
عبادة الله باني البيت وحافظه
كانت أنظار اليهود في أورشليم تتركز على هيكل سليمان بكونه بيت الرب الذي ما كان يمكن تقديم ذبيحة مقدسة مقبولة لدى الله إلا فيه. كان الهيكل هو مركز العبادة المقدسة في العهد القديم، ومركز فرح وتهليل المؤمنين. لقد اشتهى داود النبي أن يبنيه، فأخذ وعدًا من الله أن يقوم ابنه ببنائه. لكن في الحقيقة الذي قام ببنائه وحفظ مدينة أورشليم التي تعتز بالبيت هو الله نفسه.
هكذا يشتاق المؤمن أن يعمل الله فيه، فيقيم هيكلًا جديدًا في قلبه، كبيتٍ إلهيٍ سماويٍ، ليس من عملٍ بشريٍ، بل هو عمل الله خلال مؤمنيه. الرب هو باني البيت الروحي وحافظه، وهو واهب الراحة والسلام، ومعطي البنين كجبابرة بأسٍ.
يدعونا الرب إلى خبرة الحياة السماوية، فجوهر العبادة هو إقامة بيت روحي للرب في القلب، فتتحرر أرض قلبنا من اللعنة، ولا تنبت شوكًا وحسكًا، بل تصير سماءً جديدة متهللة بالرب. إنه يعمل في النفوس الجادة غير المتكاسلة ولا مهملة ولا متواكلة، لكن يبقى الرب نفسه هو العامل فينا وبنا.
يرى القديس يوحنا الذهبي الفم أن الحديث هنا يكشف عما حدث عند العودة من السبي إلى أورشليم، فقد وُجدت مقاومة شديدة، واستغرق بناء الهيكل الكثير من السنوات. هذا ما أشار إليه اليهود عندما قالوا: "في ست وأربعين سنة بُني هذا الهيكل" (يو 2: 20) لم يتحدث اليهود هنا عن بنائه في أيام سليمان، وإنما في ذهن الذهبي الفم أنه عن بنائه بعد السبي، غير أن بعض الدارسين يرون الحديث هنا عن بنائه في أيام هيرودس. بني الهيكل في 46 عامًا، ويرى البعض أنه قد بدأ في أيام هيرودس حوالي عام 20/19 ق.م. فيكون قد انتهى البناء منه في حوالي 28 م. ويرى آخرون أنه قد بدأ هيرودس الكبير إعادة بنائه في السنة الثامنة عشر من ملكه[1] وانتهي من العمل الرئيسي في تسع سنوات ونصف، لكن تمت إصلاحات وإضافات للمبنى استمرت إلى سنوات طويلة. بدأ هيرودس العمل في السنة ١٦ قبل ميلاد السيد، والحديث هنا في السنة الثلاثين من ميلاده. فكأن عمر المبنى القائم ٤٦ عامًا. وقد استمر البناء بعد ذلك. موضحًا بذلك البناء الأخير للهيكل لأن بناءه الأول كمل على مدى عشرين سنة. وكأنه مع بداية خدمة المسيح كان اليهود في أكثر لحظات اعتزازهم بالهيكل المبني حديثًا.