![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
![]() سقوط أدوني بازق: "وكان بعد موت يشوع أن بني إسرائيل سألوا الرب قائلين: من منا يصعد إلى الكنعانيين أولًا لمحاربتهم؟ فقال الرب: يهوذا يصعد قد دفعت الأرض ليده؛ فقال يهوذا لشمعون أخيه: إصعد معي في قرعتي... فأصعد أنا أيضًا في قرعتك، فذهب شمعون معه" [1- 3]. إذ مات يشوع بعد أن عبر بهم الأردن ودخل بهم إلى أرض كنعان التزم بنو إسرائيل أن يحاربو الكنعانيين لكي يرثوا الأرض بعد طرد الوثنيين. لقد مات "يسوع" رب المجد على الصليب بعد أن عبر بنا مياه المعمودية وصارت لنا إمكانية إلهية لكي نجاهد في أرض الموعد، إي خلال الحياة الجديدة التي لنا في المسيح يسوع. لكي نطرد الكنعانيين أي أعمال إبليس ونرث في الرب، بمعنى آخر أن موت ربنا يسوع وعبورنا مياه المعمودية ليس نهاية الطريق بل هو بدايته، لكي نجاهد قانونيا بالروح القدس لكي نغلب ونرث، لا إلى حين، وإنما ننطلق من جهاد روحي إلى جهاد آخر، ومن نصرة إلى نصرة، وننعم بالانطلاق من مجد إلى مجد خلال جهادنا الروحي. وكما يقول القديس غريغوريوس النيصي: [من يتقبل حميم التجديد يشبه جنديًا صغيرًا أُعطي له مكان بين المصارعين لكنه لم يبرهن بعد على استحقاقه للجندية(11)]. إذ سأل بنو إسرائيل الرب عمن يصعد أولًا لمحاربة الكنعانيين، جاءت الإجابة "يهوذا" وقد طلب يهوذا من أخيه شمعون أن يصعد معه في قرعته ليحارب. من هو يهوذا الذي يبدأ بالحرب الروحية سوى ربنا يسوع المسيح "الخارج من سبط يهوذا"، هذا الذي يقود بنفسه الموكب ليغلب وينتصر لحسابنا، هذا الذي رآه القديس يوحنا للاهوتي: "خرج غالبًا ولكي يغلب" (رؤ 6: 3). فإن كان "شمعون" تعني (المستمع)(12) ويشير إلى المؤمن الذي يصغي لسيده ويسمع صوته في طاعة، فإن يهوذا أي ربنا يسوع في صراعه ضد العدو إبليس يطلب من شمعون أي من المؤمن المستمع لوصيته أن يشاركه الحرب الروحية. إذن فالمحارب هو السيد المسيح الذي يدعونا أن نختفي فيه لكي به نجاهد، وبه ننتصر ونكلل! وكما يقول القديس أغسطينوس: [يسوع قائدنا سمح لنفسه بالتجربة حتى يعلم أولاده كيف يحاربون(13)]. إن كان "يهوذا" يعني "اعتراف" أو "إيمان"، فإن ربنا يسوع المسيح يطالبنا في محاربتنا للكنعانيين الوثنيين أي للخطايا التي ملكت في القلب أن ننطلق للجهاد خلال الإيمان أو الاعتراف بالإيمان "يهوذا"، لكن ليس بدون "شمعون" أخيه، أي ليس بدون العمل أو الاستماع للوصية. كأن انطلاق يهوذا مع شمعون للمعركة الأولى ضد الكنعانيين إنما يعلن الجهاد الروحي خلال الإيمان الحيّ غير المنفصل عن العمل، فإنهما أخوان متلازمان. بمعنى آخر لا انفصال بين نعمة الله المجانية والجهاد العملي، وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [يطلب الله منا حجة صغيرة لكي يقوم هو بكل العمل(14)]. كما يقول: [النعمة دائمًا مستعدة! إنها تطلب ئالذين يقبلونها بكل ترحيب. هكذا إذ يرى سيدنا نفسًا ساهرة وملتهبة حبًا، يسكب عليها غناه بفيض وغزارة تفوق كل طلبته(15)]. انطلق يهوذا وفي صحبته شمعون ليحاربا أدوني بازق، هذا الذي سبق فأذل سبعين ملكًا بقطع أباهمَ أيديهم وأرجلهم وكانوا يلتقطون الفتات الساقط من مائدته كالحيوانات، فإذا به يسقط أسيرًا وتُقطع أباهمُ يديه ورجليه ويبقى تحت المائدة ذليلًا... وكما قال: "كما فعلت كذلك جازاني الله" [7]. كلمة "أدوني" تعني "سيد" أو "مالك" أو "رب"(16)، وكلمة "بازق" تعني "مبرق"(17). والكلمتان تمثلان سمتي إبليس، فقد أقام نفسه "أدونيًا" أي سيدًا وربًا ومالكًا على حياة الإنسان الخاضع لمشورته، و"مبرقًا" بخداعاته الكاذبة. وقد أعلن الكتاب المقدس هاتين السمتين، فقيل عنه: "رئيس هذا العالم قد دين" (يو 16: 11)، "لأن الشيطان نفسه يغير شكله إلى شبه ملاك نور" (2 كو 11: 14). إذن أدوني بازق يشير إلى الشيطان الذي أقام نفسه رئيسًا على محبي العالم، مبرقًا عليهم بنور مخادع على شبه ملاك ليقتنصهم وبالفعل أذل البشرية التي كانت تمثل سبعين ملكًا، فقد قطع أباهم أيديهم وأرجلهم، لكن جاء يهوذا ليقطع بالصليب أباهم يدي إبليس ورجليه ويحني عنقه بالمذلة تحت قدمي الإنسان. فقد رأى السيد المسيح الشيطان ساقطًا مثل البرق من السماء (لو 10: 18) عندئذ قال لرسله: "ها أنا أعطيكم سلطانًا لتدوسوا الحيات والعقارب وكل قوة العدو ولا يضركم شيء، ولكن لا تفرحوا بهذا أن الأرواح تخضع لكم بل افرحوا بالحري أن أسماءكم كتبت في السموات" (لو 10: 19-20). هذا هو أدوني بازق الذي سقط من قلوبنا كما من السماء وصار مدوسًا تحت أقدامنا لا يقدر أن يضرنا في شيء. والآن ماذا يُعنى بقطع أباهم الأيدي والأرجل؟ يرى كثير من الآباء أن "إصبع الله" يرمز للروح القدس، فإذ قيل "لوحي حجر مكتوب بأصبع الله" (خر 31: 18) إنما يشير إلى كلمة الله التي تنقش فينا بالروح القدس. فإن كان الأصبع يشير إلى الروح فقطع أدوني بازق أباهم أيدي وأرجل الملوك السبعين إنما يعني نزعه روحهم وإفقاد البشرية التي كان يجب أن تملك في الرب كل قوتها وحياتها؛ قطع أباهم اليد يشير إلى توقف العمل تمامًا لحساب مملكة الله وقطع أباهم الأرجل يشير إلى توقف الحركة أو الانطلاق في الطريق الملوكي. هكذا أذل الشيطان البشرية ونزع عنها عملها الملوكي وحركتها السماوية، وجعلها أسيرة قصره تأكل من الفتات الساقط من مائدته في التراب، تسلك كحيوانات بلا كرامة ولا سلطان روحي! لكن الله لم يترك أدوني بازق يذل خليقته أبديًا، وإنما على الصليب "إذ جرد الرياسات والسلاطين أشهرهم جهارًا ظافرًا بهم فيه" (كو 2: 15). وكأنه قطع أباهم يديه ورجليه وجعله تحت قدمي المؤمنين بلا سلطان! صار موضع إبليس الجديد ليس في القلب كي يملك وإنما تحت المائدة يُداس بالأقدام، فاقدًا القدرة على العمل أو الحركة. نال إبليس جزاء عمله، وارتد فعله إليه كما قيل لأهل أدوم: "عملك يرتد على رأسك" (عو 15). هذا القانون يخضع له الجميع، كقول الرب نفسه: "بالكيل الذي به تكيلون يُكال لكم" (مت 7: 2). أخيرًا يقول لكتاب: "وأتوا به إلى أورشليم فمات هناك" [7]. فإن كانت "أورشليم" تعني "رؤية السلام"، فلا يمكن أن يحل السلام في القلب ولا أن تعاينه النفس ما لم يمت أولًا أدوني بازق، أي يضع نهاية لعدو الخير إبليس. يموت إبليس فتحيا النفس في سلام مع خالقها مع إخوتها وبقية الخليقة بل وحتى مع نفسها، إذ تمتلئ بالسلام الروحي الداخلي. أورشليم التي هي رمز لسلام النفس مع الله وتمتعها بالحياة، هي بعينها موت لإبليس وهلاك للخطية. لقد أتوا بالعدو من بازق إلى أورشليم، أي من "المبرق" أو من خداعاته التي تجعله يبرق كملاك من نور ليموت في المدينة التي يحل الرب فيها بسلامه. هذا وإن "بازق" هي "خربة بزقة"، وهي مدينة في وسط فلسطين، تبعد حوالي 13 ميلًا شرقي شكيم |
|