![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
درس إنساني خالد عن الوفاء وردّ الجميل في طفولته الأولى على أرض ساحل العاج، لم يعرف بيير دوبون سوى وجهٍ واحدٍ كان يرمز إلى الأمان والحنان: وجه مربيته . كانت تلك المرأة البسيطة أكثر من مجرد مربية… كانت أمًّا ثانية، تحتضنه حين يبكي، وتغني له لينام، وتطعمه بحنانٍ لا يعرف حدودًا. في ذراعيها وجد الدفء، وفي نظراتها وجد أول معنى للحب. لكن القدر كان له كلمته. حين قررت عائلة بيير العودة إلى فرنسا، افترق الاثنان فجأة. لم يكن هناك وداع حقيقي، فقط دموع صغيرة وموجة حنينٍ لم يعرف الصغير كيف يصفها. ومع مرور الأيام والسنين، تلاشت التفاصيل، لكن عائشة بقيت في أعماق ذاكرته… تلك المرأة السمراء التي علمته ما يعنيه الحنان دون أن تنطق بكلمة. مرت عقودٌ طويلة، كبر بيير، ونجح في حياته، لكنه لم ينسَ. ظل يبحث عنها في ذاكرته، في الصور القديمة، في أطراف الأحاديث العائلية، إلى أن قرر أن يبدأ رحلة حقيقية لاستعادتها من غياهب النسيان. رحلة امتدت عبر القارات، قادته من فرنسا إلى غرب إفريقيا، حتى وصل أخيرًا إلى السنغال، إلى حيٍّ بسيط في ضواحي داكار. وهناك، حدثت المعجزة… وجدها. كانت عائشة قد شاخت قليلًا، لكن ابتسامتها لم تتغير. ما إن رأت بيير حتى غمرته بدموعها وذراعيها، كما لو أن الزمن لم يمرّ. لحظة لقاءٍ اختلط فيها البكاء بالضحك، والحنين بالامتنان، وكأن قلبين انفصلا طفلًا والتقيا من جديد شيخين. لم يأتِ بيير خالي الوفاض، بل جاء محمّلًا بالعرفان. قدّم لعائشة 16,000 دولار هدية امتنان، ورتّب لها معاشًا شهريًا يضمن لها حياة كريمة لما تبقّى من عمرها. لم يكن المال هو المهم، بل الرسالة: أن الخير لا يُنسى، وأن قلب الطفل لا ينسى من أحبّه بصدق. اليوم، تستعد المربية لترميم منزلها المتواضع، وتحلم بأن تتيح لأحفادها تعليمًا يفتح لهم أبواب المستقبل. تقول بابتسامةٍ دامعة: "لم أكن أظن أن ما زرعته قبل خمسين عامًا سيُثمر بهذا الجمال." قصة بيير والمربية ليست مجرد حكاية لقاء، بل درس إنساني خالد عن الوفاء وردّ الجميل، عن الحب الذي يتجاوز اللغة واللون والزمان، ويثبت أن الحنان الصادق لا يضيع أبدًا، بل يعود يومًا في هيئة معجزة. |
|