منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 07 - 09 - 2023, 06:01 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,310,262

آرميا النبي | إرميا والفخاري المحب


إرميا والفخاري المحب:

1 الْكَلاَمُ الَّذِي صَارَ إِلَى إِرْمِيَا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ قَائِلًا: 2 «قُمِ انْزِلْ إِلَى بَيْتِ الْفَخَّارِيِّ وَهُنَاكَ أُسْمِعُكَ كَلاَمِي». 3 فَنَزَلْتُ إِلَى بَيْتِ الْفَخَّارِيِّ، وَإِذَا هُوَ يَصْنَعُ عَمَلًا عَلَى الدُّولاَبِ. 4 فَفَسَدَ الْوِعَاءُ الَّذِي كَانَ يَصْنَعُهُ مِنَ الطِّينِ بِيَدِ الْفَخَّارِيِّ، فَعَادَ وَعَمِلَهُ وِعَاءً آخَرَ كَمَا حَسُنَ فِي عَيْنَيِ الْفَخَّارِيِّ أَنْ يَصْنَعَهُ. 5 فَصَارَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلًا: 6 «أَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَصْنَعَ بِكُمْ كَهذَا الْفَخَّارِيِّ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ، يَقُولُ الرَّبُّ؟ هُوَذَا كَالطِّينِ بِيَدِ الْفَخَّارِيِّ أَنْتُمْ هكَذَا بِيَدِي يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ.

تُعتبر مصانع الفخار من الملامح الرئيسية في العالم القديم، إذ كانت الأواني الفخارية أساسية في الحياة اليومية، لهذا نجد علماء الآثار مدينين للأواني الفخارية المكتشفة بلا حصر في التعرف على ثقافات المدن القديمة وتاريخها.
كان صانعوا الأواني الفخارية معروفين لدى الشعب قديمًا وكانوا من بين الذين أقاموا هناك مع الملك لشغله حيث نقرأ "هؤلاء هم الخزافون وسكان نتاعيم وجديرة أقاموا هناك مع الملك لشغله" (1 أي 4: 23)، فقد كان الخزَّافون تحت الحماية والعطف الملكي. وفي (مز 2: 9) يُشبه المسيح بالفخاري الذي يحطم الإناء الفاسد ويكسره قطعًا قطعًا. وفي نبوة إشعياء يشبه الله بالفخاري وما نحن إلاّ الطين بين يديه، فيقول "والآن يا رب أنت أبونا نحن الطين وأنت جابلنا وكلنا عمل يديك" (إش 64: 8). والرسول بولس يستعمل الصورة عينها (رو 9: 21) التي يستحضرها إرميا أمامنا في هذا الأصحاح.
"الكلام الذي صار إلى إرميا من قبل الرب قائلًا:
"قم انزل إلى بيت الفخاري،
وهناك أُسمعك كلامي" [1-2].
قم انزل
بدأ حديثه بقوله: "قم انزل". هذا يحمل معنى أن الأمر عاجل ويحتاج إلى سرعة: "قم". ومن الجانب الرمزي أو الروحي فإنه لا يستطيع إنسان ما أن يدرك معاملات الله مع البشر، خاصة شعبه، ما لم يختبر القيامة مع المسيح، أو الحياة الجديدة المُقامة، كخبرة يومية معاشة. وكما يقول الرسول: "قم من الأموات، فيضيء لك المسيح" (أف 5: 14). خلال التمتع بالقيامة نرى كيف يحول الفخاري طينتنا إلى إناءٍ سماوي حيّ مكرم، شريك مع المسيح في المجد.
بينما يطلب منه أن يقوم إذ به يسأله أن ينزل، ربما لأن مصانع الفخار غالبًا ما ُتقام في الوديان والحقول المنخفضة حيث توجد التربة والطين لعمل الأواني الفخارية.
لنقم فيرتفع قلبنا إلى السماء، لكن لا بروح التشامخ والتعالي، إنما ننزل مع مسيحنا إلى الصفوف الأخيرة، فنراه بروح الاتضاع يعمل وسط الخطاة، ليمكثوا معه أبديًا، يحملهم بالحب على كتفيه وينطلق بهم إلى حضن أبيه.
ما أروع كلمات القديس يوحنا الذهبي الفم الذي يحدثنا بخبرته الروحية عن العمل وسط الخطاة، أنه يجب علينا ألا نتحدث كما من على كرسي المعلم البار، إنما بالحب ننحني بظهورنا، ونمسك بالساقطين بعد أن نكون قد ثبّتنا قدمينا تمامًا، حتى نرتفع بروح الرب بهم دون أن ننهار ونسقط معهم في الوحل، أو ننطرح معهم أرضًا.
مسيحنا نزل إلى وادينا، وادي الموت، وأكل مع العشارين والخطاة، وبحبه قدسهم، لا ليحملهم إلى سمواته فحسب، إنما ليقيم منهم صيادين ماهرين يصطادون النفوس إلى مجده السماوي!
نقرأ عن ربنا يسوع أنه النازل من السماء، تلك الحقيقة التي تتكرر في إنجيل يوحنا الأصحاح السادس سبع مرات وفي ذلك كمال الاتضاع لمن قيل عنه "الذي مع كونه ابنًا تعلم الطاعة مما تألم به" (عب 5: 8).
والنزول بحسب فكر الرب معناه الاتضاع تحت يد الله القوية، وإن لم نتضع لا بُد أن ننحدر منزلقين.
للعلامة أوريجينوس تعليق جميل على "النزول":
[لنرى من خلال الكتاب المقدس نفسه ماذا قيل بخصوص وعاء الفخار الذي بين يدي الفخاري، وكيف أن النبوة نفسها تقدم لنا نقطة انطلاق لا يمكن إغفالها في تفسير قصة الأشياء التي بين يدي الفخاري. "الكلام الذي صار إلى إرميا من قبل الرب قائلًا: قم انزل إلى بيت الفخاري" [2].
كان إرميا فوق، لقد صعد أعلى من آنية الفخار. كانت آنية الفخار أسفل، أيضًا الطبيعة التي تتحكم وتدير هذه الآنية وُجدت أسفل، ذلك بتنازلها من أجل الآنية التي تديرها. لهذا فإن "الكلام الذي صار إلى إرميا من قبل الرب هو: قم أنزل إلى بيت الفخاري وهناك أُسمعك كلامي". أما موسى فقيل له: "اصعد إلى الجبل واستمع لأن كل من يسمع كلمة الله، يستمع إما إلى معلومات عن الأمور العليا السماوية وبالتالي يلزمه أن يرتفع بأفكاره إلى السماء ليتأمل فيها أو يستمع إلى تعليمات من الرب بخصوص أمور أرضية وبالتالي يلزمه أن ينزل بأفكاره إلى أسفل ليراها.
أستعين بمثال من الكتاب المقدس حتى يمكن للجميع أن يتابعوني على قدر استطاعتهم: "لكي يجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض. ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب" (في 2: 10-11).
توجد حكمة تناسب السمائيين، وهي معرفة الطريقة التي بها تُقسم الكائنات السمائية، وحكمة تناسب الكائنات الموجودة تحت الأرض؛ وأخرى تناسب الكائنات الأرضية. فإن أردت أن أفهم الحكمة التي تناسب السمائيين، يجب عليّ أن أصعد إلى قمة الجبل كما فعل موسى، حتى تكون الكلمات الآتية إلى من السماء مفهومة، كما يلزمني أن أعارف الليتورجيات السمائية، لأنه يوجد ظل وصورة للأسرار السماوية في الشريعة التي تسلمناها، وقد أوضح لنا ذلك بولس الرسول حين قال: "الذين يخدمون شبه السماويات وظلها كما أوحى إلى موسى" (عب 8: 5).
إن كان يجب عليّ أن أصعد لكي أتعلم الأمور السماوية، كذلك أنزل لكي أتعلم الأمور الموجودة تحت الأرض حتى إن كنت نبيًا. ربما لهذا السبب أيضًا نزل صموئيل النبي إلى الهاوية (إلى تحت الأرض)، ليس بسبب حُكم وقع عليه، إنما لينظر ويتعلم الأسرار الموجودة تحت الأرض (1 صم 28: 13).
يمكننا كذلك أن نجد شيئًا مماثلًا لهذا في قول بولس الرسول بالنسبة للحكمة حينما يميز بين درجاتها، قائلًا: "حتى تستطيعوا أن تدركوا مع الجميع القديسين ما هو العرض والطول والعمق والعلو" (أف 3: 18). إذا كُلفت من قبل الله بمعرفة الطول فعليك أن تصعد بعقلك إلى الطول؛ وإذا كُلفت بمعرفة العمق تنزل بعقلك إلى العمق. العقل الذي يستطيع أن يتبع الابن الكلمة يمكنه أن يفعل كل شيء طالما يقوده الرب ويعلِّمه كل شيء، ويتبعه إذا استطاع أن يترك العالم ويحمل صليبه، قائلًا: "قد صُلب العالم لي وأنا للعالم".
إذًا، من بين الذين يسمعون يوجد أناس يصعدون ليتعلموا، لكنهم لا يصعدون بطريقة جسدية؛ ويوجد آخرون ينزلون لكنهم مع هذا يحتفظون بنفوسهم عالية مرتفعة.
ربنا ومخلصنا يسوع المسيح نفسه قد صعد ونزل، لأن "الذي نزل هو الذي صعد أيضًا فوق جميع السموات" (أف 4: 10). إذن إن كان عليك أنت أيضًا أن تفهم الابن الكلمة الذي يعلم الأمور السماوية والذي صعد إلى العلاء، وأن تفهم الابن الكلمة الذي يعلم الأمور الأرضية والذي نزل إلى أسفل، إذًا "لا تقل في قلبك من يصعد إلى السماء أي ليُحْدِر المسيح، أو من يهبط إلى الهاوية أي لُيصعد المسيح من الأموات، لكن ماذا يقول (الكتاب)؟ الكلمة قريبة منك في فمك وفي قلبك" (رو 10: 6-8).
يمكنك بواسطة الابن الكلمة أن تصعد إلى السماء أو أن تنزل إلى أسفل طالما أن "الكلمة قريبة منك". لأنه ماذا يمكن أن يوجد في داخل الإنسان البار إلا "كلمة الله" الذي يملأ الكل؟ فإنه بالفعل "ملكوت الله في داخلكم"].

ما هو "بيت الفخاري"؟

سأله أن يذهب إلى "بيت الفخاري" [2]. ما هو هذا البيت إلا كنيسة المسيح، بيته المقدس، المُقام في وادي هذا العالم، لا كمحكمة تدين الخطاة، وإنما كبيت فخاري يحول الطين إلى أوانٍ مكرمة، أو كما يقول البابا أثناسيوس الرسولي عن الكنيسة إنها مستشفى لا محكمة، تضم المرضى، لا ليستعذبوا المرض أو يستسلموا له، بل ليشفوا منه.
يرى البعض أن الكلمة العبرية ل "فخاري" تعني "المُشَكِل" أو "الجابِل"، تُستخدم للتعبير عن إمكانية الله الخالق كما في (تك 2: 7-8؛ مز 94: 9)، وكما جاء في إشعياء: "يا لتحريفكم! هل يُحسب الجابل كالطين حتى يقول المصنوع عن صانعه لم يصنعني؟! أو تقول الجبلة عن جابلها لم يفهم؟!" (إش 29: 16).

الإناء الفخاري قبل حرقه والإناء الخزفي

يقول العلامة أوريجينوس:
[توجد وصيتان متتاليتان لإرميا: الأولى تختص بالإناء المصنوع من الفخار الخام، والذي يكون قابلًا للإصلاح وإعادة التشكيل عندما يُكسر، ذلك لأنه يمكن أن يصير عجينة لينة مرة أخرى في يد الفخاري. والثانية تختص بالإناء الفخاري المصنوع من الخزف، الذي إذا انكسر لا يكون قابلًا للعلاج أو الإصلاح، لأنه جاز في النار وأصبح صلبًا غير قابلٍ لإعادة التشكيل مرة أخرى.
طالما الفخار طينًا خامًا يكون قابلًا لإعادة التشكيل، لكن بمجرد دخوله النار يصبح صلبًا إذا انكسر لا يمكن علاجه. ماذا يعني ذلك؟ نفهم هذا بصورة عامة أولًا، ثم إذا سمح الرب نفهمه بالتفصيل.
طالما نحن في هذه الحياة، نُعتبر آنية من الفخار الخام، إما أن نكون مصنوعين من الرذيلة أو الفضيلة. على أي الأحوال يُمكن أن تُكسَر رذائلنا لتصير فضائل جديدة، كما أن تقدُمنا في الفضيلة يكون قابلًا للرجوع والتقهقر إلى الوراء. لكن حينما نعبر الزمن الحاضر ونصل إلى الحياة الأخرى، نجوز في النار، سواء نار سهام الشرير المشتعلة أو في النار الإلهية بما أن إلهنا نار آكلة، وفي كِلتي الحالتين سواء كُنّا أشرارًا أو صالحين، فإنه بعد كسْرِنا (موتنا) لن يمكن إعادة تشكيلنا ولن نكون قابلين للإصلاح.
هكذا ما دمنا في هذه الحياة كأننا في يد الفخاري: إذا سقط الإناء من يديه يمكنه أن يعالجه ويصلحه. فلنتب عن خطايانا التي فعلناها بالجسد، ولنرجع إلى الله بكل قلوبنا الآن،لكي يمنحنا النجاة والخلاص، طالما عندنا فرصة للتوبة، لأنه بعد خروجنا من العالم لن نتمكن من الاعتراف بخطايانا وتقديم توبة عنها.
هذا ما نستطيع أن نقوله بأسلوبٍ سريع ومجمل قبل أن نفحص بالتدقيق هذا النص الخاص بالنوعين من الآنية الفخارية، إحداهما إناء خام والآخر إناء صلب ].

في بيت الفخاري

يقول إرميا النبي:
"فنزلت إلى بيت الفخاري،
وإذا هو يصنع عملًا على الدولاب.
ففسد الوعاء الذي كان يصنعه من الطين بيد الفخاري،
فعاد وعمله وعاءً آخر كما حسُن في عيني الفخاري أن يصنعه.
فصار إلى كلام الرب قائلًا:
أما أستطيع أن أصنع بكم كهذا الفخاري يا ببيت إسرائيل؟ يقول الرب؟
هوذا كالطين بيد الفخاري أنتم هكذا بيدي يا بيت إسرائيل" [3-6].
واضح هنا أن إرميا قد دُعي ليقدم رسالة رجاء للشعب، فيدركوا إمكانياتهم الحقيقية كطين في يد خالقٍ حكيمٍ قدير. يؤكد الله لهم أنه موجود ومحب، قادر أن يشكلهم من جديد، إن أرادوا.
رأيإرميا النبي الفخاري بجوار الدولاب، يحرك بقدميه قرصًا حجريًا دائريًا من أسفل، فتتحرك معه عجلة خشبية من أعلى، وقد بدأت أصابعه تلعب في الطين ليُخرج الإناء كما في ذهنه، بالشكل الذي يريده له. وكما جاء في ابن سيراخ (سي 38: 29) "هكذا أيضًا يجلس الفخاري في عمله، ويحرك العجلة بقدميه".
ويؤكد أيوب البار سلطان الله على الإنسان، قائلًا: "يذهب بالمشيرين أسرى ويُحمِّق القضاة؛ يحل مناطق الملوك ويشدّ أحقائهم بوثاقٍ؛ يذهب بالكهنة أسرى ويقلب الأقوياء... يُكثر الأمم ثم يبيدها؛ يُوسع للأمم ثم يُجليها") أي12: 17-23).
بلا شك استرعى انتباه إرميا النبي الآتي:
أ. بقوله: "وإذا هو يصنع عملًا على الدولاب" [3]، أوضح أن الفخاري لا يلهو بالطين أو يلعب به، إنما يعمل في جدية عملًا هادفًا. هكذا حياتنا في يدي الله - الفخاري السماوي - موضع اهتمامه، يعمل في جدية خلال الأفراح والضيقات، بالترفق تارة، وبالضغط تارة أخرى، ليقيم منا آنية مقدسة مكرمة. الله هادف في خلقتنا كما في تجديد طبيعتنا، هادف في إقامة ممالك وإزالتها. كل العالم بين يديه، وكل التاريخ في قبضته، ليس من أمرٍ يسير محض مصادفة.
ب. كيف يعجن الفخاري الطين بيده ليخليها من فقاقيع الهواء، ويضعها في الدولاب ليتحرك برجليه ويديه بل وكل فكره، فيحول قطعة الطين التي لا شكل لها إلى إناءٍ جميلٍ، يوسعه الفخاري من هنا، ويضيقه من هناك، ويفتح فوهته إلخ.
ج. "ففسد الوعاء الذي كان يصنعه من الطين بيد الفخاري فعاد وعمله وعاءً آخر" [5].
يرى العلامة أوريجينوس في هذا النص مسئوليتنا الشخصية عن فسادنا.
[لماذا لم يُلقِ النبي اللوم على الفخاري باعتباره هو المسئول عن فساد الوعاء الذي كان بين يديه؟ الإجابة ببساطة: أن النص يختص بآنية حيَّة تفسد نتيجة خطأها، إذ يقول: "ففسد الوعاء الذي كان يصنعه".
احذر إذًا لئلا تسقط وتفسد حينما تكون في يدي الفخاري وهو يُشكلك، ويكون فسادك نتيجة لخطأك. يقول السيد المسيح: "ولا يخطفها أحد من يدي" (يو 10: 28)، كما أنه لا يستطيع أحد أن يخطفها من يده، كذلك لا يستطيع أحد أن يُفسدها. بذلك يمكنني أن أقول: أنه لا يستطيع أحد أن يخطف شيئًا من يدي الراعي الصالح أو ينزعنا من بين يدي الرب، إنما بإهمالنا يمكننا أن نسقط ونفسد ونحن بين يديه ].
خلق الله الإنسان صالحًا لكنه فسد خلال فساد إرادة الإنسان، وصار الأمر يحتاج إلى تدخل الفخاري نفسه القادر وحده على إعادة تشكيل الإناء. وكما يقول الرسول: "الجميع زاغوا وفسدوا معًا؛ ليس من يعمل صلاحًا ليس ولا واحد" (رو 3: 12).
يصف لنا البابا أثناسيوس الرسوليعمل الفخاري لإصلاح الطبيعة البشرية قائلًا:
[خلق الله الإنسان، وأراد له أن يبقى في عدم فساد، لكن البشر باحتقارهم ورفضهم التأمل في الله، ابتكروا ودبروا الشر لأنفسهم... فنالوا حكم الموت الذي أُنذروا به، من ذلك الحين لم يستمروا كما خُلقوا، بل فسدوا حسب تدابيرهم...
وإذا ر أي "الكلمة" أن فساد البشر لا يمكن إبطاله بأية وسيلة سوى الموت كشرطٍ ضروري... لهذه الغاية أخذ لنفسه جسدًا قابلًا للموت، لكي باتحاد هذا الجسد بالكلمة الذي هو فوق الكل يكون جديرًا بأن يموت بالنيابة عن الكل؛ ولأن الكلمة أتى وسكن فيه، يبقى في غير فسادٍ، وبذلك ينزع الفساد من الكل بنعمة القيامة].
د. إذا تحطم إناء لا يلقيه خارجًا، بل يعود فيعجنه بيديه مرة أخرى، ويجمع الأجزاء المتناثرة منه بكل حرص، ويضغطها معًا ليجعل منها كتلة واحدة يعيد تشكيلها باهتمام شديد.
ه. إذ يضع الفخاري الإناء في الفرن يعرف درجة الحرارة المناسبة، ويحدد الوقت بكل دقة، حتى لا يحترق الإناء بنارٍ زائدة، أو يفسد لانخفاض درجة الحرارة. جاءت الكلمة العبرية المقابلة "في عيني" تحمل معنى "السرور"، فالفخاري هنا ليس أجيرًا يعمل لحساب آخر، بل يهوى عمله ويُسر به، يشتهي أن يقدم بيده الفنانة إناءً جميلًا يكون موضع سروره. هكذا نرى في الله خالقنا ومخلصنا، أنه يعمل فينا لا لغرضٍ إلا لأننا موضع سروره، أو كما قيل في ابن سيراخ إن لذة الله في بني الإنسان. فإنه "لا يُسر بموت الشرير بل أن يرجع الشرير عن طريقه ويحيا" (حز 33: 11)، "يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون" (1 تي 2: 4).
و. يستطيع الفخاري أن يصنع ما يريده بالطين وليس العكس، وكأن الله هنا يؤكد لشعبه أنه من حقه أن يضع خطة خاصة بهم لا أن يضع الشعب خطة لله، كقول الرسول بولس: "بل من أنت أيها الإنسان الذي تجاوب الله؟! ألعل الجبلة تقول لجابلها: لماذا صنعتني هكذا؟ أم ليس للخزاف سلطان على الطين أن يصنع من كتلة واحدة إناء للكرامة وآخر للهوان؟!" (رو 9: 20-21). كان يليق بهم أن يخضعوا لله الخزاف السماوي، الذي من أجل تقديسه للحرية الإنسانية يترك للجبلة حق الخيار، وإن كانت لا تقدر أن تتشكل بذاتها. إنها في حاجة إلى نعمته المجددة للطبيعة البشرية!
* بهذا يتكشف بجلاء أن نعمة الله ورحمته تعملان دومًا لأجل خيرنا، فإذا تركتنا نعمة الله لا تنفع كل الجهود العاملة شيئًا. مهما جاهد الإنسان بكل نشاطٍ لا يقدر أن يصل إلى حالته الأولى بغير معونة الله.
الأب دانيال
في هذا المنظر تجلى لإرميا النبي حب الله لشعبه وصبره وطول أناته، كيف يشَّكل الطبيعة الفاسدة ليقيم منها إناءً للكرامة مقدسًا نافعًا للمجد (2 تي 2: 21). وكما سبق فصرخ إشعياء النبي: "الآن يا رب أنت أبونا، نحن الطين وأنت جابلنا. وكلنا عمل يديك، لا تسخط كل السخط يا رب، ولا تذكر الإثم إلى الأبد" (إش 64: 8-9).
قبل أن يصنع الفخاري الإناء يرتسم شكله في ذهنه، فيراه مخفيًا وراء كتلة الطين التي بلا شكل، وينتظر خروجه إلى عالم الوجود. هكذا يرانا الله آنية كرامة مُعدة للمجد الأبدي، يرانا خلال طبيعتنا الترابية التي يعيد تشكيلها في مياه المعمودية بعمل روحه القدوس الناري.
حياتنا الزمنية أشبه بقطعة طين تدخل الدولاب الذي يدور في اتجاه واحد، فنظنها وليدة صدفة أو حياة مملة، لكن يدي الفخاري لا تتوقفان عن العمل لكي يحقق خطته تجاهنا. علينا أن نلبث في الدعوة التي دعينا إليها (1 كو 7: 20)، متكئين على صدر المخلص العامل فينا، فنشعر بلمسات يديه المجروحتين لأجلنا، وندرك عنايته وحبه الباذل فنقول: "الذي لم يشفق على ابنه بل بذله لأجلنا أجمعين كيف لا يهبنا معه كل شيء؟!" (رو 8).
بيديه يعيد تشكيلنا، فجعل من سمعان الذي يخشى جارية بطرس الصخرة التي لا تهتز أمام ملوك وولاة، ومن شاول الطرسوسي مضطهد الكنيسة رسولًا كارزًا بإمكانيات فريدة. يحول حتى أخطاءنا إلى ما هو للخير والبنيان مادمنا بين يديه مجاهدين. يحول الفتيلة المدخنة التي ُتفسد العيون إلى شعلة نار ملتهبة.
عجيب هو هذا الفخاري، فإنه يهب رجاءً لكل نفس. يجعل الحديد المفقود يطفو على وجه الماء (2 مل 6: 6) ويملأ الجرار الفارغة خمرًا جديدة جيدة (يو 2)، ويعوضنا عن السنين التي أكلها الجراد (يؤ 2: 25) ويرد الحرب حتى إن كانت قد بلغت إلى الباب (إش 28: 6).
* عندما ُشكل آدم من الطين كان لا يزال طريًا... ومع ذلك كان كالقرميدة (بلاطة) متماسكًا وغير فاسدٍ، أهلكته الخطية، متسللة إليه ومنهارة عليه كالماء. لذلك عجنه الله من جديد وشكَّل ذات الطينة مرة أخرى لأجل كرامة الله، فأتى بها قوية وثابتة في رحم البتول، ووحدّها وربطها بالكلمة، حاليًا جاء بها إلى الحياة فلم تعد بعد لينة أو منكسرة لئلا إذا افاضت عليها بعد مجاري الفساد من الخارج تلين وتهلك.
اظهر الرب (اهتمامه بها) في تعليمه في مثل الخروف المنعزل وحده، إذ قال ربي للذين حوله: "أي إنسان منكم له مائة خروف وأضاع واحدًا منها ألا يترك التسعة والتسعين في البرية ويذهب لأجل الضال حتى يجده؟! وإذا وجده يضعه على منكبيه فرحًا، ويأتي إلى بيته ويدعو الأصدقاء والجيران، قائلًا لهم: افرحوا معي لأني وجدت خروفي الضال" (لو 15: 4-6).
الأب ميثوديوس
يرى الأب Methoduis أن هذا المثال يعلن عن حقيقة القيامة .
* يمكن لله ليس فقط أن يُصلح هؤلاء الذين هم من طين، خلال جرن التجديد، بل ويعيدهم إلى حالتهم الأصلية، خلال توبتهم النافعة، هؤلاء الذين نالوا قوة الروح وأخطاؤا .
القديس يوحنا الذهبي الفم

بالقيامة يُعاد تشكيلنا


يقول العلامة أوريجينوس:
["فصار إليّ كلام الرب قائلًا: أما أستطيع أن أصنع بكم كهذا الفخاري يا بيت إسرائيل يقول الرب" [6]. يفهم كل واحدٍ هذا الكلام قدر استطاعته: فيمكن لواحد أن يفهم المعنى بطريقة سطحية، ولآخر أن يفهمه بطريقة أكثر عمقًا. يفهم بعض الناس موضوع الوعاء الفخاري الذي فسد وأعيد تشكيله بطريقة بسيطة... من وجهة نظر هؤلاء الناس، هذه القصة ترمز إلى القيامة. لأنه إذا كان وعاء الفخار قد سقط وفسد من يدي الفخاري، وعاد هذا الفخاري وعمله وعاءً آخر كما حسن في عينيه، وعمله من نفس المادة التي عمل بها قبل ذلك، فإن الله هو أيضًا، بما أنه الفخاري الذي عمل أجسادنا وخلق طبيعتنا يمكنه إذا سقط الوعاء وانكسر، أن يعيد تشكيله ويصنع منه وعاءً آخر أحسن نوعًا كما يحسن في عينيه ].
رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
آرميا النبي | بأمرٍ إلهي نزل إرميا النبي إلى وادٍ منخفض
آرميا النبي | طلب الله من إرميا النبي أن يمارس عملًا
آرميا النبي | كأّن الله يعاتب إرميا النبي
آرميا النبي | لا يقف إرميا النبي وحده يُرثى هذا الشعب
آرميا النبي | تمتع إرميا النبي بتقديس الله


الساعة الآن 11:14 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025