درس بابا روما

[Mary Naeem]

درس بابا روما

عرف العالم ولفترة طويلة أن أقوى رجل دين له مكانة تأثير روحية فى العالم المسيحى هو بابا روما.
وأصبح المقعد البابوى شرفاً وحلماً ومكانة يتوق إليها أى رجل دين مسيحى كاثوليكى مؤهل للمنافسة عليه ضمن القواعد والشروط القاسية المحددة له.
من هنا كانت رسالة البابا بينديكتوس السادس عشر المفاجئة برغبته فى ترك مقاليد منصبه لأسباب صحية وشخصية، ذات تأثير ورد فعل هائل من المتابعين والمراقبين.
إن سلوك البابا بينديكتوس فى مسألة التقاعد الطوعى هو عمل غير تقليدى فى تاريخ المقعد البابوى، على أساس أن البابا لا يغادر منصبه إلا عند الوفاة أو الاغتيال أو العزل، وهى حالات كان معظمها -على مر التاريخ- ترجع إلى الوفاة الطبيعية.
قال البابا -الذى ترك منصبه رسمياً ظهر يوم الخميس الماضى- إن صحته لم تعد تساعده على القدرة اللازمة لتحمل المسئوليات الجسام التى يجب أن يضطلع بها.
وأضاف البابا فى موضع آخر فى تفسير استقالته: «إن قيام البابا بترك منصبه هو عمل خطير لكنه فيه نوع من التقدير السليم لمسئولية المنصب».
وقيل إن بينديكتوس قام فى يوم عمله الرسمى الأخير، بوداع مساعديه، وجمع الاسطوانات المدمجة لأنشطته طوال فترة ولايته، وحرص على جمع شرائط المقطوعات الموسيقية، المفضلة لديه كى يستمتع بها خلال فترة تقاعده.
هنا أتوقف طويلاً أمام قرار هذا الرجل الذى لا يملك مخلوقاً على ظهر كوكب الأرض عزله عن منصبه إلا تحت شروط شبه مستحيلة، ويوجد لدى مقعده البابوى حصانة غير مسبوقة فى الحماية الروحية والسياسية، وتقع تحت مسئولياته سلطات واسعة وإدارة أموال طائلة يصعب حصرها أو عدها.
هذا القرار يعنى لنا 3 حقائق رئيسية، علينا أن نتوقف طويلاً أمامها ونحاول فهمها جيداً، واستخلاص الدروس والعبر منها:
أولاً: أنه لا منصب أبدى حتى لو كان منصب بابا روما.
ثانياً: أن المسئول يصل إلى قمة شعوره بالمسئولية إذا أدرك أنه غير قادر على أداء مهمته بالشكل المرضى والمناسب للشعب أو للرعية الدينية.
ثالثاً: أنه إذا أدرك المسئول عدم القدرة على القيام بمهامه بالكفاءة والأمانة المطلوبة، فإنه يتعين عليه، احتراماً لنفسه ولشعبه ولضميره، أن يتخلى عن المنصب مهما كان الثمن ومهما كانت فاتورة التكاليف.
إذا كنت غير راغب اترك منصبك، وإذا كنت غير قادر أعلن ذلك على الناس.
التاريخ يحترم كثيراً من يصدق مع نفسه ومع الشعب.


الوطن