الإِيمانُ لا يَستندُ إلى الرُّؤية بل إلى شهادةِ مَن رَأى. وهي شهادةُ شُهودِ عِيانٍ للقيامةِ، شهادةُ الكنيسة. ويُمكنُنا أن نُسمِّيَ قولَ يسوعَ هذا لتوما "التطويبةَ التاسعة". فقد كانت الرؤيةُ الجسديّةُ لتوما أساسًا للإيمان، أمّا اليوم فإنّ الإيمانَ هو أساسُ رؤيةِ الربِّ يسوع.
فالإيمانُ الحقيقيُّ لا يَنبعُ من النظر، بل من السّمع، كما جاء في تعليمِ بولسَ الرَّسول: "الإِيمانُ مِنَ السَّماع، والسَّماعُ يَكونُ سَماعَ كَلاَمٍ على المسيح" (رومة 10: 17).
ولذلك، فإنَّ الإيمانَ يَكمُنُ في الثّقةِ بكلمةِ الآخَر بدلاً من طَلبِ البراهين. إنّه إيمانٌ، كما يقول القِدِّيس بطرس، بهذا المسيح: "ذاكَ الَّذي لا تَرَونَه وتُحِبُّونَه، وإلى الآنَ لَم تَرَوه وتُؤمِنونَ بِه" (1 بطرس 1: 8). لا شكَّ أنّ زمنَ النظرِ قد انتهى، حيث كان يسوعُ يَجولُ فلسطين. فيسوعُ يُطوِّبُ الذينَ يُؤمِنونَ به دون أن يَرَوه قائمًا من الموت، بل يُصَدِّقون شهادةَ الذين رأَوا، وقدِ اختارَهُم هو ليكونوا شهودًا له، كما ورد في عظةِ بطرسَ الرّسول الأولى: "فَيَسوعُ هذا قد أَقامَهُ الله، ونَحنُ بأَجمَعِنا شُهودٌ على ذلك" (أعمال الرُّسل 2: 32).
وهنا نجد دعوةً صامِتةً من يوحنّا الإنجيليّ إلى تَصديقِ شهادتِه هو، لأنّه كان من الذين رأَوا الرّب، كما صرَّحَ قائلاً: "ذاكَ الَّذي كانَ مُنذُ البَدْء، ذاكَ الَّذي سَمِعناه، ذاكَ الَّذي رَأَيناهُ بِعَينَينا، ذاكَ الَّذي تَأمَّلناه، ولَمَسَته يَدانا، مِن كَلِمَةِ الحَياة" (1 يوحنّا 1: 1).