![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
![]() "حتى كما أُقيم المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضاً في جدّة الحياة" (رو 6: 4). قيامة يسوع أتتنا بحياة جديدة، لا بمعنى التمنّي ولا بالمعنى المستقبلي للكلمة، بل بمعنى الحياة الجديدة التي يبثّها فينا يسوع الآن. لهذا أعطانا الروحَ القدس، روحَ الحياة الجديدة. ولهذا اقتبلنا المعمودية باسمه. هذا كلام كبير ليس برسم المحاججة ولا الإقناع ومن حقّ القارئ أن يقف منه موقفاً حيادياً. لكن الكلام يُعرف بمفاعيله كما تُعرف الشمسُ بنورها وحرارتها والحياةُ في الشجرة بأوراقها وثمرها. عمل الروح القدس، أي الحياة الجديدة، يُعرف في القدّيسين. لا أتكلّم على القدّيسين الذين يصنعون العجائب فقط بل، بخاصة، على القدّيسين الذين اقتبلوا الحياة الجديدة وأثمروا. أتكلّم، إذاً، على العجائب الروحيّة التي أبانتها الحياة الجديدة في القدّيسين. الزانية، كمريم المصرية، التي صارت معلِّمة للعفّة، والقاتول، كموسى الأسود، الذي صار معلِّماً للوداعة، والسارق، كإبراهيم اللص، الذي صار مثالاً يُحتذى في الأمانة، والبخيل، كبطرس الرحيم، الذي صار معطاء سخيّاً مبدِّداً على المحتاج. وإن ننسى لا ننسى الكافر، كبولس الرسول، الذي صار معلِّماً للشريعة الجديدة في كل المسكونة. هل تعلم كيف تغيّر هؤلاء؟ تغيّروا لأنّ قوّة حلّت وبدّدت الخوف من الموت فيهم. استقرّ فيهم سلام غير سلام العالم. كان هذا سلام المسيح القائل: "سلامي أُعطيكم لا كما يعطيكم العالم". الحياة الجديدة التي مدّهم بها الروحُ القدس، روحُ الحياة، جعلتهم أقوى من الموت. عبثاً نحاول أن نجد أسباباً بشريّة نعلِّل بها التغيير الهائل الذي حصل لهم. متى كانت العفّة، بشريّاً، تأتي من الزنى؟ ومتى كان العنف يولّد الوداعة؟ متى كانت اللصوصية تنتج أمانة؟ ومتى كان البخل ينشئ سخاء وكرماً؟ متى كان الكافر يتحوّل إلى مُسَار لأقوال الله؟ هذه كلّها صور عن القيامة من الموت. وهذه كلّها تشهد لنعمة الله المجدِّدة في هؤلاء القوم وأمثالهم. وماذا بإمكانك أن تقول عن الشهداء في المسيحيّة؟ لكل ديانةٍ شهداؤها، طبعاً على أساس قِيمها. أما الشهداء في المسيحيّة فمعجزة مدهشة لا مثيل لها. ليس أنّهم يتخطّون حاجز الخوف من الموت وحسب. غيرهم قد يتخطّى حاجز الموت أيضاً إذا ما كان مشحوناً بأفكار سياسية أو بأوهام دينية أو بخيالات حادّة. ولكن مَن يقدر، في آن، أن يكون هادئاً، فرحاً، وديعاً، لا يكنّ لجلاّده أي ضغينة، محبّاً لأعدائه؟ تصوّروا أنّ القدّيس كبريانوس القرطاجي أمر لجلاّده، وهو ذاهب إلى الموت، بعشرين ذهبية، كأجرة له على تعبه. أهذا من صنع البشر؟ الناس الذين كانوا يلاحظون شهداء المسيحيّة كانوا دائماً يتساءلون باستغراب كبير: من أين تأتي المسيحيّين هذه القوّةُ الداخلية التي تجعلهم يُقبلون على الموت كما يُقبل الناس على الحياة؟ الشهيد في المسيحيّة هو الشاهد لقيامة الربّ يسوع المسيح بامتياز. الشهيد ثمرة هذه القيامة. قوّة قيامة يسوع هي الفاعلة فيه. الشهيد هو الإثبات! |
![]() |
|