![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
![]() أَلفَرَحُ المَسيحيُّ إنتقال مريم إلى السّماء، بالنّفس والجسد. ألملائكة تـهلّل فرحًا! وإنّي أيضًا أفكّر بفرح القدّيس يوسف، زوجها الكلّيّ الطهارة، الّذي كان ينتظرها في النّعيم. لكن لنرجع إلى الأرض. فالإيمان يؤكّد لنا بأنّنا في الدّنيا، وفي هذه الحياة، نحن في حجّ، وسفر، وأن التّضحيات لن تنقصنا، ولا الألم ولا الحرمان. لكن ينبغي أن يرافق الفرح دوماً دربنا. “أعبُدوا الرّبّ بالفرح”، إذ ما من طريقة أخرى لخدمته. “الله يحبّ من أعطى متهلّلاً”، من يعطي ذاته كلّيًّا، بتضحية منجزة بفرح، فلا مبرّر للحزن. ولربّما تعتقدون، أنّ في هذا التّفاؤل مبالغة، فجميع البشر يَخْبُرون عدم كفاءتـهم وفشلهم؛ وجميعهـم يشعرون بالألم، والتّعب، ونكران الجميل، والحقد لربما. فإذا كنّا نحن المسيحيّين بشرًا كالاخرين، كيف نستطيع أن نفلت من هذه الملامح الثّابتة في الطبيعة البشريّة؟ إنّه لمن السّذاجة نكران الوجود الدّائم للألم، والإحباط، والحزن والوحدة، على هذه الأرض الّتي هي أرضنا. لكنّ الإيمان قد علّمنا بيقين أنّ كلّ هذا ليس وليد الصّدفة، وأنّ مصير الخليقة ليس في السّلوك نحو اضمحلال رغباتـها في السّعادة، وأنّ كلّ هذا له مقصد إلـهيّ، إذ إنّ كلّ شيء يعود إلى النّداء الّذي يقودنا نحو مسكن الآب. وهذه الطّريقة لفهم وجود المسيحيّ الأرضيّ بأسلوب فائق الطّبيعة لا تسهّل التّعقيد البشريّ؛ إنّما تؤمّن للإنسان إمكانيّة اختراق هذا التّعقيد بعصب حبّ الله، بـهذا السّلك المتين الّذي لا يتلف، والّذي يصل حياتنا الأرضيّة بحياتنا النّهائيّة في الوطن السماويّ. وعيد انتقال السيّدة العذراء يحعلنا نلمس بالإصبع هذا الرّجاء البَهج. ونحن لا نزال في سفر، إلاّ أنّ أمّنا قد تقدّمتنا وهي تدلّنا على نـهاية الطّريق: فهي تكرّر لنا، أنّه بإمكاننا البلوغ، وإن كنّا مخلصين فسنبلغها. لأنّ العذراء الكلّيّة القداسة ليست فقط مثالاً لنا، إنّما هي معينة المسيحيّين. وأمام طلبتنا – “أظهري نفسكِ أمًّا”، فهي لا تعرف، بل لا تستطيع أن ترفض لأبنائها عنايتها واهتمامها الأموميّ. إنّ الفرح هو خير يمتلكه المسيحيّ، ولا يزول إلاّ أمام إهانة الله: لأنّ الإثم يأتي من الأنانيّة، والأنانيّة تولّد الحزن، ومع ذلك، يبقى هذا الفرح مطمورًا تحت جمرات النّفس، لأنّنا نعلم أنّ الله وأمّه لا ينسيان البشر أبدًا. فإذا ما تبنا، ثمّ صدر عن قلبنا فعل ألم، وقد تطهّرنا بسرّ التّوبة المقدّس، حينها يقترب الرّبّ لملاقاتنا ويسامحنا. إذ ذاك يزول الحزن: إنّه أوان الغبطة “لأنّ أخاك هذا كان ميتًا فعاش، وكان ضالاًّ فوُجد”. بـهذه الكلمات تنتهي الخاتمة الرّائعة لمثل الابن الشّاطر، الّذي لا نملّ إطلاقًا أن نتأمّل فيه: “هوذا الآب يتقدّم لملاقاتك؛ ويحني رأسه على كتفك، ويقبّلك، عربون حبّ وحنان؛ ثمّ يلبسك ثوبًا مجدّدًا، وخاتمًا وحذاء. ولم تزل تخاف التّقريع والعقاب وكلام العتاب: فها هوذا يعيد لك منـزلتك ، ويقبّلك ويهيّىء لأجلك وليمة”. إنّ حبّ الله لا يُسبر. فإذا كان يتصرّف هكذا تجاه من يهينه، فما الّذي لا يفعله ليكرّم والدته؟ العذراء الكلّيّة القداسة، الطّاهرة، والأمينة على الدّوام؟ إذا كان حبّ الله على هذا النّحو، فيما عمق القلب البشريّ هو دائم الخيانة، والحقارة، فكيف يكون تجاه قلب مريم، الّتي لم تظهر أيّ اعتراض على مشيئة الله ؟ أنظروا كيف تلحّ ليتورجيّة هذا العيد على عدم إمكانيّة فهم رأفة الرّبّ غير المحدودة بواسطة التّحليلات البشريّة؛ فبدل من أن تشرح، هي تغنّي؛ إنّها تستهدف المخيّلة كيما يضع كلّ أمرئ حرارته بكاملها في المديح. إذ لن نصل أبدًا إلى هذا الحدّ: “ثمّ ظهرت آية عظيمة من السّماء: إمرأة ملتحفة بالشّمس، والقمر تحت قدميها، وعلى رأسها إكليل من إثني عشر كوكبًا”. فقد شغف الملك بجمالك. فعلى مثالـها تتألّق ابنة الملك بثوبـها المطرّز بالذّهب! وتُختتم اللّيتورجيّا على كلمات مريم، الّتي تجمع في الوقت نفسه إلى التّواضع العميق المجد الأكبر: “سوف تطوّبني بعد اليوم جميع الأجيال لأنّ القدير صنع بي العظائم”. يا قلب مريم اللّطيف، أعطنا القوّة والأمان على مدى طريقنا في هذه الأرض: كوني أنتِ بذاتك طريقنا، لأنّك تعرفين الممرّ، والمختَصَر الّذي لا يخطئ، واللّذين يؤدّيان، عبر حبّك إلى حبّ يسوع المسيح. |
|