إذ اقترب وقت عبور الشعب نهر الأردن للدخول إلى الضفَّة الغربيَّة كان لا بُد لهم أن يعرفوا حقيقة هامة، وهي أن الأرض التي سيملكونها ويرثونها هي للرب. الله هو المالك، وأمَّا الأجرة فهي "الطاعة". بهذه الطاعة ليس فقط يثبتوا في أرض الرب، بل يصير لهم نصيب في الأرض الجديدة، في أورشليم العليا.
جاءت اللعنات الخاصة بالعصيان أو كسر إحدى الوصايا العشرة والبركات الخاصة بالطاعة للوصيَّة الإلهيَّة إنَّما كمفتاح للشعب كي يتمتَّعوا بالأرض، ويمتلئوا رجاءً في السماء عينها!
جاءت اللعنات مبتدئة بالخطايا الموجَّهة ضدّ الله نفسه مباشرة، كعبادة الأوثان [15]، ثم ضدّ الوالدين [16]، وضدّ العدالة الاجتماعية [17]، ثم ضدّ المنكسرين والمحتاجين [18-19]. أي بدأ بالله فالوالدين فالمجتمع عامة ثم فئة المعوزِّين. يلي هذا اللعنات ضدّ الطهارة والعفَّة [20-23] ثم القتل [24-25]، وأخيرًا قدَّم وصيَّة عامة خاصة بحفظ الوصايا.
يلاحظ أن السفر أورد كلمات اللعنات بالتفصيل دون كلمات البركات؛ هذا وكانت كلمات اللعنات تقرأ أولًا وبعد ذلك البركات، كل بند بمفرده، اللعنة ثم البركة. ذلك لتأكيد أنَّه لا يوجد من يقدر أن يهرب من اللعنة، إلاَّ الذي يلجأ إلى المخلِّص. كما قيل: "إن كنت تراقب الآثام يا رب يا سيِّد فمن يقف؟!" (مز 130: 3). "لأن جميع الذين هم من أعمال الناموس هم تحت لعنة، لأنَّه مكتوب: ملعون كل من لا يثبت في جميع ما هو مكتوب في كتاب الناموس ليعمل به" (غلا 3: 10)، "الجميع زاغوا وفسدوا معًا، ليس من يعمل صلاحًا ليس ولا واحد" (رو 3: 12).
إعلان اللعنات ثم البركات يؤكِّد حاجة البشريَّة إلى التهديد أولًا بالعقوبة، وإذ ينضجون يستعذبون البركات. هذا واللعنة كما سبق فرأينا ليست إلاَّ ثمرَّة طبيعيَّة لانعزال الإنسان الله مصدر البركات. وأمَّا البركات فهي دخول في الحياة المطوَّبة، وتمتُّع بالشركة مع الله. الخطيَّة تحمل تأديبها فيها لأنَّها تعزل الإنسان عن مصدر حياته، والطاعة تحمل بركاتها إذ تحملنا إلى الله مصدر الحياة والشبع.