البشر لم يخسروا شيئًا من فساد الجسد، بل كان هناك ربح كثير للجنس البشرى، وهذا يتضح من أن كل القديسين قد عاشوا في الجسد، وتمكنوا أن يعيشوا كملائكة ولم يعطلهم هذا العبء الثقيل عن التقدم في حياة الفضيلة. أما هؤلاء الذين اندفعوا نحو الطغيان والجحود، فإن فساد الجسد لا يمنعهم من السير خطوات أخرى في طريق مخالفتهم.
الخلاصة أن بعض الناس المعرضين للموت مع أنهم لابسون جسدًا قابلاً للآلام والفساد، يتوهمون أنهم معادلون لله. كم من أناس بسطاء كان يمكن أن يُخدعوا بأحاديثهم لو لم يفطنوا لي أنهم يلبسون هذا الجسد الضعيف والفاني؟. فإذا كان ذلك الجسد القابل للفساد يعطى الفرصة للقديسين لكى يظهروا شجاعة وشهامة النفس، في مغفرة تكون لأولئك الذين يتكلمون ضد الجسد؟
نستطيع القول من جهة حقيقة الجسد وقيمته، إنه قد صار لنا سببًا لمعرفة الله، لأن الكتاب يقول: " لأن أموره غير المنظورة تُرى منذ خلق العلم مُدركة بالمصنوعات قدرته السرمدية ولاهوته " (رو20:1).
واضح إذن إن النفس اُقتيدت لمعرفة الله الذي خلقها بواسطة الأعين والآذان، ولهذا فإن بولس كرّم الجسد وهو يقول: " لسنا نريد أن نخلعها بل أن نلبس فوقها " (2كو4:5)