ترجى الله

زحفت السحابة السوداء وغطت زرقة السماء واخفت ضوء النهار . تابعتها العيون ، تركزت فيها ، التصقت بها ، اسودت رؤية العيون . انتشر الظلام ، لوّن الكون بلونه ِ الاسود الكئيب ، اسودت الحياة . صاحب الظلام انقباض ٌ في القلب . حزن ٌ ثقيل ٌ واكتئاب ٌ مر المذاق . صرخ كاتب المزمور الثاني والاربعين : " لماذا أنت منحنية يا نفسي ؟ ولماذا تئنين في ؟ " لم يسحقه هجوم عدو ، لم يطعنه الم مرض ، لم تلطمه ُ تجربة قاسية . ما جعل نفسه منحية تئن هو معايرات الناس واسئلتهم : اين الهه ؟ لماذا لا يوجد بجواره ؟ لماذا لا يسنده ويعينه ؟ لماذا يتركه ؟ اصعب ما يواجهه المؤمن هو حين يتصور نفسه مهملا ً من الهه . حين يفتح عينيه وسط المعركة فيجد نفسه وحده ونظرات الشامتين حوله . كل ابطال الايمان مرت بهم اوقات ٌ اهتز ايمانهم وهم يجدون انفسهم متروكين . كم من مرة ٍ واجه موسى عصيان الشعب ورفضه اتبّاع طريق الله . كم من مرة ٍ وقف امام الله يعتذر ويتوسط ويتشفع عن الشعب صُلب الرقبة . وفي وسط معاناته وضيقه ِ ويأسه ِ وحزنه هاجمه اليأس والاكتئآب ، وطلب الانسحاب والابتعاد والتخلي عن المسؤولية الثقيلة التي يحملها وحده . ايليا المكافح القوي الذي واجه آخاب بكل جبروته وايزابل زوجته . وهو يقف وحده امام انبياء البعل ويتحداهم ويهزمهم على جبل الكرمل لكنه فجأة يهرب امام ايزابل ، ويختفي ويتراجع ويصلي طالبا ً الموت . حتى المسيح وهو في وسط آالام حمله خطايا البشرية على كتفيه ، صرخ بكل ما بقلبه من معاناة : " إِلهِي ، إِلهِي ، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي ؟ " في الجسد الانساني صرخ ، وكلنا بسبب ضعفنا الجسدي نصرخ . عندما نكون في سلام ٍ وقوة ، في صحة ٍ وعافية ، في نجاح ٍ ورفعة ، نغني اغاني التسبيح والشكر والافتخار والفخر ، أغان ٍ بهجة . لكن ما ان ينقلب الحال وتهاجمنا النكبات ، تنحني النفس وتئن . ابعد نظرك عن الغيمة السوداء ، اخترقها ، اقتحمها لترى الشمس . اطرد الظلام ، ادفعه ، ابعده ، افتح عينيك ترى النور . واجه معاييريك ، قف في وجه الشامتين بك ، تعال الى حضرة الله الحي . ترجى الله ، ترجى رحمته ، ترجى نعمته ، ترجى خلاص وجهه . هذا هو الايمان .