كل الأشياء تعمل معاّ للخير

Haia · رقم المشاركة : ( 1 ) 25 - 06 - 2012, 03:39 PM

«كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله» (رو8: 28)
للأب متى المسكين
«تعمل معاً» συνεργεῖ
بمعنى أن الشيء وحده يبدو سيئاً وغير مفهوم بسبب قسوته وغرابته. ولكن حينما يُضاف إلى عملٍ أو شيءٍ آخر أتى أو سيأتي، فإنه يعمل معه عملاً منسجماً للخير أو للصالح εἰς ἀγαθόν
وهذه الآية تُعتبر في جملتها قمة أو خلاصة خبرة القديسين على الأرض!
وهي كحقيقة ثابتة تُعتبر سرَّ الحكمة المنفتح على كنوز الله. فالحياة على الأرض بالنسبة للذين آمنوا بالمسيح ونالوا الفداء هي لغز محيِّر. فالعالم من وراء يضطهد ولا يرحم، والرجاء من الأمام يبشِّر بالخيرات المنتظرة. هذا التوتر الشديد الذي يعانيه السائرون على طريق الخلاص، لا يحلُّ لغزه إلا هذه الآية: «كل الأشياء تعمل معاً للخير».
من هذه الآية يخرج نغم سماوي يُطبِّع الأنين على الأرض بكل صوره على مشيئة الله وقصده!! وكأنما كل شيء لا يعمل من ذاته حتى وإن كان يعمل معاكساً، بل يسير في مسار «حسب قصد الذي يعمل كل شيء حسب رأي مشيئته» (أف1: 11).
انظر إلى ما داخل تركيب جسد الإنسان، وأنت تُذهل من انسجام عمل الأعضاء وآلاف التفاعلات وملايين الخلايا معاً بانسجام يفوق العقل، دون أن يعرف أيُّ عضو ما يعمله العضو الآخر، ولا تعرف أية خلية مدى صلتها بالخلايا الأخرى. ولكن الكل يعمل تحت تكتيك، أي فنٍّ هندسي، بعقل واحد غير منظور. ثم انظر إلى أجزاء العالم من سماء وأرض وشمس وقمر ونجوم وجاذبية وضغوط وهواء وحرارة ورطوبة، وأحياء بالملايين تعيش في جميع أركان العالم في السماء والأرض، والكل يسير سيراً رتيباً، ولا تسمع ولا ترى إلا المُحصِّلة البديعة: الحياة تسير آلاف السنين!!
إن سرَّ هذه الآية يتوقَّف على مدى انسجام الإنسان مع تدبير الله وخضوعه تحت مقصده، لأنه يدخل بالضرورة في مسار المشيئة المقدسة ونتائجها. لذلك فإن مفتاح هذه الآية هي كلمة: «يحبون الله»، بمعنى: السائرين وِفْقَ مسرَّته.
علماً بأن الذي يُفسد تدبير الله ويُعطِّل عمل غايته وتكميله للإنسان هو التذمر، فحينما يتذمَّر الإنسان على واقعه أو نصيبه حينئذ يتوقف التدبير الإلهي، ولا يكون مفر أمام عمل غاية الله بالنسبة لذلك الإنسان، إلا أن يبقى فيما هو فيه، مما يشتكي منه، ويبقى ثم يبقى إلى أن يبلغ الحد الذي تنتهي عنده التجربة، وهو الانتباه وإدراك مقاصد الله للخير بالشكر والرضى، وحينئذ يُرفع إلى ما بعدها...
لذلك أصبح الشرط هنا أكثر أهمية وأكثر خطورة، أن الأشياء تعمل معاً للخير - إنما فقط - للذين يحبون الله، بمعنى للذين أسلموا حياتهم لحبه وفي حبه من كل القلب والفكر والنفس والقدرة، وبالتالي ارتفع من قاموس حياتهم وفكرهم وضميرهم ولسانهم كلمة التذمُّر.
الأب متى المسكين، شرح رسالة رومية ص 401- 404