تقولون أن اصلاح الخاطي ليس هو الغاية الأصلية من قصاصة؟
توهم البعض أن غاية قصاص الخاطئ إنما هي إصلاحه بدليل أن الوالد يؤدب ابنه لخيره والآب السماوي يضرب أبناءه بعصا التأديب لبنيانهم . قلنا هذا تأديب لا قصاص لأن القصاص هو نقمة لإستيفاء العدل حقه ، فهما متباينان في الغاية ، والأدلة على ذلك :
1- أن قصاص الأشرار نتيجة غضب الله على ما في الكتاب المقدس وتأديب شعبه نتيجة محبته . فبين الأمرين فرق ظاهر لأن الأشرار يقاصهم الله ليظهر عدم رضاه بهم ويستوفي عدله حقه ، وأما الأبرار فيؤدبهم ليقربهم إليه .
2- نتيجةالقصاص تبين أن الغاية فيه ليست خير المذنب . فالطوفان وإنقلاب سدوم وعمورة وخراب أورشليم لم تكن نتائجها لإفادة الذين هلكوا ذلك الهلاك الذريع ، ومثله عقاب الملائكة الساقطين وغير التائبين من البشر ، وذلك واضح كل الوضوح في التبيان .
3- إن الكتاب المقدس والاختيار كليهما يعلماننا أن آلام القصاص لا تحد بذاتها إصلاحاً إلا إذا رأى المتألم أن الله يرسلها كأب لإظهار محبته ، فيكون لها حينئذ قوة لإصلاحه وتقديسه ، ولكن إذا رأى أن الله يرسلها كديان ومنتقم ، وهي علامة الغضب والإنفصال عنه تعالى ، فيقسو قلبه ويزيد تمرداً أو طغياناً . ومن ذلك قول بولس أن الناس ما داموا في الجسد وتحت الدينونة يثمرون أثماراً للخطية لا لله ، حتى يتصالحوا معه ويتأكدوا محبته . وكذلك قول يوحنا في رؤياه أن الأشرار يعضون ألسنتهم من الوجع ويجدفون على إله السماء ولا يتوبون عن أعمالهم .
4- وجدان البشر هو أعظم بينة على أن غاية القصاص إنما هي عقاب المذنب وضرره لا خيره ونفعه . فإن الناس قد أجمعوا على الإنتقام من الأشرار وما غاية الإنتقام خيراً . نعم طباعنا لغلاظتها لا تنتبه إلى ما تستحقه شرور الأثمة ما دامت قليلة الضرر ، ولكن إذا فظعت فواحشهم استيقظت تلك الطباع من غفلتها وصرخت طالبة قصاص المذنب ، وذلك ليس لخيره ولا لنفعه بل للإنتقام منه .