يَسُوعَ لَمْ يَرْفُضْ لَقَبَ "مَلِك" إِلَّا عِنْدَما كانَ يُفْهَمُ بِمَعْنًى سِياسِيًّا زَمَنِيًّا

[Mary Naeem]

يَسُوعَ لَمْ يَرْفُضْ لَقَبَ "مَلِك" إِلَّا عِنْدَما كانَ يُفْهَمُ بِمَعْنًى سِياسِيًّا زَمَنِيًّا. أَمَّا عِنْدَما كانَ يَتَحَدَّثُ عَن مَلَكُوتِ اللهِ كَمُلْكِ حَقٍّ وَحَياةٍ، وَقَداسَةٍ وَنِعْمَةٍ، وَمَحَبَّةٍ وَسَلامٍ، فَلَمْ يَكُنْ يَرْفُضُ هَذَا اللَّقَبَ، بَلْ كَانَ يُوَضِّحُهُ. وَقَدْ ظَهَرَ هَذا الإِيضاحُ فِي ثَلَاثِ وِقائِعَ مِحْوَرِيَّةٍ، وَهِيَ:



الواقِعَةُ الأُولَى: تَكْمُنُ الواقِعَةُ الأُولَى فِي لِقاءِ يَسُوعَ بِالسَّامِرِيَّةِ؛ إِذْ صَرَّحَ لَها عَلانيَةً أَنَّهُ المَسِيحُ المُنْتَظَرُ، مَلِكُ إِسْرائيلَ. فَلَمَّا قالَتْ لَهُ المَرْأَةُ السَّامِرِيَّةُ: "إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّ المَشيحَ آتٍ، وَهُوَ الَّذي يُقالُ لَهُ المَسِيحُ. وَإِذا أَتى، أَخْبَرَنا بِكُلِّ شَيْءٍ"، قالَ لَها يَسُوعُ: "أَنا هُوَ، أَنا الَّذي يُكَلِّمُكِ" (يُوحَنّا 25–26:4). وَقَدْ كانَ السَّامِرِيُّونَ يَنْتَظِرُونَ مَسِيحًا نَبَوِيًّا -عَلى مِثالِ مُوسى- لا مَسِيحًا سِياسِيًّا، بَلْ مَلِكًا رُوحِيًّا. لِذَلِكَ كَشَفَ يَسُوعُ عَن هُوِيَّتِهِ المَسِيحانِيَّةِ لِلسَّامِرِيَّةِ، لِيَقينِهِ أَنَّهَا سَتَفْهَمُ -وَلَوْ جُزْئِيًّا- مَعْنَى مُلْكِهِ الرُّوحِيِّ.



الواقِعَةُ الثّانِيَةُ: تَكْمُنُ الواقِعَةُ الثّانِيَةُ فِي لِقاءِ يَسُوعَ الأَخِيرِ مَعَ الحاكِمِ بُنْطِيوسَ بِيلاطُس، أَثْناءَ اِسْتِجْوابِهِ لَهُ فِيما يَخُصُّ الاِتِّهامَ: "أَأَنْتَ مَلِكَ اليَهُودِ؟"(يُوحَنّا 33:18). فَانْتَهَزَ يَسُوعُ الفُرْصَةَ لِيُعْلِنَ مُلْكَهُ، وَلَمْ يَنْكُرِ اللَّقَبَ، بَلْ أَجابَ: "هُوَ ما تَقُولُ. فَإِنِّي مَلِكٌ. وَأَنا ما وُلِدتُ وَأَتَيْتُ العالَمَ إِلّا لِأَشْهَدَ لِلْحَقِّ. فَكُلُّ مَنْ كانَ مِنَ الحَقِّ يُصْغِي إِلى صَوْتِي" (يُوحَنّا 37:18). وَلَكِنَّهُ أَوْضَحَ طَبيعَةَ مُلْكِهِ قائلًا: "لَيْسَتْ مَمْلَكَتي مِنْ هَذا العالَمِ. لَوْ كانَتْ مَمْلَكَتي مِنْ هَذا العالَمِ، لَدافَعَ عَنِّي حَرَسي لِكَيْ لا أُسَلَّمَ إِلى اليَهُودِ. وَلَكِنَّ مَمْلَكَتي لَيْسَتْ مِنْ ههُنا" (يُوحَنّا 36–37:18). فَمَمْلَكَةُ يَسُوعَ لا تُمَثِّلُها أَيُّ مَمْلَكَةٍ بَشَرِيَّةٍ، وَلَيْسَ هُناكَ مُنافَسَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَيْصَرَ (راجع لوقا 2:23). فَقَدِ اتَّخَذَ مُلْكُهُ طابِعًا خاصًّا يُمَيِّزُهُ عَنِ النِّظامِ السِّياسِيِّ الدُّنْيَوِيِّ. ولِذَلِكَ، لَيْسَ هُناكَ صِراعٌ بَيْنَ يَسُوعَ وَمُلُوكِ الأَرْضِ؛ بَلْ عَلَى المَسِيحِيِّينَ أَنْ يُخْضِعُوا أَنْفُسَهُمْ لِلسُّلْطَاتِ الزَّمَنِيَّةِ — ما لَمْ تُخالِفِ الإِيمانَ وَالأَخْلاقَ — كَما قالَ بُطْرُسُ الرَّسُولُ:"اِخْضَعُوا لِكُلِّ نِظامٍ بَشَرِيٍّ مِنْ أَجْلِ الرَّبِّ: لِلْمَلِكِ كَسُلْطانٍ أَعْلَى، وَلِلْحُكّامِ كَمُنْدُوبِينَ مِنهُ…" (1 بُطْرُس 13:2)، عَلى أَلّا يُعارِضُوا سُلْطانَ اللهِ الرُّوحِيَّ.



الواقِعَةُ الثّالِثَةُ: تَكْمُنُ الواقِعَةُ الثّالِثَةُ فِي لِقاءِ يَسُوعَ مَعَ نَتَنائِيل. فَلَمْ يَتَنَكَّرْ يَسُوعُ لِاعْتِرافِهِ: "أَنْتَ مَلِكَ إِسْرائيلَ"، لَكِنَّهُ وَجَّهَ أَنْظارَهُ -وَأَنْظارَ التِّلْمِيذِ- إِلى مَجِيءِ ابنِ الإِنْسانِ قائلًا: "الحَقَّ الحَقَّ أَقُولُ لَكُم: سَتَرَوْنَ السَّماءَ مُنْفَتِحَةً، وَمَلائِكَةَ اللهِ صاعِدِينَ وَنازِلِينَ فَوْقَ ابنِ الإِنْسانِ" (يُوحَنّا 51:1).



وأَخِيرًا… لَمْ يُكَلِّمْ يَسُوعُ رُسُلَهُ عَن مَلَكُوتِهِ إِلّا حِينَ بَدَأَ آلامَهُ، فَقَالَ لَهُم: "أَنا أُوصِي لَكُم بِالمَلَكُوتِ كَما أَوْصى لِي أَبِي بِهِ، فَتَأْكُلُونَ وَتَشْرَبُونَ عَلى مائِدَتي في مَلَكُوتِي" (لوقا 29–30:22). فَالاِحْتِفالُ بِالمَسِيحِ المَلِكِ هُوَ الاِحْتِفالُ بِانْتِصَارِهِ المَجِيدِ الَّذي تَحَقَّقَ مِنْ خِلالِ مَوْتِهِ عَلى الصَّلِيبِ وَقِيامَتِهِ المُنْتَصِرَةِ. وَلِذَلِكَ، فَإِنَّ مُلْكَ المَسِيحِ يَكْمُنُ فِي العَلاقَةِ مَعَهُ؛ وَهِيَ عَلاقَةٌ لا تَنْطَوِي عَلى السُّلْطَوِيَّةِ أَوْ سَحْقِ الإِنْسانِ، بَلْ عَلى خِدْمَتِهِ وَمَنْحِهِ الحَياةَ وَالخَلاصَ.