![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
![]() تسبحة افتتاحية واضح أن المزمور وُضع في وقت بدا كأن الله قد نسي عهده أو الميثاق الذي أقامه مع داود عبده، لكن الكاتب يبدأ بالتسبيح والإعلان عن ثقته في مراحم الله الدهرية، وثبات حقه وأمانته في عهده مع مختاريه، وأن السماء تشهد لعجائبه التي يصنعها في جماعة القديسين. هذا الخط يكرره عدة مرات في المزمور. بِمَرَاحِمِ الرَّبِّ أُغَنِّي إِلَى الدَّهْرِ. لِدَوْرٍ فَدَوْرٍ أُخْبِرُ عَنْ حَقِّكَ بِفَمِي [1]. يعلن الكاتب بهجته وتهليله بمراحم الله تحت كل الظروف وفي كل الأوقات، ويخبر بحقه الإلهي، يبقى أمينًا في وعوده وعهوده. إنه أمين مع كل جيل، فلا يخاف أو يضطرب من جهة المستقبل. * "بمراحم الرب أغني إلى الدهر". لم يقل المرتل: "برحمة"، بل "بمراحم". إن كانت الخطية هي واحدة، فإن الرأفة تكون واحدة. ولكن إذ الخطايا كثيرة، فكثيرة أيضًا هي مراحم الله. بمراحمك يا رب "أغني لك إلى الدهر"، فقد اقتنيت مراحم إلى الأبد. لذلك يليق بي أن أسبح إلى الأبد، لأن علة تسبيحي أبدية. من يغني يطرد الحزن، ويطرد الخوف، ويقيم الفرح، لأنه يقتني الرحمة. هذا إذن ما يقوله النبي: لأن خطاياي مغفورة خلال رأفة الله، لهذا أبقى أغني بمراحمه. ما يعنيه بقوله "إلى الأبد" هو: إذ تتعطف عليّ، لا لوقتٍ قصيرٍ بل إلى الأبد، فمن جانبي أسبحك إلى الأبد، ولن أتوقف، لأنك تخلصني أبديًا. "لدورٍ فدورٍ أخبر عن حقك بفمي" (مز 89: 1) يا لعظمة تسلسل المزمور! لم يبدأ المرتل أولًا بالحق وبعد ذلك بلغ إلى الرحمة. إنما نال أولًا الرحمة وبعد ذلك بلغ إلى الحق عندما نال غفران الخطايا. بالحق عندما كنت خاطئًا لم أجرؤ أن اقترب من الحق. ولكن عندما نلت الرحمة عندئذ بقلب شجاع بلا خوف أعلنت عن الحق. عندما قال: "لجيلٍ (لدورٍ) فجيلٍ" تكلم حسنًا، إذ لم يقل من أجيالٍ إلى أجيالٍ، بل من جيلٍ إلى جيلٍ. لم يستدعٍ لذهنه أجيالًا كثيرة إنما فقط جيلين، واحد للمختونين والآخر للأمم. لجيلٍ أرسل بطرس ولآخر بولس... ذاك الذي تكلم أولًا بالآباء والأنبياء (الجيل الأول) تحدث بعد ذلك في شخصه (عب 1: 1-2)، وكما يقول نشيد الأناشيد: "ليقبلني بقبلات فمه" (نش 1: 1). إنه يقول: إنني أتكلم في شخصي عن ذاك الذي تكلمت عنه بالأنبياء، ذاك الذي لم يستطع العالم أن يسمعه في رعوده، يمكنه أن يسمعه على الأقل خلال صرخاته. القديس جيروم * إن كنت لا أطيعك لا أكون عبدك. إن كنت أتكلم مما هو عندي (لا مما لك) فأكون كذَّابًا. فالحديث إذن هو مما لك، والحديث أيضًا مما هو من شخصي. أمران، واحد لي، وواحد لك. الحق هو لك، واللغة هي من عندي . القديس أغسطينوس لأَنِّي قُلْتُ: إِنَّ الرَّحْمَةَ إِلَى الدَّهْرِ تُبْنَى. السَّمَاوَاتُ تُثْبِتُ فِيهَا حَقَّكَ [2]. ماذا يعني أن رحمة الله إلى الدهر تُبنى؟ لن يستطيع إنسان ما أو جيل ما أن يحد أو يدرك رحمة الله كما هي، فلأنها مراحم لا نهائية، تبقى البشرية تختبر هذه المراحم إلى الدهر، تدهش لمحبته الفائقة. إنها لا تبدأ لتنتهي مع جيل من الأجيال، إنما تشبه حجارة تُبنى، ويبقى البناء شامخًا ومستمرًا حتى ننعم به في عظم مجده يوم لقائنا مع السيد المسيح والتمتع بشركة الأمجاد الأبدية. دخولنا إلى السماوات يؤكد هذه المراحم التي لن تتوقف. * "لأنك تقول إن الرحمة إلى الأبد تُبني". أنا الذي تكلمت في العهد القديم بالآباء والأنبياء، أتكلم بنفسي، فإنني لم آتِ لكي أبطل وصايا الرحمة التي بناها الناموس، وإنما أن أبني على أساسها. يقول الرب نفسه في الإنجيل: "ما جئت لأنقض الناموس بل لأكمله" (راجع مت 5: 17)... إذن ما هي الرسالة عندما يقول النبي: "تُبنى"، كما لو كانت موضعًا أو مدينة لكي تُبنى؟ aedificabitur؟ لننظر أين يوجد مثل هذا في موضع آخر بالكتاب المقدس؟ لنبحث في التكوين عن الاتحاد الخلقي الذي لكلمة aedificatione. "أخذ الله ضلعًا من جنب آدم، وجعل منه امرأة" (راجع تك 2: 22). هنا يستخدم الكتاب المقدس (بناء) aedificavit. مفهوم البناء كما سبق فقلنا قبلًا عادة يشير إلى إقامة بيت عظيم. وبالتالي فإن جنب آدم الذي شكّل امرأة يعني "السلطان الرسولي": المسيح والكنيسة. هذا هو السبب الذي لأجله يقول الكتاب المقدس إنه شكَّل aedificavit امرأة من الضلع. لقد سمعنا عن آدم الأول. لنأتِ الآن إلى آدم الثاني، ونرى كيف أن الكنيسة قد جُعلت (بناءً) aedificetur من جنبه. جنب الرب المخلص إذ عُلق على الصليب طُعن بحربة، ومنه خرج دم وماء. أتريدون أن تعرفوا كيف تُبنى الكنيسة من الماء والدم؟ أولًا بمعمودية الماء تُغفر الخطايا، وبعد ذلك بدم الشهداء يتوج البنيان. إذ من الواضح أن الكنيسة تُبنى بحنو الله، لذلك يتبع ذلك منطقيًا إنه: "السماوات تثبت فيها وحقك" (مز 89: 2)، يُطبق هذا بأنه على الأرض تثبت حنوك، وفي السماء حقك. القديس جيروم يرى القديس أغسطينوس أن السيد المسيح هو حجر الزاوية الذي جمع الإسرائيليين الذين آمنوا به مع الأمم الذين قبلوه، جمع الحق خلال وعوده للإسرائيليين ومعهم الأمم خلال رحمته، ففيه تحقق الحق مع الرحمة. * بالنسبة للبعض أنت تهدمهم، لكي يُعاد بناؤهم. وإلا ما كان قد كتب إرميا: "انظر. قد وكلتك هذا اليوم... لتنقض وتبني" (إر 1: 10). بالحق كل الذين كانوا قبلًا يعبدون الصور والحجارة ما كانوا يستطيعون أن يُبنوا في المسيح ما لم يُهدموا من خطأهم القديم... كل طرق الرب هي رحمة وحق (مز 15: 10). فالحق في تحقيق الوعود ما كان يمكن أن يظهر ما لم يسبقه أن تتم الرحمة بغفران الخطايا. القديس أغسطينوس قَطَعْتُ عَهْدًا مَعَ مُخْتَارِي. حَلَفْتُ لِدَاوُدَ عَبْدِي [3]. الآن يتحدث الله نفسه، الذي في محبته يعلن اعتزازه بالميثاق الذي قطعه مع مختاره داود المحبوب لديه. * "قطعت عهدًا مع مختاري"، أتريدون أن تعرفوا كيف أنه حتى هذا اليوم يقطع الرب عهده؟ لنحيا حياة صالحة، فنتأهل للشركة مع المختارين في العهد مع الرب. القديس جيروم * قسم الله هو تأكيده للوعد. بحقٍ يُمنع الإنسان من القسم (مت 5: 34)؛ لئلا خلال عادة القسم وهو كإنسانٍ يُخدع، فيسقط في الحنث بالقسم. أما الله فوحده في أمان إذ هو وحده معصوم من الخطأ. القديس أغسطينوس إِلَى الدَّهْرِ أُثَبِّتُ نَسْلَكَ، وَأَبْنِي إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ كُرْسِيَّكَ. سِلاَهْ [4]. لم يقل "أثبت أنسالك" بالجمع، إنما "نسلك" بالمفرد. وكما يقول الرسول بولس: "وأما المواعيد فقيلت في إبراهيم وفي نسله. لا يقول في الأنسال كأنه عن كثيرين، بل كأنه عن واحدٍ، وفي نسلك الذي هو المسيح" (غل 3: 16). لقد تحقق حرفيًا مع داود وابنه سليمان. لكن غاية هذا الميثاق الكشف عن دور السيد المسيح، كلمة الله الذي أخذ شكل العبد، وصار إنسانًا ليدخل بالبشر في عهدٍ جديدٍ، يتمتعون بالمصالحة مع الآب، وينعمون بشركة المجد الأبدي. هذا ما أعلنه الملاك جبرائيل عند بشارته بالتجسد الإلهي: "وها أنتِ ستحبلين وتلدين ابنًا، وتسمينه يسوع. هذا يكون عظيمًا، وابن العلي يُدعى، ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه، ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد، ولا يكون لملكه نهاية" (لو 1: 31-33). هذا العهد تثبت بقسمٍ (1 صم 20: 3؛ صم 19: 23؛ عب 6: 16)، وهو عصب النبوات، وموضوع تسبيح المرتلين عبر الأجيال، ويبقى سرّ فرح وبهجة الكنيسة إلى يوم مجيء ملك الملوك في اليوم الأخير، بل وموضوع تسبيح السمائيين أنفسهم (رؤ 5: 6-14). * "وأبني إلى جيلٍ فجيلٍ كرسيك". يُبنى كرسي الله على جيلين كما قلنا، على المختونين بالطبع وعلى الأمم. القديس جيروم يرى القديس أغسطينوس أن عرش الله فينا، وأنه يحكم فينا، هذا هو الجيل الأول، لكنه سيأتي أيضًا في يوم قيامة الأموات ويجلس إلى الأبد، هذا هو الجيل الآخر. * ما هو نسل داود إلا نسل إبراهيم، وما هو نسل إبراهيم، يقول: "وفي نسلك الذي هو المسيح" (غل 3: 16)... لنأخذ أيها الإخوة الكلمات: "أثبت نسلك إلى الأبد"، ليس فقط بخصوص جسد المسيح المولود من العذراء مريم، بل وأيضًا نحن كلنا الذين نؤمن بالمسيح، إذ نحن أعضاء هذا الرأس. هذا الجسد لا يُمكن عزله عن رأسه. إن كان الرأس في مجدٍ إلى الأبد، هكذا أيضًا الأعضاء، هكذا يبقى المسيح بكليته إلى الأبد... "أبني إلى دورٍ (جيلٍ) فآخر كرسيك". الآن للمسيح كرسي فينا. كرسيه مُقام فينا. فلو لم يجلس فينا ما كان يحكم علينا، وإن لم يحكمنا لما كان يجلس فينا. إنه يجلس فينا ويحكم علينا. وسيجلس في جيلٍ آخر عندما يأتي في قيامة الأموات. القديس أغسطينوس |
![]() |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
مزمور 118 | مزمور أو تسبحة جماعية شخصية |
مزمور 109 | تسبحة حب |
مزمور 103 | هو تسبحة شكر |
مزمور 102 | تسبحة ختامية |
مزمور 23 - تسبحة ثقة |