![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
البابا شنودة الثالث
المحبة هي قمة الفضائل كلها. أو هي جماع الفضائل كلها, وهي علي أنواع: محبة الله, ومحبة الخير, ومحبة الغير. المحبة كائنة في الله منذ الأزل: أحبنا قبل أن نوجد, ومن أجل ذلك أوجدنا. كنا من قبل في عقله فكرة, وفي قلبه مسيرة, ثم لما أعد لنا كل شيء حينئذ خلقنا. † المحبة هي جوهر الدين, والذي ليست فيه محبة لا يمكن أن يكون متدينًا والمحبة هي خروج من الذات إلي الغير, بحيث ينسي الإنسان ذاته، ويذكر غيره, هو إذن لا يعيش داخل ذاته (داخل الأنا) إنما يعيش داخل قلوب الناس. يحيا لآجل غيره ويري خير الناس قبل خيره هو وهكذا فمن يحب الخير, يحب الغير, وإذا كانت المحبة تملأ قلبه حينئذ تفيض من وجهه وتظهر في ملامحه وفي عينيه وفي كل تصرفاته وأعماله وتلد في حياته العديد من الفضائل. † والمحبة شيء غير الشهوة تماما, فالحب يريد دائمًا أن يعطي أما الشهوة فتريد دائما أن تأخذ. الشهوة تكون دائمًا ممتزجة بالأنا, بالذات. أما الحب فيمتزج بإنكار الذات لأجل الغير والحب الحقيقي لا بد أن يمتزج بالطهارة والنقاوة كما يمتزج أيضا بالحق. † إن المحبة كانت هي الأصل في علاقات الإنسان الأول: كانت المحبة كاملة بين الإنسان والله قبل الخطيئة, وكانت المحبة بين آدم وحواء طاهرة نقية, بها البساطة والتعاون والثقة بل كانت المحبة كائنة بين آدم والحيوانات, لا هو يصيدها ولاهي تؤذيه, وفي ظل المحبة لم يكن يوجد الطبع الوحشي والافتراس في صفات بعض الحيوانات, بل كان الكل أليفا وكان أبونا آدم يحب الحيوانات ويسميها بأسماء. ونفس الوضع كان في قصة أبينا نوح والفلك, ففي الفلك كان نوح يرعي جميع الحيوانات وهو الذي أدخلها إليه, وكان يهتم بها فيه ويقدم لها غذاءها. إذا المحبة هي الأصل والبغضة دخيلة, بل المحبة إذا كانت في الله منذ الأزل لم يشأ أن يكون وحده بل من جوده وكرمه أوجد مخلوقات تحيا معه, فخلق الملائكة قبلنا وكانت المحبة تربط بينهم وكما قال أحد الآباء: لو وقف عشرة آلاف من الملائكة معا, لكان لهم جميعا رأي واحد, وكما كان الملائكة يحبون بعضهم بعضًا, هكذا كانوا يحبون الله أيضًا. † والمحبة الحقيقية لها قوتها, وهي لا تسقط أبدا ولا تنهار وقد قال سليمان الحكيم: إذا أعطى الإنسان كل ثروة بيته بدل المحبة تحتقر احتقارًا.. لهذا فكل فضيلة تؤسس علي المحبة, تكون راسخة. وكل علاقة تبني علي المحبة تبقي قوية ولا تتزعزع. ولهذا قال الرب: يا ابني أعطني قلبك, إذا الله يريد القلب, أي يريد الحب, وليس مجرد الشكليات والمظاهر الخارجية والعبادة الخالية من الحب قد رفضها الله, حينما قال عن اليهود: هذا الشعب يكرمني بشفتيه أما قلبه فمبتعد عني بعيدا.. لذلك قال عن صلواتهم وهم خطاة: حينما تبسطون أيديكم, أستر وجهي عنكم, وإن أكثرتم الصلاة, لا أسمع أيديكم ملآنة دمًا! ونص الآية هو: "فَحِينَ تَبْسُطُونَ أَيْدِيَكُمْ أَسْتُرُ عَيْنَيَّ عَنْكُمْ، وَإِنْ كَثَّرْتُمُ الصَّلاَةَ لاَ أَسْمَعُ. أَيْدِيكُمْ مَلآنَةٌ دَمًا." (سفر إشعياء 1: 15). |