![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
|
|
|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
![]() تَحذِيرٌ يسوع مِنَ الضَّعفِ تِجاهَ الاضطِهادِ طَلَبَ التَّلاميذُ عَلاماتٍ لِلأَزمِنَةِ النِّهائِيَّةِ، فَأَعطاهُم يَسوعُ الاضطِهادَ عَلامَةً لَهُم. وَيُحاوِلُ الكائِنُ الشِّرِّيرُ، مِن خِلالِ الاضطِهادِ، أَن يَفصِلَ الإِنسانَ البارَّ عَنِ اللهِ، لِأَنَّ البارَّ يُحِبُّ اللهَ وَهُوَ أَمِينٌ لِكَلِمَتِهِ (أَعمالُ الرُّسُلِ 7: 27)، وَلِأَنَّ الشِّرِّيرَ يَرى في البارِّ "تَوبيخًا حَيًّا" (الحِكمَةُ 2: 12-14)، وَشاهِدًا لِلهِ الَّذي يَتَجاهَلُه (الحِكمَةُ 2: 16-20). فَالشِّرِّيرُ يَستَهدِفُ اللهَ مِن خِلالِ البَارِّ الَّذي هُوَ شاهِدٌ لِمَحبَّةِ اللهِ وَرَحمَتِهِ وَنِعمَتِهِ (الحِكمَةُ 3: 7-10). ويُعَلِّقُ القِدِّيسُ يوحَنَّا الذَّهَبِيُّ الفَمِّ مُبَيِّنًا سَبَبَ ضَرَورة الاضطِهادِ: "إِنَّ اللهَ يَسمَحُ بِالاضطِهادِ لِأَنَّهُ يُظهِرُ جَواهرَ الإِيمانِ، فَمِن دونِ النَّارِ لا يَتالَّقُ الذَّهَبُ". فَالِاضطِهَادُ ـ فِي المَنظُورِ الكِتابِيِّ وَالآبَائِيِّ ـ لَيسَ دَليلًا عَلى غِيابِ الحِمَايَةِ الإِلَهِيَّةِ، بَل هُوَ مِعيارٌ لِصِدْقِ الِاتِّباعِ لِلمَسِيحِ، وَعَلامَةٌ لِلانتِماءِ إِلَيهِ (متى 5: 11-12). اِختَبَرَ شَعبُ اللهِ، عَلى طُولِ اِمتِدادِ تَاريخِهِ، الاضطِهادَ الَّذي لَم يَستَثنِ مِنهُ السَّيِّدُ المَسيحُ نَفسُهُ، إِذ جاءَ لِيُخَلِّصَ العالَمَ، وَمَعَ ذٰلِكَ قَد أَبغَضَهُ العالَمُ (يوحنّا 3: 17؛ يوحنا 15: 18). بَل بَلَغَ الاضطِهادُ الذِّروَةَ في آلامِهِ (مَتّى 23: 31-32). وَإِنَّ الرُّسُلَ أَنفُسَهُمُ الَّذينَ سَمِعوا يَسوعَ يُعلِنُ لَهُم ذٰلِكَ، نَجِدُهُم بَعدَ سَنَواتٍ قَليلَةٍ "فَرِحينَ بِأَنَّهُم وُجِدوا أَهلاً لِأَن يُهانوا مِن أَجلِ الِاسْمِ" (أَعمالُ الرُّسُلِ 5: 41). وَكَتَبَ القِدِّيسُ أُوغُسطِينوس: "لَقَد تَمَّ تَقييدُ الشُّهَداءِ، وَسُجِنوا وَجُلِدوا وَعُذِّبوا وَحُرِقوا وَمُزِّقوا وَذُبِحوا – وَمَعَ ذٰلِكَ، تَضاعَفَ عَدَدُهُم". يَسوعُ يُطْمِئِنُنا أَنَّ عَمَلَ اللهِ عَلى الدَّوامِ يُقاوَمُ، لَكِنَّهُ بِالمُقاوَمَةِ يَزدادُ قُوَّةً، وَيَتَجَلَّى بِأَكثَرَ بَهاءٍ. وَلَا يَستَطيعُ التَّلاميذُ أَن يَطمَعوا في مُعامَلَةٍ تَختَلِفُ عَنِ الَّتي لاقاها سَيِّدُهُم؛ فَهُم في أَثَرِهِ وَعَلى مِثالِهِ وَبِسَبَبِهِ، يُلاقونَ الاضطِهاداتِ، كَما صَرَّحَ: "ما كانَ الخادِمُ أَعظَمَ مِن سَيِّدِهِ. إِذا اضطَهَدوني فَسَيَضطَهِدونَكُم أَيضًا" (يوحنّا 15: 20). وَمِن ثَمَّ، يَتَّضِحُ أَنَّ الِاضطِهَادَ لَيسَ مِفاجِئًا فِي حَياةِ الكَنِيسَةِ، بَل يَنتَمِي إِلى هُوِيَّتِها الرَّسولِيَّةِ. وَيُعَلِّقُ القِدِّيسُ أغناطيوس الأَنطاكيّ عَلى هٰذِهِ الحَقِيقَةِ، فَيَقولُ: "حَيثُ يَكونُ المَسِيحُ، يَكونُ الِاضطِهَادُ. وَمَن يُحِبُّ المَسِيحَ حَقًّا، لَا يَرفُضُ نَصِيبَهُ مِن صَليبِهِ، بَل يَقبَلُهُ بِفَرَحٍ لِيُظهِرَ أَنَّهُ تِلميذٌ بِالحَقِّ لَا بِالكَلامِ" (أغناطيوس، رِسالَة إِلى الرُّومان). وَعَلَى التَّلاميذِ أَن يَشرَبوا كَأسَهُ، وَأَن يَتَعَمَّدوا بِمَعمُودِيَّتِهِ (مَرقُس 10: 39). وَالنَّتيجَةُ أَنَّ البارَّ الَّذي يَحتَمِلُ الاضطِهادَ، يَغلِبُ العالَمَ إِلى الأَبَدِ، كَما وَعَدَ بِهِ السَّيِّدُ المَسيحُ: "تُعَانُونَ الشِّدَّةَ في العالَمِ، وَلَكِن ثِقوا: إِنِّي قَد غَلَبتُ العالَمَ" (يوحنّا 16: 33). وَيُعَلِّقُ أَحَدُ الوُعّاظِ في القَرنِ الثَّاني قائلًا: "قارِنوا أَنفُسَكُم مَعَ الشَّجَرَةِ المُثمِرَةِ. خُذوا الكَرمَةَ مِثالًا، فَإِنَّها تُجَرَّدُ أَوَّلًا مِن أَوراقِها، ثُمَّ تَتَكَوَّنُ البراعمُ، ثُمَّ الحِصرِمُ، ثُمَّ العِنَبُ النّاضِجُ. وَهكَذا يَحتَمِلُ شَعبي تَقَلُّباتِ الشَّدائِدِ، ثُمَّ يَنالُ الصَّالِحاتِ"Funk 1, 158)). تَنَبَّأَ يَسوعُ عَنِ اضطِهادِ التَّلاميذِ (لوقا 21: 12-19)، عِلمًا بِأَنَّ الإِيمانَ لَيسَ ضَمانًا لِلسَّلامَةِ وَعَدَمِ التَّعَرُّضِ لِلاِضطِهاداتِ، بَل حَتّى في الاضطِهادِ وَالضِّيقِ هُناكَ "طَريقُ شَهادَةٍ لِلحَياةِ". فَقَبلَ دَمارِ أُورَشَليمَ، حَذَّرَ يَسوعُ تَلاميذَهُ مِنَ الاضطِهادِ، قائِلًا: "وَقَبلَ هذَا كُلِّهِ يَبسُطُ النّاسُ أَيدِيَهُم إِلَيكُم، وَيَضطَهِدونَكُم، وَيُسَلِّمونَكُم إِلى المَجامِعِ وَالسُّجونِ، وَتُساقونَ إِلى المُلوكِ وَالحُكّامِ مِن أَجلِ اسمي" (لوقا 21: 12). ويُعَلِّقُ القِدِّيسُ أُوغُسطِينوس قائلًا: "إِنَّ الاضطِهادَ يَنقِي الإِيمانَ كَالنَّارِ الَّتي تُصفِّي المَعادنَ مِنَ الشَّوائِبِ، فَلا يَثبُتُ مَعَ المَسيحِ إِلّا مَن أَحَبَّهُ أَكثَرَ مِن نَفسِهِ". فَإِنَّ الاضطِهادَ ضَرورِيٌّ، لِأَنَّهُ العَلامَةُ الَّتي يُعرَفُ بِها تَلاميذُ الرَّبِّ، وَبِها يُمكِنُ لَهُم أَن يَشهَدوا لاِنتِمائِهِم لِرَبِّهِم. عِندَما كَتَبَ لوقا إِنْجِيلَهُ، كانَتِ الجَماعَةُ المَسيحِيَّةُ الأُولَى مُعَرَّضَةً لِلاِضطِهاداتِ. فَقَد تَعَرَّضَ بُطرُسُ وَيُوحَنَّا لِلاِضطِهادِ (أَعمالُ الرُّسُلِ 4: 1-3). وَكانَ شاوُلُ الطَّرسُوسِيُّ مِن أَوَّلِ مَن تَمَّمُوا هذِهِ النُّبُوءَةَ بِاعتِبارِهِ يَهودِيًّا مُضطَهِدًا، كَما أَكَّدَ حَنانْيا: "يا رَبُّ، سَمِعتُ بِهذَا الرَّجُلِ مِن أُنَاسٍ كَثيرِينَ، كَم أَساءَ إِلى قِدِّيسِيكَ في أُورَشَليم. وَعِندَهُ ههُنا تَفويضٌ مِن عُظَماءِ الكَهَنَةِ لِيُوثِقَ كُلَّ مَن يَدعو بِاسمِكَ" (أَعمالُ الرُّسُلِ 9: 13). ثُمَّ تَعَرَّضَ شاوُلُ نَفسُهُ لِلاِضطِهادِ بَعدَما أَصْبَحَ مَسيحِيًّا، كَما صَرَّحَ قائِلًا: "جَلَدَنِي اليَهودُ خَمسَ مَرَّاتٍ، أَربَعِينَ جَلدَةً إِلَّا واحِدَةً. ضُرِبتُ بِالعِصِيِّ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، رُجِمتُ مَرَّةً واحِدَةً" (2 قورِنتُس 11: 24). وَتَعَرَّضَ بُولُسُ الرَّسُولُ وَرَفِيقُهُ سِيلا لِلضَّربِ وَالسِّجنِ (أَعمالُ الرُّسُلِ 16: 22). لَم يَهرُب بُولُسُ الرَّسُولُ مِنَ الاِضطِهاداتِ، بَل تَقَبَّلَها بِكُلِّ اِفتِخارٍ، قائِلًا: "فَإِنِّي راضٍ بِحالَاتِ الضُّعفِ، وَالإِهانَاتِ، وَالشَّدائِدِ، وَالاِضطِهاداتِ، وَالمَضايِقِ في سَبيلِ المَسيحِ، لِأَنِّي عِندَما أَكونُ ضَعيفًا أَكونُ قَوِيًّا"(2 قورِنتُس 12: 10). ويُعَلِّقُ القِدِّيسُ أغناطيوسُ الأَنْطاكيّ على مَوقِفِ الرُّسُلِ هذَا قائِلًا: "حَيثُ يَكونُ المَسيحُ، يَكونُ الاِضطِهادُ. وَمَن يُحِبُّ المَسيحَ حَقًّا لا يَرفُضُ حِصَّتَهُ مِن صَليبِهِ، بَل يَقبَلُهُ بِفَرَحٍ لِيَظهَرَ أَنَّهُ لَيسَ تِلميذًا بِالكَلامِ بَل بِالحَياةِ". أَمَّا عَلى صَعيدِ حَياةِ الكَنيسَةِ، فَتُشَكِّلُ الاضطِهاداتُ الشَّرطَ لِلنَّصرِ النِّهائِيِّ الَّذي يَفوزُ بِهِ المَسيحُ وَخاصَّتُهُ. إِنَّها مُقَدِّمَةٌ لِيَومِ الدَّينونَةِ (1 بُطرُس 4: 17-19)، وَلِإِقامَةِ المَلكوتِ وَالتَّمهيدِ لِنِهايَةِ العالَمِ، كَما جاءَ في سِفْرِ الرُّؤيا: "هؤُلاءِ هُمُ الَّذينَ أَتَوا مِنَ الشَّدَّةِ الكُبْرَى، وَقَد غَسَلوا حُلَلَهُم وَبَيَّضوها بِدَمِ الحَمَلِ. لِذٰلِكَ هُم أَمامَ عَرشِ اللهِ يَعبُدونَهُ نَهارًا وَلَيلًا في هَيكَلِهِ، وَالجالِسُ عَلى العَرشِ يُظَلِّلُهُم" (رُؤيا 7: 14-15). وَيُعَلِّقُ البابا فِرنْسيس قائِلًا: "إِنَّ يَسوعَ حَذَّرَنا مِمّا سَنُواجِهُهُ مِنِ اضطِهاداتٍ وَمُعاناةٍ، وَلٰكِنَّهُ طَمأَنَنا: "وَلَن تُفقَدَ شَعْرَةٌ مِن رُؤوسِكُم"، مُذَكِّرًا إِيّانا بِأَنَّنا بَينَ يَدَيِ اللهِ وَلَا يَجِبُ أَن تُبعِدَنا عَنهُ التَّجارِبُ". وَبِمَنظُورٍ أَنثروبُولُوجِيٍّ لا هُوتِيٍّ، يُساعِدُ الِاضطِهَادُ المُؤمِنَ عَلى تَخطِّي وَهمِ "الأَنَا" وَالتَّمَحْوُرِ حَولَ الذاتِ، لِيَتَحَرَّرَ فِي المَحبَّةِ وَيَصِيرَ شَاهِدًا لِلحَقِّ فِي العالَمِ. وَيُعَلِّقُ الأَبُ ثِيوفِلاكتِيُوس: "نَطَقَ يَسوعُ بِالِاضطِهَادِ لِكَي يَستَعِدَّ تَلاميذُهُ لِاحْتِمالِ الِاضطِهَاداتِ وَالشُّرُورِ بِصَبرٍ عَظيمٍ" (ثِيوفِلاكتِيُوس، تَفسير لوقا). نستَنتِجُ مِمّا سَبَقَ أَنَّ الاضطِهادَ لَيسَ بِالأَمرِ العارِضِ في حَياةِ المُؤمِنِ، بَل يُلازِمُ المُؤمِنَ عَلى الدَّوامِ حَتّى يَعبُرَ مِن هٰذا العالَمِ، كَما جاءَ في رُؤيا يُوحنّا: "هؤُلاءِ هُمُ الَّذينَ أَتَوا مِنَ الشَّدَّةِ الكُبرَى، وَقَد غَسَلوا حُلَلَهُم وَبَيَّضوها بِدَمِ الحَمَلِ" (رُؤيا 7: 14). وَيُعَلِّقُ الأَبُ ثيُوفِلاكتِيُوس قائِلًا: "نَطَقَ يَسوعُ بِالاضطِهادِ لِكَي يَستَعِدَّ تَلاميذُهُ لاحْتِمالِ الاضطِهاداتِ وَالشُّرورِ بِصَبرٍ عَظيمٍ". فَالاضطِهادُ، كَكُلِّ عَذاباتِ المَسيحِ، إِنَّما هُوَ ضَرورِيٌّ لإِتْمامِ رِسالَتِهِ وَلِتَحقيقِ تَدبيرِ الخَلاصِ. |
![]() |
|