![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
![]() كبرياء الأردن: 5 « إِنْ جَرَيْتَ مَعَ الْمُشَاةِ فَأَتْعَبُوكَ، فَكَيْفَ تُبَارِي الْخَيْلَ؟ وَإِنْ كُنْتَ مُنْبَطِحًا فِي أَرْضِ السَّلاَمِ، فَكَيْفَ تَعْمَلُ فِي كِبْرِيَاءِ الأُرْدُنِّ؟! 6 لأَنَّ إِخْوَتَكَ أَنْفُسَهُمْ وَبَيْتَ أَبِيكَ قَدْ غَادَرُوكَ هُمْ أَيْضًا. هُمْ أَيْضًا نَادَوْا وَرَاءَكَ بِصَوْتٍ عَال. لاَ تَأْتَمِنْهُمْ إِذَا كَلَّمُوكَ بِالْخَيْرِ. [5-6]. يرى البعض أن العبارات السابقةهي إجابة الله لإرميا النبي على تساؤله: "لماذا تُنجح طريق الأشرار؟" [1]. فقد حملت الآتي: أولًا: كأّن الله يعاتب إرميا النبي قائلًا له: لماذا ضعفت أمام مقاومة الأشرار؟ لماذا لم تحتمل أول عاصفة من الاضطهاد؟ ألا تذكر كيف دعوتك ووعدتك إني أكون معك؟! فلماذا يتسرب اليأس إلى قلبك؟ لقد دخلت المعركة المقدسة بقلبٍ نقي، لكنها فوق إدراكك، لا تعرف أبعادها. انتظر لترى دوري، ولا تتعجل النتائج في حياتك، وفي حياة الشعب الذي تراه الآن شريرًا ومقاومًا لك ولي. إنك حتى الآن قد "جريت مع المشاة فأتعبوك"، لكنني أجعلك تبارى الخيل. أنت الآن في أرض السلام نسبيًا، إنني أسندك حينما تدخل في الأحزان الشديدة التي تجتاح الأرض ككبرياء الأردن. هذه معاملات الله معنا، لا يدفعنا دفعة واحدة لنباري الخيل، بل يختبرنا أولًا بالحري مع المشاة. لا يسمح لنا أن نلتقي بنهر الأردن في حالة فيضانه لمواجهة تياراته ولججه، بل أن ُنجرب أولًا في أرض السلام وسط أحبائنا. تكرر تعبير "كبرياء الأردن" أربع مرات في العهد القديم (إر 49: 19؛ 50: 44؛ زك 11: 3). من الناحية الروحية ينبغي ألا نرتئي فوق ما ينبغي (رو 12: 3)، أي ليعرف كل إنسانٍ قامته الروحية. كمثال لا نمارس ونحن بعد في بداية الطريق التداريب الروحية التي اختبرها النساك في نهاية طريقهم، بل نسلك بحكمة الروح. يلزمنا أن نبدأ الطريق مع المشاة، وعندما ننجح ندخل في مباراة مع راكبي الخيل. إن كنت منبطحًا على الأرض في ضعفٍ وأنت بعد لم تدخل المعركة، ماذا تفعل في كبرياء الأردن؟ التطرف حتى في الطريق الروحي خطير، إذ يلزمنا أن نعتمد على نعمة الله التي تبنينا في هدوء وبحكمة، وليس بانفعلات عاطفية عنيفة. يتحدث القديس يوحنا الذهبي الفم عن هذا المبدأ وهو أن لا يرتئي الإنسان فوق ما ينبغي، حاسبًا إياه رأس كل الفضائل، داعيًا إياه "اتضاع الفكر"، قائلًا: [هنا يقدم لنا الرسول بولس (رو 12: 3) أم كل الأعمال الصالحة، أي اتضاع الفكر، مقتديًا بسيده. فعندما صعد على الجبل وأخذ يقدم نسيجًا من الوصايا السلوكية قدم في المقدمة هذا الينبوع، قائلًا: "طوبى للمساكين بالروح" (مت 5: 3). هكذا أيضًا بولس إذ يعبر من الجوانب التعليمية إلى الجوانب العملية يحدثنا عن الفضيلة بطريقة عامة، سائلًا إيانا أن نقدم (ذواتنا) ذبيحة عجيبة (رو 12: 1). وإذ يقدم صورة خاصة بها بدأ بالاتضاع كما من الرأس، مخبرًا إيانا: "لا يرتئي فوق ما ينبغي، بل يرتئي إلى التعقل" (رو 12: 3). يعني القول: لقد تسلمنا حكمة، لا لنستخدمها لكبريائنا، وإنما لنكون متعقلي الفكر. يقول هذا لا لنكون منحطين في الفكر، بل متعقلين، قاصدًا بالتعقل هنا الفضيلة العاقلة والصحية في الذهن]. بمعنى آخر، يقول الله لإرميا إن كنت تتساءل: لماذا تُنجح طريق الأشرار؟ فلتعلم أنك لاتزال في بداية الطرق الضيق. لكني أكون معك وأرتقي بك وسط الآلام، فتكتشف أسرار محبتي ومعاملاتي معك ومع شعبي. ثانيًا: قدم الله التساؤلات السابقة عوض إجابته على السؤال مباشرة، ليؤكد له أنه يعلم تمامًا ما بلغه إرميا من تعبٍ ومرارة، لكنه ليس منسيًا أمام الله. سيعطيه غلبة على المشاة، ويدخل به إلى المبارة بين راكبي الخيل، وسيرتفع به من نصرة إلى نصرة. بمعنى آخر يؤكد له الله اهتمامه به حتى وإن ثارت في نفسه تساؤلات تبدو كأنها عن ضعف إيمان. كأن الله يقول له: أنا أعرف أنك ولد كما سبق فاعترفت (إر 1: 6)، هادئ الطبع، ذو قلبٍ رقيق، لا تحتمل الضربات العنيفة، اعلم إنني لن أتركك. إني لست مثل إخوتك وأهل بيتك الذين يغدرون بك حتى إن نادوا وراءك بصوتٍ عالٍ وتكلموا معك بالخير [6]. إني أشاركك مشاعرك، وأدرك ضعفاتك، حتى وإن كنت عاجزًا عن مباراة المشاة، أو في معركة على أرض السلام. بهذا لا يُعاني إرميا من الشعور بالوحدة والعزلة أو الشعور بالنقص أو الفشل، لأن الله يرافقه حتى وإن فارقه العالم كله! ثالثًا: نشتم من هذه الكلمات تأكيد الله لإرميا ألا يحكم قبل الوقت. فإن انتظر يرى حكمة الله وأيضًا عدله الممتزج بالحب والرحمة! رابعًا: كأن الله يسأل نبيه إرميا ألا يضطرب بمثل هذه الأسئلة وهو يتطلع إلى بني قومه يقاومونه ويغدرون به، فإنه مُرسل لخدمة الشعوب كما سبق فأخبره: "جعلتك نبيًا للشعوب" (إر 1: 5). بمعنى آخر كأن الله يقول له: إني أتعجب أنك تتساءل في هذه الأمور الصغيرة، وأنا أرسلتك لخدمة الشعوب. عوض الانشغال بهده التساؤلات احرص على تتميم رسالتك العظيمة التي ائتمنتك عليها. ارتفع بنعمتي فوق الأمور التي تشغل بني البشر وذلك بإدراكك لمركزك الجديد الذي قدمته لك. خامسًا: بقوله "إخوتك أنفسهم وبيت أبيك" [5] يقصد كل أهل عناثوث (إخوته)، خاصة الأقرباء جدًا إليه (بيت أبيه). كأنه يقول له: لماذا تحتج عليّ قائلًا: لماذا تُنجح الأشرار؟ إن كنت أطيل أناتي عليهم فلا تنسى أنهم إخوتك وبيت أبيك حتى إن غدروا بك! أنا أحذرك منهم لكنني أؤدبهم لأخلصهم، فهم أقرباؤك! يترجم البعض كلمة "عالٍ" [6] ب "سكران" أو "ممتلئ سكرًا"، فالكلمة العبرية ترجمتها الحرفية هي "وزن ثقيل" أو "ممتلئ" (خاصة بالسُكر)... لهذا يرى البعض أن المعنى هنا هو أن أقرباء إرميا كانوا يسخرون به كإنسان ممتلئ سُكرًا، كما حدث مع التلاميذ حين قبلوا عطية الروح القدس، إذ قيل عنهم إنهم سكارى (أع 2: 13)، كما قيل هكذا عن حنة عندما كانت تُصلي بقلبٍ منسحقٍ (1 صم 12-15). هكذا كان أقرباؤه تارة يسخرون به، وكان في هذا رمزًا للسيد المسيح الذي اتهمه أقرباؤه حسب الجسد أنه مختل العقل (مر 3: 21)، وتارة يحاولون خداعه بكلمات معسولة، كما قبّل يهوذا سيده مسلمًا إياه للموت! |
|