![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
طبيعة القداسة ![]() نميز في القداسة بين وجهين متكاملين. الوجه الأول: عمل الله القدوس في الكيان الإنساني? والوجه الثاني: تجاوب الإنسان مع هذا العمل التقديسي المهم - ونسمي الوجه الأول القداسة الكيانية والوجه الثاني القداسة الأدبية. آ- القداسة الكيانية ما هو مفهوم قداسة الكيان الإنساني؟ هل يعني أنه يمكن تبديل الكيان، كأن ينتقل الإنسان من كيان بشري إلى كيان ملائكي أو إلهي؟! كلا ! لا يمكن ذلك ! هل يمكن أن يقال أن الروح القدس هو نفسه يصبح في الإنسان "روح روحه"؟! كلا. إذاً ماذا تعني قداسة الكيان الإنساني؟!? إليكم بعض الاستنتاجات:
فالحياة الجديدة تنساب إلى النفس الذاتية (روما 6/4)، فتتحد مع المسيح وتصير على مثاله في موتٍ شبيه بموته، وبقيامة شبيهة بقيامته (روما 6/5-11)?و الإنسان المولود من الله، يحمل في شخصه زرع الله" (1 يوحنا 3/9). والمعمدون هم مولودون من جديد، من جرم غير فاسد من كلمة الله الحي والأبدي (1 بطرس 1/23)? هذا الزرع الإلهي يسير طريقه فيما تتفجر حيويته الذاتية في قلب الإنسان. فالحياة التي تغلي في عمق أعماق الكيان، لا يمكن إلا أن تتوافر فيه فتعطي أنواعاً عديدة من الأعمال الصالحة، وتنمي في الإنسان معرفة الله" (قولوسي 1/10). روح الله إلهنا (1 قور 6/11)، الذي يحتجب في أعماق كل المقدَّسين، يدفع بالنفس إلى أبعد ? وبما أن الروح يسكن في داخلهم (روما 8/9)، فإنه ينفحهم ويُنعشهم (روما 8/14)، ويدلهم إلى الغاية التي إليها يتوقون. (غلاطية 5/18) هذه الغاية لا يعرفونها بعد، إنما لهم عنها وعود من قِبَل المسيح بالذات، ولهم بين إخوتهم نماذج عاشوا القداسة قبلهم ثم انتقلوا إلى الضفة الأخرى من الحياة في الله، وهم ما يزالون يثبّتون الكنيسة في القداسة. "ففيهم، كما يقول المجمع، يُظهر الله للناس في ضياء ساطع، سرَّ حضوره ووجَهَه? وبهم يكلمنا الله نفسه، ويُرينا آية لملكوته، ويجذبنا إليه بشدة، بقوة تلك السحابة من الشهود التي تحيق بنا"(عبرا 12/1). هذا ولن ننسى إخوتنا في الكنيسة المجاهدة، وكل الناس الطيبين? وجودهم، أفكارهم، أعمالهم، أنينهم، رجاؤهم، كل ذلك يشجعنا ويشدنا إلى أن نرتوي من ماوية جسد المسيح السري? ولا بد أننا اختبرنا يوماً كيف نحن محاطون بصلوات إخواننا القديسين (أحياءً و أمواتاً)، وأن مفعول هذه الصلوات يصل إلينا بنعمة الرب القدوسة ? التي لولاها لما كنا صمدنا في أزمة معيّنة أو لما كنا استطعنا أن نعود بالاهتداء أو التوبة إلى مسار جديد على طريق الإيمان والمودة الإلهية. ب - القداسة الأدبية يُعبِّر المسيحي عن حياته الداخلية ويعكسها في حياته الواقعية حيث يسير بالتطابق مع الروح القدس الذي يحيا فيه ويُحييه (غلاطية 5/25)، ويجعله مشعِّاً بنور فائق الطبيعة، كما يليق بأبناء النور" (أفسس 5/8). بيد أنّ ميدان الحياة الأدبية مليء بالصراع، صراع داخلي ما بين الروح والجسد? وقد عبّر بولس الرسول عنه جلياً في الرسالة إلى أهل غلاطية عَبْر هذا المقطع الشهير: "الجسد يشتهي ما يخالف الروح، والروح يشتهي ما يخالف الجسد: كلاهما يقاوم الآخر حتى أنكم تعملون ما لا تريدون. ولكن إذا كان الروح يقودكم (الروح القدس) فلستم بحكم الشريعة". "وأمّا أعمال الجسد فإنها ظاهرة، وهي الدعارة والزنى والفجور وعبادة الأوثان والسحر والعداوات والخصام والحسد والسُخْط والمنازعات والشِقاق والتشيّع والحسد والسُكْر والقصْف وما أشبه? أنبّهكم كما نبّهتكم من قبل، أن الذين يعملون مثل هذه الأعمال لا يرثون ملكوت الله. أمّا ثمر الروح فهو المحبة والفرح والسلام والصبر واللطف وكَرَم الأخلاق والإيمان والوداعة والعفاف. وهذه الأشياء ما من شريعة تتعّرض لها. إن الذين هم للمسيح يسوع قد صلبوا الجسد وما فيه من أهواء وشهوات". يبدو واضحاً من هذا النص، أن طريق القداسة يمر بأعمال الروح ? وهنا لا بد من التساؤل عن أي روح يتكلم النص ? هل عن روح الإنسان، أم عن روح الله، الروح القدس؟!? إنه يتكلم تارة عن روح الإنسان وتارة عن روح الله ? فروح الله أُعطي للإنسان لكي تتم الملاءمة بين الروحين، فيعملا معاً عمل الله. فالقداسة هي الطريقة التي نعيش فيها روحية التبني الإلهي ? وكلمة "التبني" هي للتعبير بصيغة قانونية عن حالة البنوّة الإنسانية في الله، والتي تميزها عن بنوة ابن الله الوحيد يسوع المسيح. إنها تريد أن تُفصح عن حقيقة راهنة في الدين المسيحي وهي أن المؤمن المسيحي، وإن لم يكن مساوياً لابن الله في الطبيعة، فإن باستطاعته أن يعمل أعمال الله? وهذه ميزة تضاف إلى الميزات الإنسانية الأخرى كالفكر والمحبة وتزيدنا تبحّراً في سر الإنسان بالذات: "ما الإنسان حتى تذكره، وابن البشر حتى تفتقده، نقصتة عن الملائكة قليلاً، وكللته بالمجد والكرامة".(مزمور 8) التبني الإلهي هو الذي يكّون فينا المجد والكرامة، وهو الذي يجعلنا نسمي الله أبانا الإلهي? "أيها الآب إذ لا يزال الروح يشهد مع أرواحنا أننا أبناء الله" (روما 8/15). وهذه القداسة تسهم في المجتمع الأرضي بالذات، وفي أن تزيد أوضاع الوجود إنسانية? وإنه لمن الواضح أنه إذا كانت المحبة جِدّية، وإذا كانت الأخلاق سائرة بقوة الروح حسب تعاليم العظة على الجبل، فإن الناس يصلون بسرعة إلى نوعية حياة أكثر إنسانية. فالنضوج الإنساني ليس من عمل الإنسان وحده، إنه أصلاً من عمل الروح? إذ لا نضوج من دون المحبة، والحال "إن محبة الله أُفيضت في قلوبنا بالروح القدس الذي وُهب لنا" (روما 5/5). وحدها المحبة تقيس الإنسان تجاه ذاته وتجاه الآخرين، وتُريه مكانته عند الله. "تُقيس دون أن تُقيس"، لأنه كما يقول القديس يرنردوس: "مقياس المحبة أنها بلا مقياس". لكن المحبة تتجلى أكثر ما تتجلى في حمل الصليب وراء المسيح، "إذ ما من حب أعظم من أن يبذل الإنسان نفسه عن أحبائه" (يو3/16) عمل الروح إذن، يقودنا إلى التشبه بالمسيح. وفي هذا تكمن قداستنا. أن تكون حياتنا مطابقة لحياة المسيح وأخلاقنا لأخلاقه وتصرفاتنا لتصرفاته. |
|