"يقيمك الرب لنفسه شعبًا مقدَّسًا كما حلف لك، إذا حفظت وصايا الرب إلهك، وسلكت في طرقه" [9].
"يقيمك" نفس الكلمة التي استعملها المسيح عن إقامة ابنة يايرس (مر 5: 41) ووردت في (تث 18: 15، 18)، وهي تعلن إقامة شيء جديد. من أثمن العطايا والبركات الإلهيَّة أن يقيم الله من الناس شعبًا مقدَّسًا، ويجعل من الإنسان كائنًا ينتسب لله، يحمل برُّه الإلهي وقداسته.
مفهوم التقديس هو تخصيص الإنسان بكل كيانه لله القدُّوس، فإن كان الله منشغلًا بخلاص الإنسان ومجده، فالمؤمن في تجاوبه مع محبَّته لله يكرِّس طاقاته بروح الله القدُّوس للعمل لحساب ملكوته.
هذه البركة تحمل أيضًا معنى الاستقرار والتأسيس الثابت، فكنيسة الله، وكل بيت، بل وكل قلب يحتاج إلى يد الله الفائقة لكي تثبت فيها مملكته. وكما يقول لوقا الإنجيلي: "فكانت الكنائس تتشدَّد في الإيمان وتزداد في العدد كل يوم" (أع 16: 5). ويقول الرسول بولس لأهل روميَّة: "لأنِّي مشتاق أن أراكم لكي أمنحكم هبة روحيَّة لثباتكم" (رو 1: 11). ولأهل كولوسي: "فَكَمَا قَبِلْتُمُ الْمَسِيحَ يَسُوعَ الرَّبَّ اسْلُكُوا فِيهِ، مُتَأَصِّلِينَ وَمَبْنِيِّينَ فِيهِ، وَمُوَطَّدِينَ فِي الإِيمَانِ" (كو 2: 6-7). وفي رسالته إلى العبرانيِّين: "لا تُساقوا بتعاليم متنوِّعة وغريبة لأنَّه حسن أن يثبت القلب بالنعمة" (عب 13: 9). كما يقول الرسول بطرس: "وإله كل نعمة الذي دعانا إلى مجده الأبدي في المسيح يسوع بعدما تألمتم يسيرًا هو يكمِّلكم ويثبِّتكم ويقوِّيكم ويمكِّنكم" (1 بط 5: 10). "لذلك لا أُهمل أن أذكِّركم دائمًا بهذه الأمور وإن كنتم عالمين ومثبَّتين في الحق الحاضر" (2 بط 1: 12).
هكذا يثبِّت الله شعبه في القداسة التي له لنصير أيقونة له، لا تستطيع كل القوَى أن تشوِّهها أو تزيلها. إنَّها من عمل الروح القدس في أعماقنا.