درس عميق في الإنسانية والإرادة

[Mary Naeem]

درس عميق في الإنسانية والإرادة


تخيّل، في سنّ لا يتجاوز السابعة عشرة، حين يكون أغلب المراهقين منشغلين بامتحانات المدرسة أو بتحديد طريقهم في الحياة، كانت الطالبة الكندية أنيا بوجاريان تفكّر في شيء أعظم بكثير: إنقاذ أرواح لا حصر لها.
أنيا، خلال تدريب صيفي في مستشفى الأطفال بمونتريال، صُـدمت حين عرفت أن أجهزة غسيل الكلى التي يعتمد عليها ملايين المرضى حول العالم، يصل سعر الواحد منها إلى نحو 30 ألف دولار، وهو مبلغ يجعل هذا العلاج المنقذ للحياة حلمًا بعيدًا لملايين الفقراء في البلدان النامية.
بدلاً من أن تقف مكتوفة الأيدي، أشعلت بداخلها تلك الحقيقة شرارة التحدي.
جلست الفتاة الصغيرة في غرفتها، بين دفاترها وأدواتها البسيطة، وبدأت رحلة البحث والتصميم والتجريب. ساعات طويلة من العمل المتواصل، أخطاء وإحباطات، ثم إصرار يتجدد كل مرة. والنتيجة؟ نموذج أولي لجهاز غسيل كلى لا تتجاوز تكلفته 500 دولار فقط! أي أقل بستين مرة من الجهاز التقليدي.
تم اختبار اختراعها في المختبر باستخدام سوائل تحاكي الدم البشري، وأثبت نجاحه في عمليات ترشيح قصيرة. قد يبدو الأمر بسيطًا، لكنه كان بمثابة شعاع أمل يضيء حياة ملايين المرضى الذين يواجهون الموت كل يوم بسبب عدم توفر العلاج.
قصة أنيا ليست مجرد قصة طالبة نابغة، بل هي درس عميق في الإنسانية والإرادة: أن العمر لا يقاس بالسنوات بل بما تقدمه للآخرين. وأن عقلًا شابًا مدفوعًا بالرحمة يمكن أن يتحدى جشع الصناعة وتكلفة التكنولوجيا ليزرع الأمل في قلوب من لم يعرفوا الأمل من قبل.
إنها ليست فقط مخترعة صغيرة، بل شهادة حية على أن التغيير يبدأ بفكرة، وبقلب لا يحتمل رؤية الألم دون أن يتحرك.