![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
![]() ![]() بينما كان البارّ نيفن، أسقف كوستانديا، يصلّي رافعاً بصره إلى السماء، سطع أمامه نورٌ إلهيّ رافقه ظهور ملاك بحلّةٍ بيضاء يرتدي زيّ شمّاس ، ويمسك مبخرةً يبخّر بها السماء أوّلاً ثمّ البارّ. فجأةً، انفتحتْ أبواب السماء، وملائكة الله كانوا يصعدون وينزلون كالنحلات، ينقلون نفوس البشر الأموات، بينما كانت الأرواح الشرّيرة تجاهد لتخطفها وترميها إلى الأسفل ، لكنّ الملائكة كانت تتصدّى لها وتجلدها منقذةً النفوس منها. في إحدى اللحظات، رآها القدّيس تُصعِد نفساً إلى السماء، وعند وصولها إلى مركز محاسبة الفساد الأخلاقي . اهتاج رئيس المركز وصار يزمجر صارخاً: - بأي حقّ تأخذون أنتم هذه النفس التي تخصّنا؟ أجابته الملائكة: - أظهِرْ لنا أيّ سلطةٍ لك على هذا الإنسان؟ حينئذ قال الشيطان: - لقد كان، حتّى يوم وفاته يتمرّغ، بكامل إرادته، في أنواع الفجور كافة. ليس هذا فقط، ولكنّه كان يتّهم الآخرين. فأيّ خطايا أعظم من هذه تريدون؟ وافقته الملائكة قائلة: - نعم، لقد كان عالقاً في شرك هذه الأهواء، لكنّه أقلع عنها قبل أن يموت. جأر الشيطان: - كلا، ليس الأمر كما تقولون. لقد استمرّ حتّى آخر نسمةٍ من حياته يخالف الشرائع ولم يعترف بخطاياه البتة . لقد كان لنا وما يزال. عندئذ قال أحد الملائكة: - طبعاً لا يمكننا تصديقك، لأنّك غارق كلّيّاً بالكذب. لنستدعِ ملاكه وهو سيخبرنا بالحقيقة كاملة. استُدعي الملاك، الذي كان ما يزال يحرس جسد الميت حتّى دفنه. وعندما حضر سألوه: - قل لنا، أيّها الأخ، هل ندِمتْ هذه النفس على خطاياها أم ماتتْ وهي فيها؟ أخبرنا الحقيقة كلّها. أجاب الملاك: - أنا لست إنساناً، ولا روحاً نجساً لكي أكذب، لكنّني أؤكّد لكم أمام الله أنّه منذ اللحظة التي أُصيب فيها بالمرض، وحتّى قبل أن يثقل عليه، افتكر بالموت، وصار يبكي ويعترف بخاطاياه أمام الله، ويرفع يديه نحو العليّ طالباً الرحمة. فإن أراد الله أن يسامحه أم لا، فالمجد لحكمه العادل. عندما سمع الملائكة هذا القول هزئوا بالشيطان. وهكذا تحرّرت النفس المتواضعة من فخّ أعدائها. بعد قليل، رأى القدّيس نفساً أخرى تُنقل إلى السماء، تخصّ إنساناً مجدِّفاً وقاسياً. وكانت الشياطين تلومه مذكّرَةً إيّاه بكلماته غير اللائقة التي كان يستعملها مع الناس واحدةً واحدة، عندما كان على قيد الحياة. وكانت الملائكة تردّ بأنّ لديه بعض المبررات للخلاص. مثلاً: بينما كان يفتكر بأن يقوم بعمل سيّئ، كان في كثير من الأحيان، يندم للحال لائماً ومعنِّفاً نفسه. وكثيراً ما كان يتنهّد بمرارة، وأحياناً كان يبكي. ومن حينٍ لآخر كان يتصدّق بالقليل على الفقراء. أخذت ملائكة النور هذه الأمور بعين الاعتبار، واعتبرت أنّ الله سوف يرحم هذه النفس. ولكنّ الشياطين ثارت وقالت: - هذا، في شبابه، كان يقوم بأعمال لا تليق بمسيحي: يلطّخ نفسه بخطايا مختلفة ، ولا سيما سدومية، أين سنصنِّف كلماته البذيئة وغضبه؟ والأسوأ من هذا أنّه ارتكب القتل أيضاً. فإن كان هذا سيخلُص، فخذوا العالم كلّه وخطأة الأرض جميعاً وخلّصوهم مجاناً. لماذا نتعب نحن باطلاً ونضطرب! أجابت الملائكة: - فكِّروا، أيّها الأشقياء، بأنّه امتنع عن خطايا شبابه كلّها، وأنّ الله قد سامحه. وحين كان يقوم بعمل سيّئ في وقتٍ ما، كان يمحوه بالتوبة. ماذا تريدون إذاً أيّها الوحوش البرّية؟ أن تُدان هذه النفس؟ هذا مستحيل طالما أنّ كلّ ما يقترفه البشر ثمّ يعترفون به بدموع وتواضع ولا يعودون إليه يغفره الله لهم. إنّ الديّان العادل يجازي، فقط، على الخطايا التي يأخذونها معهم. وهكذا، غلبت الملائكةُ أرواحَ الشرّ وولجت في باب السماء، وتحرّرت جبلة الله هذه أيضاً من براثن الشياطين، وذاك الذي ينقذ التائبين منَحَها الخلاص. رأى المغبوط، أيضاً، نفساً أخرى يُصعِدونها إلى السماء، كانت تقيّة جداً وخائفةً الله، وأمضت حياتها بالطهارة والحشمة وممارسة الصدقات. وكانت تُظهر المحبّة للجميع. كانت تنانين الهواء تهدِّدها وهي تصرّ بأسنانها، والمسكينة، وهي خائفة من وحشيّتهم، منكمشة على نفسها، في أحضان الملائكة. بينما الملائكة التي كانت نازلةً لتجلب نفوساً أخرى تمنحها الشجاعة. عندما صعدت تلك النفس القدّيسة إلى السماء، اجتمع حشد من الأرواح البارّة حولها، مبتهجة وقائلة: - المجد لله الذي خلّص هذه النفس من التنّين المخيف. بعد قليل، رأى البارّ نيفُن الشياطين، مرّة ثانية، وهي تجرّ نفساً إلى أسافل الأرض. وكانت نفسَ عبدٍ شنق نفسه، وخلْفه ملاكه ينوح بمرارةٍ لهلاكه، قائلاً وقد اغرورقت عيناه بالدموع: - آه، من هؤلاء الشياطين الأشرار، الذين يدفعون البشر لارتكاب هذا الكَمّ من الشرور! فها هو سيّد هذا العبد بطاعته إيّاهم كان يثور ويضربه بوحشيّة ويتركه يموت من الجوع. الأمر الذي أوقع البائس في اليأس فأخذ الحبل وشنق نفسه مقدِّماً ذاته بالكليّة ذبيحةً للشيطان. آه، الويل! لقد انتزع منّي التنّينُ القذرُ هذا الذي عَهَد القديرُ إليّ بحمايته بعد معموديّته، وابتلعه! كم أنا متأسف وحزين ومتمرمر، كيف سأمْثُلُ أمام إلهي؟ وكيف سأواجه خالقي، بعد خسارتي لهذه النفس؟ بينما كان الملاك يقول هذا بألم، ظهر له ملاك آخر من السماء، وقال له: - يأمرك أبونا ربّ الصباؤوت: "أن تذهب إلى روما حيث يُعمَّد في هذه الساعة ابن أحد الجنود، استلِمْه واحرسْهُ. وأنا سوف أُعاقب سيّد هذا العبد وسأُعلِّمه ألاّ يغضب وألاّ يضرب عبيده ويتركهم يجوعون حتّى الموت". قال الملاك، المرسَلُ من قِبَل الله، هذا، وصعد إلى السماء، فيما انطلق الآخر إلى روما حسب الأمر الإلهي بعد قليل رأى البارّ ملاكاً نازلاً يحمل سيفاً مخيفاً. في تلك اللحظة كان أحد المرابين القساة يعاني سكرات الموت ويتعذّب كثيراً. فجاء ملاك الله ووقف عند سريره شاخصاً نحو السماء، وكأنّه ينتظر شيئاً ما. وبالفعل سُمع صوتٌ من السماء: - اضربْ ضدّ المسيح هذا بسرعة، وافصلْ نفسه الضّالة من رباط الجسد. هذا القاسي القلب لم يعمل مشيئتي البتّة طوال حياته. اضربه كي لا يعود ويخنق الفقراء بالفوائد التي يضيفها على ذَهَبِه. سمع الملاك الصوت، وللحال ضرب المرابي الشقيّ ضربةً قاتلة، فلفظ أنفاسه للحال وهو يصرّ بأسنانه ويجأر من أعماق نفسه. شعر البارّ نيفن بحزنٍ لا يوصف على مصير الخطأة، ومجّد حكم الله العادل. |
|