أبرصٌ يَشفي القدّيسَ فرنسيسَ مِن مَخاوِفِه
في يومٍ من الأيّام، وبينما كان فرنسيسُ الشابّ يمتطي حصانَهُ قُربَ مدينةِ أسيزي، أقبلَ إليه أبرصٌ، فارتعب كما اعتاد أن يفعل كلّ مرّة يرى فيها أحد المصابين بالبرص. ولكن في تلك اللحظة، تغلّب على نفسه بقوّة الله، فترجّلَ عن مطيّته، وأعطى الأبرصَ قطعةً من الفضّة، ثمّ قبّلَ يدَهُ بسلامٍ وتواضعٍ.
تلقّى الأبرصُ منه قبلةَ السّلام، وعندها شعرَ فرنسيسُ أنّ شيئًا عظيمًا تبدّلَ في داخله. لقد لمسَ اللهُ قلبَه من خلالِ هذا اللّقاء، ومن تلك اللحظة بدأ ينتصر على خوفه، ويختبرُ شفاءً روحيًّا عميقًا.
بعد أيّامٍ، توجّه فرنسيسُ إلى مأوى مرضى البرص، متزوّدًا بالمال والعطاء، فجمعهم حوله ووزّع عليهم الهبات، وقبّل أيديهم جميعًا بمحبةٍ. ومنذ ذلك الحين، كما كتب في وصيّته: "عندما كنتُ أتخبّط في الخطايا، كان يشقّ عليّ أن أُشاهدَ البُرْص، لكنَّ الربَّ اقتادني إليهم، فانقلبَ الأمرُ عذبًا على قلبي وجسدي حتّى هجرتُ العالم". لقد تحوّل الاشمئزازُ إلى عذوبةٍ، والخوفُ إلى حنانٍ، والابتعادُ إلى خدمةٍ. فالربّ شفى فرنسيسَ من برصِ الخوف والأنانيّة، بفضل قبلةٍ واحدةٍ من الأبرص (سيرة حياة القدّيس فرنسيس الأسيزي كما رواها ثلاثة من رفاقه § 11)
يقدّم لنا إنجيلُ شفاءِ العَشَرَةِ البُرْص (لوقا 17: 11–19) مشهدًا فريدًا تتجلّى فيه قوّة الإيمان والشكر، كما يتجلّى فيه وجهُ الله الرحوم الذي لا يرفض أحدًا. يسوعُ لا يخافُ من لمسِ المريض، ولا يشمئزّ من البَرَص، بل يَمدّ يده ليعيد إلى الإنسان كرامته المفقودة.وهذه النظرة الرحيمة نفسها عاشها بعد قرونٍ من الزمان القدّيسُ فرنسيسُ الأسيزي، الّذي اكتشفَ وجهَ يسوعَ في وجه الأبرص، ووجدَ في خدمتهِ طريقَ الخلاص والحرّية الداخليّة.هكذا يلتقي الأبرصُ السامريّ في الإنجيل مع الأبرصِ الذي شفى القدّيسَ فرنسيس: كلاهما كان أداةَ نعمةٍ، كشفَ من خلال ضعفه قوّةَ الله الشافية. الأولُ عادَ إلى يسوعَ شاكرًا، والثاني جعلَ يسوعَ حاضرًا في الأبرص. وفي كليهما نرى أنّ الخلاص لا يتحقّق إلّا في اللقاء:لقاءِ الإنسانِ بالله، ولقاءِ الإنسانِ بأخيهِ الإنسان.إنَّ الذي يعودُ ليشكر، والذي ينحني ليخدم، كلاهما قد شُفي.ففي الشكرِ نُشفى من برصِ الجحود، وفي الخدمةِ نُشفى من برصِ الكبرياء.