![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
![]() ما هو المقصود بقداسة الله «قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ» ... هذه العبارة - العميقة جدًا في أبعادها - تتكرر مرتين في الكتاب المقدس؛ مرة في العهد القديم (إش6: 3)، ومرة في العهد الجديد (رؤ4: 8). وفي كلتا المرتين ينطق أو يترنم بها كائنات سماوية. وفي كلتا الحالتين جاء النطق في إطار رؤية ينتقل فيها رجل إلى أمام عرش الله: أولاً النبي إشعياء، ثم الرسول يوحنا. وقبل أن نتكلَّم عن التكرار الثلاثي لقداسة الله، مِن المهم أن نفهم ما هو المقصود بقداسة الله. إن قداسة الله هي أصعب صفاته في الشرح، ولا تسعفنا اللغة البشرية في تصوير جلال قداسته. ولنا عذرنا في هذا! إذ كيف نُطوِّع اللغة المحدودة لتصف مَن هو غير محدود، على نحو دقيق! وهذا يرجع أيضًا جزئيًا لكونها طبيعة فيه، وليست صفة مِن صفاته، فهي مثل المحبة والنور، تتكلَّم عمَن هو في جوهره وفي ذاته. وهي طبيعة لا يُشاركه فيها الإنسان. نحن مخلوقون على صورة الله، ونتشارك في كثير من صفاته؛ في النوع وليس الكم. فنحن لنا الإطار الخارجي مِن سماته، ولكن بقدر أقل منه بكثير بالطبع مثل: المحبة، الرحمة، الأمانة ... إلخ. ولكن بعض صفات الله لن يُشاركه فيها أبدًا أي من خلائقه، فهو كلي الوجود، وكلي المعرفة، وكلي القدرة، وكلي القداسة. وقداسة الله هي التميز والانفصال عن كل الكائنات والأشياء الأخرى. وهذا هو التعريف اللغوي الدقيق للكلمة: قداسة الله، التي تعني أكثر من مجرد كماله أو طهارته أي من الخطية. إنها جوهر تميّزه واختلافه. إن قداسة الله تُجسد سر عظمته، وتجعلنا نُحدق بعجب إليه، إذ نبدأ في فهم القليل مِن سموّه. بالإضافة إلى ذلك فإن القداسة هي تاج صفاته. فنحن نستطيع أن نقول إنه قُدّوس في محبته، قُدّوس في أمانته، قُدّوس في رحمته، قُدّوس في حكمته ... إلخ. والقداسة لا تعني فقط الانفصال والتميز عن سائر خلائقه، ولكنها تعني أيضا “الكمال المُطلق”، فهو سلبيًا مُنزَّه عن الخطأ، ولا يعرفه. ولكن على الصعيد الإيجابي فكل ما يعمله هو الصواب والصلاح المُطلَق، الذي لا يشوبه أي تشويه، ولا يعتريه أي نقصان. ولكن نلاحظ أيضًا أن في الإعلان عن قداسة الله - سواء في إشعياء أو في رؤيا يوحنا - كان الإعلان دائمًا مصحوبًا بالإعلان عن المجد: ففي إشعياء 6: 3 نقرأ: «قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ رَبُّ الْجُنُودِ. مَجْدُهُ مِلْءُ كُلِّ الأَرْضِ». وفي رؤيا يوحنا 4: 8-10 نرى أن مشهد العرش كله مُحاط بالمجد «وَالأَرْبَعَةُ الْحَيَوَانَاتُ (الخلائق الحيَّة) ... لاَ تَزَالُ نَهَارًا وَلَيْلاً قَائِلَةً: قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ، الرَّبُّ الإِلَهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، الَّذِي كَانَ وَالْكَائِنُ وَالَّذِي يَأْتِي». وبعد أن أُعلنت الخلائق السَّماوية الأربعة، قداسة الله الثلاثية «تُعْطِي الْحَيَوَانَاتُ مَجْدًا وَكَرَامَةً وَشُكْرًا لِلْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ، الْحَيِّ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ» (ع9). ومجد الله هو مظهر من مظاهر قداسته. فقداسة الله هي الكمال المستتر - الذي لا يُقارن - لطبيعته الإلهية، ومجده هو إظهار تلك القداسة. إن مجده هو الإعلان المكشوف لسر قداسته. في لاويين 10: 3 يقول الله: «فِي الْقَرِيبِينَ مِنِّي أَتَقَدَّسُ، وَأَمَامَ جَمِيعِ الشَّعْبِ أَتَمَجَّدُ». عندما يظهر الله نفسه ككونه قدوسًا، فما نراه هو المجد. فقداسة الله هي مجده الخفي. ومجد الله هو الإعلان الظاهر لقداسته. ولكن لماذا التكرار الثلاثي «قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ»؟ إن تكرار اسم أو تعبير ثلاث مرات كان أمرًا مألوفًا بالنسبة لليهود. في إرميا 7: 4 يذكر النبي عن الشعب تكرارهم لعبارة «هَيْكَلُ الرَّبِّ» ثلاث مرات، لتأكيدهم المُطلَّق وثقتهم الشديدة في عبادتهم، رغم ما شابها من فساد ونفاق، فقال: «لاَ تَتَّكِلُوا عَلَى كَلاَمِ الْكَذِبِ قَائِلِينَ: هَيْكَلُ الرَّبِّ، هَيْكَلُ الرَّبِّ، هَيْكَلُ الرَّبِّ هُوَ!». ونجد أيضًا في إرميا 22: 29 وحزقيال 21: 27 وصموئيل الأول 18: 23 تعبيرات ثلاثية مشابهة. لهذا عندما يهتف الملائكة: «قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ»، فهم يعلنون بقوة وحماسة - لا يدنو إليهما الشك - عن حقيقة قداسة الله، تلك الصفة الأساسية التي تُبين طبيعته العجيبة السامية. كما أن رقم 3 يعني كمال الإعلان. فحتى الطبيعة تعلمنا أن بُعدًا واحدًا أو بُعدين لا يستطيعان أن يُعطيا الإعلان الكامل، ولكن كل شيء يكمل بالثالوث. وبالإضافة إلى هذا، فإن التكرار الثلاثي يُعبّر عن طبيعة الله ذي الثلاثة الأقانيم، وكلها متساوية في القداسة والعظمة. يسوع المسيح هو القدوس الذي “لن يَرَى فَسَادًا” في القبر، لكنه سيُقام ليُمجَّد عن يمين الله (أع2: 26؛ 13: 33-35)، فهو - تبارك اسمه - «الْقُدُّوس الْبَارّ» (أع3: 14)، الذي - على أساس موته على الصليب - أمكننا أن نقف أمام عرش الله بلا لوم. والروح القدس واضح من اسمه أهمية القداسة في جوهر الله. لقد كان إشعياء شاهدًا على قداسة الله في رؤياه (إش6). ورغم أن إشعياء كان نبيًا لله وكان رجلاً بارًا إلا أن رد فعله لرؤية قداسة الله كان إدراكًا لخطيته وبؤس حالته (إش6: 5). وحتى الملائكة السرافيم في محضر الله؛ أولئك الذين كانوا يترنمون قائلين «قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ رب الجنود»، غطوا وجوههم وأقدامهم بأربعة من أجنحتهم الستة. إن تغطية الوجه والقدمين - بلا شك - يدل على الاحترام والمهابة الناتجة عن الوجود المباشر في حضرة الله (خر3: 4-5). وقف السرافيم وقد تغطوا، وكأنهم يخفون أنفسهم بقدر الإمكان اعترافًا بعدم استحقاقهم في حضرة الله القدوس، فهو الذي ينسب لملائكته حماقة (أي4: 18). وإذا كان السرافيم الطاهرون المقدسون يُظهرون مهابة وخشوعًا بهذا القدر في محضر يهوه، فأي احترام صادق يجب علينا - نحن الخلائق المُلوَّثة بالخطية - أن نُظهره عندما نأخذ في الاقتراب من الله! إن الاحترام والوقار اللذين يُقدّمهما الملائكة لله يجب أن يوبخانا لجرأتنا عندما نهرع بلا أدنى تفكير أو احترام للدخول إلى محضره - كما نفعل غالبًا - لأننا لا نفهم معنى قداسته. وكانت رؤيا يوحنا لعرش الله في رؤيا 4 تُشبه رؤيا إشعياء. ومرة أخرى، كانت هناك كائنات حول العرش تهتف بكل مهابة واحترام لذاك القدوس: «قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ، الرَّبُّ الإِلَهُ» (رؤ4: 8). ويُكمِّل يوحنا وصفه لهذه الكائنات التي تقدم لله المجد والإكرام والمهابة، حول عرشه بصورة مستمرة. ونلاحظ أن رد فعل يوحنا لرؤيته عرش الله يختلف عن إشعياء. فلا يذكر الكتاب خوف يوحنا وإدراكه لحالته الخاطئة، كما فعل إشعياء الذي صرخ معترفًا بنجاسته ونجاسة الشعب الذي يسكن معه، حينما انكشفت حالتهم أمام قداسة حضور الله. وهذا هو الفارق بين التدبيرين: تدبير الناموس الذي يُمثله إشعياء، وتدبير النعمة الذي يُمثله يوحنا. ففي الأول كان حضور الله يُصاحبه اهتزاز أساسات العتب، وامتلاء البيت دخانًا؛ مشهد يجلب الخوف والرعب إلى القلب، لأن الإنسان النجس يقف أمام الله القدوس. وهذا ما حدث على نطاق أوسع في حضور الرب في قداسته على جبل سيناء؛ واسمع ماذا يقول الكتاب لمؤمني زمان النعمة: «لأَنَّكُمْ لَمْ تَأْتُوا إِلَى جَبَلٍ مَلْمُوسٍ مُضْطَرِمٍ بِالنَّارِ، وَإِلَى ضَبَابٍ وَظَلاَمٍ وَزَوْبَعَةٍ، وَهُتَافِ بُوقٍ وَصَوْتِ كَلِمَاتٍ، اسْتَعْفَى الَّذِينَ سَمِعُوهُ مِنْ أَنْ تُزَادَ لَهُمْ كَلِمَةٌ ... وَكَانَ الْمَنْظَرُ هَكَذَا مُخِيفًا حَتَّى قَالَ مُوسَى: أَنَا مُرْتَعِبٌ وَمُرْتَعِدٌ!» (عب12: 18-21). أما في المشهد الثاني، حينما ظهر يوحنا أمام عرش الله في السماء، فمشهد العرش ووصفه لم يختلف كثيرًا عن إشعياء 6، وإن كان أكثر تفصيلاً، وهذا مِن نفس المنطلق أن قداسة الله ومجده، بالنسبة لنا في تدبير النعمة، تُريان بوضوح أكثر مما رآه الشعب قديمًا. ولكن بالإضافة إلى الوصف التفصيلي للجالس على العرش، فمِنَ العَرْش نفسه «يَخْرُجُ بُرُوقٌ وَرُعُودٌ وَأَصْوَاتٌ. وَأَمَامَ الْعَرْشِ سَبْعَةُ مَصَابِيحِ نَارٍ مُتَّقِدَةٌ ... وَقُدَّامَ الْعَرْشِ بَحْرُ زُجَاجٍ شِبْهُ الْبَلُّورِ» (رؤ4: 5، 6). وكان من المتوقع أن يرتعب يوحنا أكثر من إشعياء، وهو يرى تفاصيل مجد حضور الله وقداسته. ولكننا نجد يوحنا في هدوء تام يصف لنا أدق التفاصيل دون خوف أو وجل، والسبب في ذلك هو أن يوحنا في هذا المشهد يُمثل الكنيسة بعد الاختطاف (رؤ4: 1)، ولذلك نرى المؤمنين وهم في كمال المجد، مُمثلين بأربعة وعشرين شيخًا جالسين أمام عرش الله. فهنا أصبح المقام الذي للمؤمنين مُتفقًا تمامًا مع الحالة التي هم عليها، وتبرهن عمليًا أن «الْمُقَدِّسَ وَالْمُقَدَّسِينَ جَمِيعَهُمْ مِنْ وَاحِدٍ، » (عب2: 11)، وأصبحوا من ذات الرتبة «وَكَمَا هُوَ السَّمَاوِيُّ هَكَذَا السَّمَاوِيُّونَ أَيْضًا» (1كو15: 48). وها هو الجالس على العرش يتفرس فيهم وهو في مجد قداسته، فيراهم كاملين وبلا عثرة أو لوم إتمامًا لقول الوحي «وَالْقَادِرُ أَنْ يَحْفَظَكُمْ غَيْرَ عَاثِرِينَ، وَيُوقِفَكُمْ أَمَامَ مَجْدِهِ بِلاَ عَيْبٍ فِي الاِبْتِهَاجِ، اَلإِلَهُ الْحَكِيمُ الْوَحِيدُ مُخَلِّصُنَا، لَهُ الْمَجْدُ وَالْعَظَمَةُ وَالْقُدْرَةُ وَالسُّلْطَانُ، الآنَ وَإِلَى كُلِّ الدُّهُورِ. آمِينَ» (يه24، 25). أخيرًا نقول إن كلتا الرؤيتين عن الملائكة حول العرش وهم يهتفون «قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ»، تُشيران إلى أن الله هو نفس الإله في كلا العهدين. يفكر البعض أحيانًا أن إله العهد القديم هو إله الغضب، وإله العهد الجديد هو إله المحبة. ولكن إشعياء ويوحنا يُقدّمان صورة واحدة لإلهنا القدوس العظيم العجيب «الَّذِي لَيْسَ عِنْدَهُ تَغْيِيرٌ وَلاَ ظِلُّ دَوَرَانٍ» (يع1: 17)، والذي قال: «لأَنِّي أَنَا الرَّبُّ لاَ أَتَغَيَّرُ» (ملا3: 6)، وأيضًا يقول الكتاب: «يَسُوعُ الْمَسِيحُ هُوَ هُوَ أَمْسًا وَالْيَوْمَ وَإِلَى الأَبَدِ.» (عب13: 8). فقداسة الله أبدية كما أنه هو أيضًا أبدي. له كل الإكرام والسجود والتعبد. |
![]() |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
مزمور 92 | عربون لتمتع الشعب المختار بقداسة الله |
ما المقصود بظهور الله؟ ما المقصود بظهور المسيح؟ |
ما هو المراد بقداسة الله ؟ |
ماهو المقصود بمخافة الله؟ |
ماهو المقصود بمخافة الله؟ |