فلمَّا شَبِعوا مِنَ الطَّعامِ طَفِقُوا يُخَفِّفُونَ السَّفِينَةَ طارِحينَ الحِنطَةَ في البَحرِ. ولمَّا صارَ النَّهارُ لم يكونوا يَعرِفونَ الأرضَ، ولكِنَّهُمْ أبصروا خَلِيجاً له شاطئٌ، فأَجمَعوا أنْ يَدفعوا السَّفينة إلى هناك. فرفعوا المَرَاسِيَ تارِكِينَ إيَّاها في البحرِ، وحلُّوا رُبُطَ الدَّفَّةِ، ورفَعوا الشِّراع الصغير للرِّيحِ، وتوجَّهوا نحو الشَّاطئ.
فلمَّا وقعوا على موضعٍ بين بحرينِ، دفعوا السَّفينة إلى هناك، فثبت مُقدَّمها ولبِثَ لا يتحرَّكُ. وأمَّا مؤخّرها فتفكك مِن شدَّة الأمواجِ. فتشاور الجُند كي يَقتُلوا الأسرَى لئلاَّ يَسبحَ أحدٌ مِنهُمْ فيَهرُبَ. ولكِنَّ قائد المِئَةِ، إذ كان يُرِيدُ أنْ يُخلِّصَ بولس، مَنعهُمْ عن تنفيذ مشورتهم، وأمرَ أنَّ القادرينَ على السِّباحةِ يَرمونَ أنفُسهُمْ أوَّلاً إلى البحرِ ويَعومونَ إلى البرِّ، والباقونَ بَعضُهُمْ على ألواحٍ وبَعضُهُمْ على قطعٍ مِنَ السَّفينةِ. وبهذه الواسطة كانت نجاتنا جميعاً إلى البَرِّ.
ولمَّا نجونا حينئذٍ عرفنا أنَّ تِلكَ الجزيرة تُسمَى مالطة. وصنعَ لنا البرابرة في ذلك المكان إحساناً عظيماً، فإنَّهُمْ أضرموا ناراً وقَبِلوا جميعنا مِنْ أجلِ الذي أصابنا ومِنْ أجلِ البردِ.
فرجع بولس ووجدَ كثيراً مِنَ الحطبِ ووضعهُ على النَّارِ، فخرجتْ مِنَ الحرارةِ أفعَى ونشبتْ في يَدهِ. فلمَّا رأى البرابرةُ الوحشَ مُعلَّقاً بيدهِ، قال بَعضُهُمْ لبَعضٍ: " لابُدَّ أنَّ هذا الرَّجُل قاتلٌ، فإنَّهُ بعد أنْ نَجا مِنَ البحرِ لم يَدعْهُ العدلُ يَحيا ". أمَّا هو فنفضَ الوحش إلى النَّارِ ولم يَمسُّهُ أذى أمَّا هُمْ فنظروا إنَّهُ يَنشق أو يَسقُطَ للحينِ ميتاً. فلمَّا طالَ انتظارهم ورأوا أنَّهُ لم يَصبهُ ضررٌ، تَغيَّروا وقالوا: " إنَّهُ إلهٌ! ".
وكان في ذلك الموضع ضياعٌ كثيرةٌ لمُقدَّم الجزيرةِ المُسَمَّى بُوبْلِيوسُ. الذي قَبِلَنا وأضافَنا بِلُطْفٍ ثلاثةَ أيَّامٍ. وكان أبو بُوبْلِيوسَ مُلقَى مَريضاً قُدَّامهُمْ بِحُمَّى ووجع الأمعاء. فدخلَ إليهِ بولس وصلَّى، ووضعَ يديهِ عليهِ فشفاهُ. فلمَّا صارَ هذا، كان الباقونَ الذين بِهمْ أمراضٌ في الجزيرةِ يأتونَ إليه ويُشفَونَ. فأكْرَمَنا هؤلاء إكرَامَاً جزيلاً. وعند إقلاعنا زوَّدونا بما نحتاجُ إليهِ.
( لم تَزَلْ كَلِمَةُ الربِّ تَنمُو وتكثر وتَعتَز وتَثبت، في بيعة اللَّـه المُقدَّسة. آمين. )