إن الإعلان الدائم للإنجيل في الكنيسة يتعرّض اليوم للخطر من قبل نظريات نسبية أو تناسبية، تهدف إلى تبرير التعدّدية الدينية، ليس فقط بالواقع بل أيضاً بالمبدأ. وبهذا المنطق تعتبر هذه النظريات أموراً وحقائق مثل السمة الخلاصية النهائية لوحي يسوع المسيح، طبيعة الإيمان المسيحي في مواجهة معتقدات الديانات الأخرى، طبيعة الوحي في الكتاب المقدس، وحدة الشخصية بين الكلمة الأزلي ويسوع الناصري، الوحدة والشمولية لسرّ يسوع المسيح، الوساطة الخلاصية العالمية للكنيسة، عدم الفصل بين ملكوت الله وملكوت المسيح والكنيسة، جوهر وحقيقة الكنيسة الواحدة الوحيدة للمسيح موجود في الكنيسة الكاثوليكية الجامعة. يمكن البحث عن جذور هذه النظريات الخاطئة في بعض المعطيات ذات الطبيعة الفلسفية، أو اللاهوتية التي تعوق الفهم والقبول العاقل للحق الموحى به. يمكن الإشارة إلى بعض هذه المعتقدات الخاطئة: التأكيد على عدم إمكانية حد الحقائق الإلهية في صيغ معينة أو إدراكها، حتى بواسطة الوحي المسيحي، الاتجاه إلى النسبية في مواجهة الحق بمعنى أن ما هو حق بالنسبة للبعض، ليس هو كذلك بالنسبة لآخرين؛ التناقض الجذري المفترض بين العقلية المنطقية الغربية وبين العقلية الرمزية الشرقية؛ الذاتية التي تعتبر أن العقل هو المصدر الوحيد للمعرفة، وبهذا تمسي غير قادرة على النظر إلى العلا للوصول إلى حقيقة الكائن”[8]، العجز عن فهم وقبول وجود أحداث في التاريخ تتكلم عن نهاية العالم؛ رفض البعد الميتافيزيقي لحدث تجسّد الكلمة الأزلي في التاريخ. وتخفيض ذلك إلى مجرد ظهور الله في التاريخ “الروح الانتقائية”؛ يؤدي ذلك كله إلى الخسوف الكلي لمن يتخذ في بحثه اللاهوتي أفكاراً مستجلبة من تيارات فلسفية أو دينية متعددة دون أن يتنبه سواء لصحتها المنهجية أو إلى توافقها من عدمه مع الحقائق المسيحية؛ كذلك أخيراً الميل إلى قراءة وتفسير الكتاب المقدس دون الرجوع إلى التقليد الكنسي وتعاليم الكنيسة. أمام هذه الافتراضات التي تقدم نفسها في صور متعددة الأشكال مرة في صورة تأكيدات ومرة في صورة افتراضات… مما أدى إلى تطوير بعض الافتراضات اللاهوتية في مواضيع الوحي المسيحي وسر يسوع المسيح وسر الكنيسة وتقديمها كحقائق مطلقة لخلاص شامل، مما ألقى بظلال الشك وعدم الثقة.