![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
![]() من الآلام إلى المجد لم تلغِ القيامة جروح المسيح، بل بقي جسده موسوماً بها ليؤكّد أنّ "المحبّة أقوى من الموت". كما أنّ آثار المسامير، وطعنة الحربة لم تشوّه منظره، بل جعلته أكثر إشراقاً. حتّى إنّ أحد اللاهوتيّين يشبّه هذه السمات "بالأوسمة التي زيّنت جسده بعد انتصاره على الخطيئة والشرّ". وسيحمل الفادي جراحه إلى السماء لأنّها هي التي ستكون أبلغ شاهد لشفاعته لدى الله الآب من أجل الخطأة. كما جاء على لسان بطرس الرسول: "هو الذي حَمَل خطايانا في جسده على الخشبة لكي نموت عن خطايانا فنحيا للبِرّ. وهو الذي بجراحه شفيتم" (1بط 2/24). ومرّة أُخرى سيحمل السيّد المسيح معه جراحه يوم الدينونة العظيم، الذي فيه يأتي ليدين الأحياء والأموات ويجازي كلّ واحد بحسب أعماله! وقد أطلق الفنّانون العنان لمخيّلاتهم في رسم صُوَر المسيح الديّان العادل. فنجد في جميع لوحاتهم آثار الجروح في يدَيه وجنبه تأكيداً لهذه الحقيقة اللاهوتيَّة: إنّه لولا العذاب لما كان الفداء، ولولا إكليل الشوك لما كان إكليل المجد. فبهذه السمات سيُعرف المصلوب القائم عن يمين الآب في السماء، والممجَّد من سائر الملائكة السماويّين. وسماته هذه لن تكون الشاهدة على قسوة الإنسان، بقدر ما تكون الشهادة على أنّ يسوع، من خلال الألم والمعاناة، قد حقّق الخلاص والفداء، وأقام البَشَريَّة إلى حيـاة جديدة. وهكذا، شرح المسيح نَفْسه حقيقة هذا الأمر لمّا قال لتلميذَي عمّاوس: "يا قليلَي الفَهم وبطيئَي القلب عن الإيمان بكلّ ما تكلّم به الأنبياء. أما كان يجب على المسيح أن يعاني تلك الآلام فيدخل في مجده؟" (لو 24/25-26). ومثلما دخل يسوع بآلامه إلى المجد، هكذا كان نصيب رُسُله من هذه الآلام التي أصبحت دالّتهم لدخولهم، هم أيضاً، إلى المجد السماويّ. "فما كان الخادم أعظم من سيّده" (يو 15/20). ولا يزال نصيب الآلام، حتّى يومنا هذا، طريق المؤمن إلى ملكوت السماوات. "لأنّنا إذا شاركناه في آلامه، نشاركه في مجده أيضاً" (روم 8/17). فكم من الجروحات نعاني، الجسديَّة منها والنَفْسيَّة، المادّيَّة منها والمعنويَّة، حتّى من أقرب الأقرباء وأعزّ الأصدقاء؟!.. فهذا يجرحنا في كرامتنا وذاك يؤذينا في عملنا، وهذا يعيبنا في غيابنا وذاك يشوّه سمعتنا، وهذا ينسى معروفنا وذاك يفرّق بيننا، وهذا يسلب أموالنا وذاك ينكر علينا حقّنا.. فالعين تدمع والقلب يدمى والأعصاب تنهار والجسم يتداعى.. نحن أيضاً سنحمل معنا إلى يوم الدِين جميع هذه الجروحات وسيعرفنا الله من خلالها. "أرني جراحك"، سيقول لنا الربّ الديّان. وسننال المكافأة إذا كنّا حوّلنا ما حلّ بنا إلى ينابيع نُور وصبر ومسامحة وتكفير. لم يأتِ المسيح لينهي الألم ويزيل الجروح، بل جاء ليعلّمنا كيف نتغلّب على الألم ونجعل منه طريقاً إلى الملكوت. وكيف نداوي الجراح بزيت الغفران وبلسم المحبّة. كما يقول بطرس الرسول: "فلهذا دُعيتم، فقد تألّم المسيح أيضاً من أجلكم وترك لكم مثالاً لتقتفوا آثاره" (1بط 2/21). والأثرُ الأكبر الذي تركه لنا محبّتُه الكُبرى التي أوصلته إلى بذل ذاته على الصليب. وقد طلب إلينا أن يحبّ بعضنا بعضاً، كما أحبّنا هو، لننتقل معه من الموت إلى الحياة. يوضح ذلك القدِّيس يوحنّا في رسالته الأُولى قائلاً: " نحن نعلم أنّنا انتقلنا من الموت إلى الحياة لأنّنا نُحبّ إخوتنا. مَن لا يحبّ بقي رهن الموت" (1يو 3/14). |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|