الحدث الكبير
ما هي الاحداث الكبيرة في حياتك ؟ سؤال تختلف اجابتنا عليه بقدر اختلاف شخصيتنا ونظرتنا للحياة واختباراتنا فيها . بعضنا يرى حياته زاخرة بالاحداث الكبيرة التي تهزه من الاعماق ، بينما يراها البعض الآخر حياة هادئة تسير سيرا ً رتيبا ً ولا يكاد يذكر حدثا ً واحدا ً مثيرا ً فيها وحتى في مواجهة نفس الاحداث فردود الفعل عند الناس تتفاوت تفاوتا ً بينا ً في أكثر الأحوال . لكن مع كل هذه الاختلافات فنحن نتفق بما يشبه الاجماع أن بداية الحياة ونهايتها حدثان كبيران عند كل انسان ، ولكن بداية الحياة مع خطورتها ليس لأحد خيار آخر فضلا ً عن اننا لا نذكر منها شيئا ً وبالتالي لا نعرف عنها الا ما يُروى لنا عن ظروفها وتفاصيلها ، اما نهاية الحياة فهي الحدث المرتقب الذي يفرض نفسه على فكر الانسان بصورة أو باخرى أراد أم لم يرد ، ذلك هو الحدث الكبير . نعم انه حدث كبير بأي مقياس من المقاييس فالموت تغيير جذري يصيب الانسان فيخمد انفاسه ويوقف اجهزته ويتركه جثة هامدة باردة سرعان ما تتحلل لتستحيل الى هيكل عظمي كئيب ، ومن الناحية النفسية فللموت رهبته لأنه يدفعنا لحالة لم نختبرها من قبل ، وللموت قسوته إذ ينتزع الانسان من بين أهله وبيته واقرب اصدقائه ، وهذا الحدث الكبير عندما يصدمنا يحدث هزة عنيفة تتردد اصدائها في اعماق النفوس وفي جنبات المجتمع . ان عاداتنا الاجتماعية تعكس مدى انفعالنا بالموت فنحن نبرز اخباره في المقدمة ونذيعها على اوسع نطاق ، كما نشيّع موتانا في مواكب مهيبة نحيطها بالاكرام ولكل مجتمع اساليبه التي تعتصره عندما يُفجع في الاحباء والاعزاء . ومع ان هذا كله حق يشهد له واقع الحياة الا انه لا يمثل سوى جانبا ً واحدا ً من الحقيقة ، الجانب المنظور ، الجانب الرهيب المظلم المقبض ، ولكن هناك جانبا ً مشرقا ً بهيا ً عندما تدوي السماء بهتاف الملائكة التي تنتظم في موكبها الحافل لاستقبال المؤمن القادم . ليس في الامر مبالغة فهذا هو استقبال السماء لكل مؤمن بغض النظر عن مكانته في هذه الحياة . إن السماء كلها تنهض لاستقبال المؤمن باعتباره ابنا ً لله ولو كشف الله عن انظارنا لرأينا مركبة ايليا النورانية بخيولها البهية تأتي لتحمل كل مؤمن الى حضرة الله ، بل ان يسوع نفسه يأتي ليتقدم الموكب حسب وعده الصادق "وَإِنْ مَضَيْتُ وَأَعْدَدْتُ لَكُمْ مَكَانًا آتِي أَيْضًا وَآخُذُكُمْ إِلَيَّ " ( يوحنا 14 : 3 ) . لست احاول ان اهون من شأن الحدث الكبير ولكنني ارجو فقط ان تحول نظرك عن الجانب المظلم لهذا الحدث وتتجه بالايمان نحو جانبه المشرق . واذا كنت قد اختبرت القيامة عمليا ً في حياتك فاليك يقدم الرسول بولس دعوته " فَإِنْ كُنْتُمْ قَدْ قُمْتُمْ مَعَ الْمَسِيحِ فَاطْلُبُوا مَا فَوْقُ، حَيْثُ الْمَسِيحُ جَالِسٌ عَنْ يَمِينِ اللهِ." ( كولوسي 3 :1 ، 2 ) . تستطيع مخلصا ً ان تردد معه قوله المبارك " لِيَ اشْتِهَاءٌ أَنْ أَنْطَلِقَ وَأَكُونَ مَعَ الْمَسِيحِ، ذَاكَ أَفْضَلُ جِدًّا.ً " ( فيلبي 1 : 23 ) .