![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
بطلة رغم الحرمان، أشجع من مائة حاكم ضعيف، تواجه الغطرسة بعيون واثقة لم تذبل، الاحتلال مزق عائلتها بين الشهيد والأسير والممنوع من دخول أرضه والراحل حسرة عليهم، فيما ظلت هى «خطر على أمن إسرائيل» هكذا صنفها العدو. بحركات طفولية تعبّر عن عمرها الحقيقى، الذى تحجبه سمات الكبار، تمرح بأمل فى كنف جدتها المثابرة، عروس فى سن العاشرة، «أسطورة» يحاول عُشاق المقاومة انتظارها، غير أن مهرها غالٍ. «جُمانة» هكذا تكتب اسمها، الطالبة فى الصف السادس الابتدائى، الأولى على مدرستها، حكاية تُروى فى جنبات «غزة»، عن بنت من رفح الفلسطينية، وقفت بجسدها النحيل فى وجه عدوان غاشم دون أن تهتز، تحكى جدتها المتشحة بالسواد عن مأساة الصغيرة وبطولتها، البداية كانت وهى لم تزل قطعة لحم حمراء، ابنة أربعة أشهر، يومها طبع والدها على جبينها قبلة، قبل أن يسافر إلى مصر برفقة والده الأعمى -بسبب غارات الغاز- فى رحلة علاج من الفشل الكلوى، وعند عودته عبر معبر رفح استوقفوه -وقتها كان لليهود سلطة فى أمن المعابر- صرخ الأب فيهم فلكزه جندى إسرائيلى فى ظهره فانكب على الأرض مغشياً عليه، عاد الأب إلى المنزل محمولاً على الأكتاف دون ولده، حاولت الأسرة معرفة مكان «الابن البكرى» دون جدوى، أيام ورحل الجد حزناً على «قرة عينه» التى كان يُبصر بها، وبعد شهر واحد لحقت أم «جُمانة» بالجد بعدما اعتصرها الألم، لتبدأ الطفلة رحلة اليُتم وهى لم تكمل نصف عامها الأول. برابطة رأس فلسطينية تتوسط شعرها المنسدل تشبه فيه سيدة القمر «فيروز» تنظر «جُمانة» إلى جدتها بفخر، «أم الأسير علاء شحاتة» تنطقها العجوز عوضاً عن اسمها، كبُرت الصغيرة فلم تجد إلا الجدة والعم، الأولى أخبرتها أنها أمها والأخير كان لها الأب بدلاً من والدها الأسير. فى أحد الأيام عادت الصغيرة من الحضانة حزينة وقالت لجدتها بأسى: «يا ماما أنا زعلانة.. كيف انتى أم بابا وأمى فى نفس الوقت»، عندها أخبرت «أم علاء» حفيدتها القصة، لذا لم يكن مستغرباً أن تقرض «جُمانة» الشعر وهى فى سن السابعة «أين الحضن الدافئ.. أين؟.. أين القلب الحانى يحكى قصة قبل النوم.. فلهيبُ القلبِ يحركنُى وبُعادى عنك يؤرقُنى.. أين أبى؟.. أين العالم يسمعنى؟.. أريد أن أعيشَ مثل الأطفال.. اصبِر يا حبيبى حتماً سيُكسر القيدُ وتزولُ الزنزانة». حين تذهب بنت العاشرة للملاهى لا تلعب، فقط تنظر إلى أسرة مجتمعة فى سعادة، عندها تركض إلى الجدة مرتمية فى أحضانها «كل اللى بيحبونى راحوا.. أخاف تروحى عنى»، قرط صغير يزين أذنها اليمنى يُضفى أنوثة على الصغيرة، ألبوم صور لزفاف والديها خبأته الجدة عن أعين الصغيرة، وصور وحيدة تجمع «جُمانة» بوالدها رُسمت بالفحم تتوسط صالة منزلها، يومياً تكتب رسائل بتفاصيل أحداثها وتجلس أمام الصورة ترويها للأب الأسير، «أيمن» عم الصبية -ووالدها الثانى الذى رباها- استكثرته عليها يد الطغيان حين استهدفته «زنانة» (طائرة) إسرائيلية يوم تخرجه من الجامعة، يومها حضر إلى المنزل، قبّل يد الأم وأعطاها ملابس التخرج وشهادة التكريم واحتضن جُمانة وذهب، دقائق وانقبض قلب الأم مع سماع صوت قذيفة، هرعت إلى الشارع فوجدت الجمع ملتفاً حول نصف جسد يرفع يده السبابة إلى السماء ويقول مكرراً «أنا ما فىّ شى.. لا تخافوا». بعيون جريئة تنبض حماساً تقول الطفلة عن نفسها بفخر: «أنا جُمانة بنت الأسير، وعمى الشهيد، وجدتى المثابرة»، مرة واحدة كل شهرين يأتيها صوت الأب من داخل سجن «المجدل» بالأراضى المحتلة، خلال إضراب الأسرى الفلسطينيين، كانت «جُمانة» مُضربة معهم، 22 يوماً ظلت فيها تعيش على الماء واللبن، وأرسلت إلى أبيها رسالة.. «أناشد الجميع أن يكسروا شوكة العدو»، لذلك لم يكن غريباً أن يكون اسمها على قوائم الممنوعين من السفر بحجة أنها «خطر على أمن إسرائيل»، بوجه مبتسم تقول إنها تنتظر بلهفة لحظة استشهادها، غير أن غُصّة فى القلب تجعلها تقول: «نفسى أشوف بابا مرة واحدة بس» الوطن |
![]() |
|