ما علاقة العذراء بالعلّيقة ؟

من الرموز العميقة والرائعة التي وردت في العهد القديم كاشارة الى العذراء مريم والى دورها في سرّ التدبير الخلاصي، هي العُلّيقة التي رآها موسى النبي لمّا كان يرعى قطيع الغنم في البرّية، عندما استرعى انتباهه شجرة علّيق في المكان، كانت النار في وسطها ولكنها لم تكن تحترق! فكلّمه الله من خلالها وأرسله الى فرعون من أجل خلاص شعبه (راجع سفر الخروج فصل 3).
وقد وجدَ الآباء القديسون الملهمون من الله في هذه الحادثة اشارة مُسبقة ورمزاً واضحاً الى سرّ تجسُّد الاله،الكلمة الأزلي من أحشاء البتول القديسة مريم في ملء الزمان، حيث حلّت في أحشائها النقية نار الألوهية الفائقة الجوهر، دون أن تُحرقها أو تؤذيها، لأن الكلمة الأزليّ حلّ في بطنها حلولاً أقنومياً (شخصانياً)، وبمسرّة الآب وقوّة الروح القدس وتظليله لها، نسجَ الابنُ لذاته من دمائها الطاهرة لحماً ودماً، متَّخذاً الطبيعة البشرية كاملة، صائراً انساناً مثلنا في كل شيء ما خلا الخطيئة. وتزخَر الصلوات الأرثوذكسية جداً بالاشارة الى هذا الأمر، خصوصاً قانون المدائح للسيدة، نذكر منها على سبيل المثال: " أيتها البتول القديسة البريئة من الفساد، انّ موسى أدرك في العُلّيقة سرّ مولدكِ العظيم..." (الأوذية الثامنة) "افرحي يا عُلّيقة غير محترقة..." (الأوذية السادسة).
الأيقونة المرفقة هي من دير القديس سابا، وتمثّل حلول النار في العلّيقة دون أن تحترق، وتظهر العذراء تحمل المسيح في أحشائها في وسط العلّيقة، مشيرة الى العلاقة بين الرمز واكتمال تحقيقة عبر التجسّد الالهي، ويظهر ملاك الرب مخاطباً موسى من خلالها، وهو يخلع نعليه من رجلية احتراما لقدسية المكان كما أمره الرب، ونراه يحني رأسه توقيراً، ويحجُب وجهه بيده خوفاً واجلالاً لرهبة الرؤيا الماثلة أمامه.