زمن الصوم هو مسيرة توبة، أي عودة روحية نادمة إلى الله، بالروح القدس، فيها نسمعُ كلامه المحيي كي يشعّ بنوره في حياتنا، فنكتشف نقائصنا وخطايانا، ونتوب بالنقاوة والوداعة، ونعقد العزم على التغيير. وكما اقتاد الروحُ القدوسُ ربَّنا يسوع إلى البرّية ليصوم أربعين يومًا ويُجرَّب من إبليس ويختم صومه بانتصاره الرائع على المجرِّب» (لو4: 1-2)، هكذا يقود الروحُ الكنيسةَ في الزمن، ويرافقنا ويهدي خطانا في صحراء هذا العالم، وبخاصَّةٍ في زمن الصوم، لنختبر مع المسيح نقصنا وضعفنا، وحاجتنا إلى التوبة والتجدُّد.
فالصوم هو زمن التوبة والاعتراف بخطايانا، لتتمّ مصالحتنا البنوية مع الآب السماوي. عندئذٍ نعيش فرحين فِصحَ الربّ، بالعبور إلى حياةٍ جديدةٍ أَنْعَمَتْ بها علينا قيامةُ المخلّص. إنَّ الروح يقرّبنا من الله، الذي يقول في الكتاب المقدس: «أقودها إلى البرّية وأخاطب قلبها» (هو2: 14).
يدعونا قداسة البابا فرنسيس، في رسالته بمناسبة زمن الصوم لهذا العام 2024، بعنوان «من البرّية يقودنا الله إلى الحرّية»، إلى عيش زمن النعمة هذا والاستفادة منه لتقوية علاقتنا بالله، فيقول: «الزمن الأربعيني هو زمن النعمة الذي فيه تصير البرّية مرّة أخرى -كما قال النبي هوشع- مكان الحبّ الأول» (راجع هوشع 2، 14-17). أدَّب الله شعبه ليُخرجه من عبودياته، ويعرف ما معنى الانتقال من الموت إلى الحياة.
ومثل العريس يشدّنا إليه من جديد، ويهمس في قلوبنا بكلمات حبّه. الله لا يتعب منّا. لنستقبل الزمن الأربعيني باعتباره الزمن القويّ الذي يوجّه فيه كلامه إلينا مرّة أخرى: «أَنا الربُّ إلهكَ الذي أخرجكَ من أرض مصر، من دار العبودية» (خر 20: 2). «إنّه زمن التوبة، وزمن الحرّية».