جاءت الشريعة الموسويَّة تطالب: "نفس بنفسٍ، عين بعينٍ، سن بسنٍ، يد بيدٍ، رجل برجلٍ" [21]، بهذا ارتفعت بالإنسان في بدء حياته الروحيَّة من روح الانتقام بأكثر ممَّا أصابه من ضرر، إذ يميل الإنسان بطبعه أن يقاوم الشر بشرٍ أعظم. هكذا ارتفعت به الشريعة لكي تهيئه للحب تدريجيًا حتى يمارس بالنعمة الإلهيَّة محبَّة العدو فيقاوم الشر بالخير. إنَّها تدخل بالإنسان إلى الحب والتسامح بتدريبه تدريجيًا على ضبط نفسه.
الشريعة حازمة وعادلة، من يستطيع أن يتبرَّر أمامها؟! شكرًا لله الذي نقلنا بغنى حبُّه من تحت الشريعة إلى عهد النعمة، فنقف أمام كرسي الرحمة، ويستر مسيحنا بدمه الذكي علينا، فنتبرَّر أمام الله. لقد دفع مسيحنا الثمن وحقَّق متطلِّبات الشريعة، مقدِّمًا لنا كمال الحريَّة للحياة الجديدة التي بلا لوم قدَّام الله.
من يشهد بالزور يقدِّم للمحاكمة في محكمة عليا، أمام الكهنة والقضاة الذين هم أمام الرب. فكما يجلس القضاة عند أبواب المدينة ويحكمون، هكذا يجلس الكهنة والقضاة أمام باب الهيكل ليحكموا حسب إرادة الله (تث 17: 12).
إن ثبت كذب الشاهد فما كان يُحكم به على المتَّهم يسقط على شاهد الزور. ربَّما يظن الإنسان أن في ذلك قسوة! فمن أجل كلمات كذب قد يسقط إنسان تحت حكم الإعدام. من يحفر حفرة لأخيه يسقط هو فيها. بهذا يقدِّم الله درسًا عمليًا ليبث روح المخافة فيهم.
يرى القديس أغسطينوس في هذه العبارة تلميحًا لسرّ التثليث، ففي قصَّة سوسنَّة وُجد شاهِدان شيخان ومع ذلك كانت شهادتهما كاذبة (تتمة دا 13: 36-62)، وفي محاكمة السيِّد المسيح شهد الشعب كلُّه ضد المسيح، ومع ذلك كانت شهادتهم باطلة (لو 23: 1). فماذا يعني ثبوت الشهادة الحقَّة بشاهدين أو ثلاثة إلاَّ شهادة الآب والابن والروح القدس الحقَّة (يو 8: 18).