![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
حزقيال ومن هو !! ؟ ![]() الاسم حزقيال معناه « الرب يقوى » ، وقد كان كاهناً من سبط لاوى ، ويعد من أعظم الأنبياء الذين ظهروا فى العهد القديم ، وقد دعى للنبوة فى السنة الثلاثين ، ويعتقد البعض أن هذا التاريخ إشارة إلى السنة التى قام فيها نبو بولاصر بتحرير بابل من سلطان آشور ، أى أنها محسوبة من تاريخ تحرير بابل .. وإن كان آخرون يعتقدون أنها السنة الثلاثون من حياته ، باعتبار أن الكاهن يبدأ عمله فى الثلاثين من عمره ، وعلى أية حال ، فمن المرجح أنه بدأ النبوة عام 395 ق.م. إذ أنه كان واحداً من المسبيين الذين سبوا مع الملك يهوياكين عام 895 ق . م. وربما كان فى الخامسة والعشرين من عمره فى ذلك الوقت ، ... ولعله من اللازم أن نشير إلى الأحداث التى أحاطت به فى ذلك التاريخ ، وهذا يقتضينا العودة إلى الوراء قليلا إلى أيام يهوياقيم الملك الذى عمل الشر فى عينى الرب ، فأنهض عليه نبوخذ ناصر ملك بابل ، الذى استعبده ثلاث سنوات ، وإذ حاول التمرد أرسل إليه الغزاة التابعين له لتحطيمه وإذلاله،... فمات وملك ابنه يهوياكين عوضاً عنه ، وسار فى طريق الشر كما سار أبوه، غير أنه لم يبق فى ملكه أكثر من ثلاثة أشهر ، إذ صعد نبوخذ ناصر إلى أورشليم، وسبى الملك ، ومعه حزقيال ، وأفضل الناس فى الأمة ، وكان فى ذلك الوقت يبنى بابل ، ويسخر فى بنائها أفضل الصناع والعمال ، .. وقد بقى يهوياكين سجيناً ستة وثلاثين عاماً طوال حكم نبوخذ ناصر ، حتى جاء أويل مرودخ فأخرجه من السجن وكلمه بخير وجعل كرسيه فوق كراسى الملوك الذين معه فى بابل ... ووفى خلال هذه الفترة تمرد الملك صدقيا على نبوخذ ناصر ، فعاد إلى أورشليم وخربها ودمر الهيكل ، بعد أحد عشر عاماً من غزوها السابق حوالى 587 ق.م. . ولعله من الازم أن نعرف أن حزقيال ، وإن كان قد ذهب إلى السبى ، لكن رسالته ونبوته كانت لإسرائيل كله ، والشطر الأول من النبوة يتجه فى أغلبه ، حتى الأصحاح الرابع والعشرين ، إلى التهديد والوعيد ، قبل أن تدمر أورشليم والهيكل التدمير الرهيب وتأتى أفواج أخرى من المسبيين إلى بابل ، واتسمت النبوة فى الشطر الثانى ، إلى آخر الأصحاح الثامن والأربعين ، بالرجاء والأمل لشعب مسحوق ، طحنه الغزو ، وسيبقى فى أسره المدة سبعين سنة كاملة ، وأغلب الظن أن حزقيال عاش النصف الأول من هذه المدة ، كالراعى الذى يخدم بين البؤساء والمطحونين والمعذبين ، بما تحفل به حياتهم من الضياع والقسوة واللامبالاة والأنانية وفقدان الرؤية والانتهازية واليأس ، فإذا جاز لنا أن نتصور الشعوب المغلوبة على أمرها فى أعقاب الحروب ، وقد قسا عليها الاستعباد والجوع والعرى والحاجة والألم والتشـــــريد ، فلنا أن نتصور حزقيال بين المسبيين ، ورسالته بينهم !! ... كان ولا شك ، محباً عظيماً لشعبه ومواطنيه وبلاده ، وكانت آلامهم آلامه ، وعذاباتهم تملأ قلبه ومشاعره ، وكان صورة للراعى المحب الذى قال له الرب : « يا ابن آدم ها أنذا آخذ عنك شهوة عينيك بضربة فلا تنح ولا تبك ولا تنزل دموعك، تنهد ساكناً . لا تعمل مناحة على أموات . لف عصابتك عليك واجعل نعليك فى رجليك ولا تغط شاربيك ولا تأكل من خبز الناس . فكلمت الشعب صباحاً وماتت زوجتى مساء . وفعلت فى الغد كما أمرت » " حز 24 : 15 - 18 "... كانت وفاة زوجته الفجائية آية ومثلا لبنى إسرائيل ، وإذ توفيت ، ذهب إلى رسالته بقلب مكسور ، ولكن بغرض غير مكسور ، ... كان أشبه من هذا الجانب بوليم الصامت الذى لا يتكلم ، ولكنه أحب هولندا وآلامها حباً يفوق الوصف ، وجاء عنه : « لقد سار فى الحياة يحمل آلام شعبه على كتفيه بوجه مبتسم ، كان اسمهم آخر ما تردد على شفتيه ، وقد أسلم نفسه ، فى ضجعة الموت فى يقين الجندى الذي عاش من أجل البر طوال حياته ، بين يدى قائده الأعظم المسيح ، وكان الشعب متحمساً ووفياً له إذ وثق به ودعاه الأب وليم ، ولم تستطع كل غيوم الدسائس التى تجمعت ، أن تطفىء من عيونهم بريق الثقة فى عقله الرفيع ، إذ كانوا يتطلعون إليه فى أحلك المآسى والليالى ، ولقد كان طوال حياته النجم الهادى لأمة شجاعة ، وعندما مات كان الأطفال يصرخون فى الشوارع » ... على أن حزقيال لم ينس قط أن السبى لشعبه وأمته جاء نتيجة الشر والخطية ، وقد ظهرت هذه الخطية واضحة فى حياة المسبيين ، التى امتلأت بالشرور ، كما أشرنا ، أو كما وصفهم اللّه له ، قائلا : « يا ابن آدم إنا مرسلك إلى بنى إسرائيل إلى إمة متمردة قد تمردت علىّ . هم وآباؤهم عصوا على إلى ذات هذا اليوم والبنون القساة الوجوه والصلاب القلوب أنا مرسلك إليهم ... لأنهم قريس وسلاء لديك وأنت ساكن بين العقارب . من كلامهم لا تخف ومن وجوهم لا ترتعب لأنهم بيت متمرد » " حز 2 : 3 و 4 و 6 " وما أقسى أن يخدم إنسان بين جماعات القريس ، والسلاء ، والعقارب ، فالقريس هو ذلك العشب البرى الخشن الذى ينبت مكان الأزهار والأشجار المثمرة ، أو هو الحقل المجدب الذى لا ثمر فيه أو إنتاج ... وهو ، أكثر من ذلك ، الحقل الممتلئ بالأشواك ، .« والسلاء » الحقل الذى لا يصلح فيه الكفاح العادى بل يحتاج إلى المزيد من الجهد والعرق والتعب ، ... وإلى جانب هذا كله هو الحقل المؤذى « وأنت ساكن بين العقارب » وهنا الخطر ، بل الطامة الكبرى ... ويمكن أن نتصور هذا كله فى كنيسة ما ، تمتلئ بالقريس أو بمن لا يعملون ، وإذا كان لهم من عمل فهم سلاء لا هم لهم إلا زرع الأشواك والمتاعب ، ويتحولون مع الأيام ، يدرون أو لا يدرون ، إلى عقارب تلذع وتضر !! . كان حزقيال محباً عظيماً ، لكنه فى الوقت نفسه ، مع جماعات كهذه الجماعات ، لم يكن قصبة تهزها الريح ، بل كان صلباً فولاذياً يواجه صلابتهم وشدتهم ، ولا شبهة فى أنه كان يملك إرادة جديدية ، وشجاعة خارقة لا تنحنى أو تنثنى ، وقد صنعه اللّّه هكذا : « ها أنذا قد جعلت وجهك صلباً مثل وجوههم ، وجبهتك صلبة مثل جباههم . قد جعلتك جبهتك كالماس أصلب من الصوان فلا تخفهم ولا ترتعب من وجوههم لأنهم بيت متمرد » " حز 3 : 8 و 9 " .. وكان حزقيال أيضاً بليغاً فصيح البيان ، ومع أن رسالته كانت فى مطلعها كالسوط اللاذع ، إلا أنها بعد دمار أورشليم ، اتسمت بالرجاء والأمل ، واكتسبت حلاوة وجاذبية ، أسرت آذان السامعين، وإن كانت أبعد من أن تمتلك قلوبهم التى شغلت بحب المكسب ، شأن اليهود إلى اليوم فى العالم كله : « ويأتون إليك كما يأتى الشعب ويجلسون أمامك كشعبى ويسمعون كلامك ولا يعملون به لأنهم بأفواههم يظهرون أشواقاً وقلبهم ذاهب وراء كسبهم . وها إنت لهم كشعر أشواق الجميل الصوت يحسن العزف فيسمعون كلامك ولا يعملون به . وإذا جاء هذا . لأنه يأتى . فيعلمون أن نبياً كان فى وسطهم » " حز 33 : 31 - 33 " !! .. ومن الواضح أن حزقيال أيضاً كان الرجل الواسع الخيال ، القادر على استخدام المجاز والرموز والأمثال فى تأدية رسالته ، وقد وصفه جورج ماثيسون قائلا : « لكى تفهم إنساناً ، إعرف مثله العليا بين الناس » . وقد كان أبطال حزقيال فى نظره نوحا وأيوب ودانيال وهؤلاء الثلاثة فقدوا عالمهم ، ولكن نوحاً أوجد عالماً جديداً ، ورأى أيوب اللّه فى العاصفة ، وصنع دانيال أشياء عظيمة لمواطنيه فى مكانه الجديد ... وكان حزقيال مسبيا ولكنه فى السبى كان قوة هائلة رافعة لمواطنيه المسبيين !! .. كان حزقيال رائياً عظيماً ، والحاجة ماسة لرجال الرؤى فى أوقات الظلام ، إذ أنهم يستطيعون اختراق الحجب ، واكتشاف مالا يستطاع اكتشافه ، وقد استطاع حزقيال تقوية موطنيه ببعث روح الرجاء والأمل فيهم ... كان الرجل قريباً من اللّه ، وكانت عليه يد الرب ، وقد أسمعه الرب ما لم يستطيع غيره أن يسمعه ، إذ أن أذنه كانت أرهف وأرق وأقوى سمعاً وقد كشف له الرب ما لم تستطع عيون الآخرين رؤياه ، ومثل هؤلاء الرجال قوة هائلة فى لحظات المحن والمآسى والدموع . كان حزقيال فى جوهر رسالته رقيب الأمة ومرشدها ، وكان لباب حديثه على الدوام: التوبة : « من أجل ذلك أقضى عليكم يا بيت إسرائيل كل واحد كطرقه يقول السيد الرب . توبوا وارجعو عن كل معاصيكم ولا يكون لكم الإثم مهلكة . إطرحوا عنكم كل معاصيكم التى عصيتم بها ، واعملوا لأنفسكم قلباً جديداً وروحاً جديدة ، فلماذا تموتون يابيت إسرائىل ؟ لأنى لا أسر بموت من يموت يقول السيد الرب . فارجعوا واحيوا » "حز 18 : 30 – 32 " . حزقيال والفكر اللاهوتى فى سفره ومع أنه ليس من السهل الإلمام بسفر حزقيال فى سرعة وعجالة ، إلا أنه يحسن أن نمر بأهم أصحاحاته مروراً سريعاً ، والسفر على الأغلب ينقسم إلى جزءين : أولهما قبل خراب أورشليم وتدميرها ، والثانى بعد هذا الخراب ، وكان القصد من الجزء الأول كشف الخطية ، والتنبيه إلى عقابها الرهيب ، وإذا لم يتب الشعب ويرجع إلى اللّه،... ولما لم تحدث التوبة ، ووقعت الواقعة الرهيبة ، وسوى نبوخذ ناصر أورشليم بالأرض التى أقيمت عليها ، وحولها إلى أنقاض وخرائب ، ودمر الهيكل تدميراً تاماً ، إذل الشعب إذلالا رهيباً ، وعلق المسبيون أعوادهم على الصفصاف فى بابل ، وانقطع بينهم شدو الأغنية ، واستبد بهم الحزن واليأس العميق ، كان على حزقيال ، كما سنرى، ان يخرجهم من بالوعة اليأس التى طوتهم ، ويقيمهم على أقدامهم ليتطلعوا ، فى أعماق الليلى ، إلى النجم الذى يلمع بالرجاء فى وسط ماسيهم وأحزانهم !! ... |
![]() |
|