* سؤال من الأب نفسه إلى الشيخ الكبير: أتوسل إليك أن تخبرني من أين تأتيني ليونة الجسد وميوعة القلب؟ ولماذا لا أستطيع أن أمكث دائمًا في نفس التدبير؟
إجابة الأب برصنوفيوس: أيها الأخ، إنني مندهش ومذهول من رؤية كيف أن أهل العالم الذين لهم شهوة الربح أو القتال يستخفون بالوحوش وفخاخ قطاع الطرق وأخطار البحر وحتى الموت ذاته. إنهم لا يجبنون من أجل الغِنى الذي يشتهونه بتلهُّفٍ، في حين أنهم غير متيقنين من الحصول عليه. ونحن البؤساء الجبناء الذين نلنا سلطانًا أن ندوس على "الحيات والعقارب وكل قوة العدو" (لو 10: 19)، نحن الذين سمعنا القول: "أنا هو لا تخافوا" (يو 6: 20)، نحن الذين نعلم بوضوح أننا لا نصارع بقوتنا، بل بقوة الله الذي يسلِّحنا ويحصنّا، نستسلم لليونة والاكتئاب!
ومن أين يأتي ذلك؟ هذا لأن أجسادنا لم تتسمّر فيها مخافة الله (مز 118: 120 السبعينية)، ولأنه لم يجعل صراخ نوحنا (أو تنهُّدنا) مطلقًا ينسينا أكل خبزنا (مز 102: 4-5). لذلك نحن نتقلّب من جانب إلى آخر، ومن نظام إلى آخر، لأننا لا نتشبث تمامًا بالنار التي جاء الرب ليلقيها على الأرض (لو 12: 49)، والتي يمكنها أن تُهلك وتلتهم أشواك حقلنا الروحي، إن تخاذلنا وتغافلنا، وحبنا لأجسادنا لا يسمح لنا بالرحيل.
يشهد لي ابن الله الحي أنني أعرف إنسانًا، وهو هنا في هذا الدير المبارك، ولا يقول أحد أنني أتكلم عن نفسي، فأنا لا أحسب نفسي شيئًا في أي أمر، هذا الإنسان يمكنه أن يبقى كما هو بدون أي غذاء أو شراب أو ملبس حتى يفتقده الرب، ولن يعوزه من كل ذلك أي شيء على الإطلاق، لأن غذاءه وشرابه ولباسه إنما هو الروح القدس!
فإذا أردت نافسه وتشوّق وبادر، وامتلئ بالغيرة ومخافة الله، وهو سيحقق رغباتك. لأنه مكتوب: "يعمل رضى خائفيه" (مز 145: 19).
وفي الحقيقة، فإنني أنا، الذي لستُ شيئًا، بسبب الوصية أعمل بقدر استطاعتي، ولكن الله هو الذي منه يكون الثبات والتحصين والتحرر وإتمام كل عملٍ صالحٍ وتجنُّب كل شر وتدبير الخلاص في ملكوته، وله المجد. آمين.
فردوس الآباء