قطر عربى، الزوج الذى كان يرى فى زوجته الجسم الثانى لروحه، لقد فقد الزوج فى نظرها القدرة على اتخاذ القرار الصواب فى وقت تتصور أنها قد صارت الفكر الثاقب والعقل الراجح والفهم المستنير وبلقيس وزنوبيا وكليوباترا وبلمونت، أصبحت امرأة فى عقل، لا عقلاً فى امرأة، وجميعنا يعرف كيف يكون عقل المرأة، زوجة تجعل الرجل بعد هذه الرحلة يشعر وكأنه لم يكن أكثر من ذكر نحل، جاء الدنيا للتلقيح فقط وأنه اليوم يسير إلى السرير ليتوسد الأرق، لقد صدق الذين قالوا بأن المرأة يمكنها أن تُغْضِب الملائكة الذين لا يغضبون، كما قالوا بأنه لو خُيِّر الشيطان فى غير شكله لما اختار إلا أن يكون امرأة بدون زوج، ومن هنا نجد الكثيرين من الأزواج يرددون ولكن بعد فوات الأوان «قد يكون أقوى حب بين اثنين إذا تحابَّا هو أسخف زواج بينهما إذا تزوجا»، إنه الحب الذى يقدر على وضع حبال البغال والحمير والخيل فى أعناق الناس، وللحديث بقية.
الوطن