ضبط النفس
مَدِينَةٌ مُنْهَدِمَةٌ بِلاَ سُور،ٍ
الرَّجُلُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى رُوحِهِ [28].
من لا يضبط نفسه، كيف يمكنه أن يضبط أسرته أو مرؤوسيه. الإنسان الحكيم الفاضل يهتم أولًا أن يضبط أعماقه، فيكون كمدينةٍ محصنةٍ، لا يقدر عدو الخير أن يتسلل إليه ويفترسه.
* أما الذين يدمنون كثرة الكلام فعليهم أن يلاحظوا بدقة كم هم بعيدون عن الطريق المستقيم عندما يسرفون في خضم من الكلمات. إن العقل يسلك كالماء. فعندما نحيط الماء بسياج، يرتفع إلى مستويات عليا وهو يتصاعد إلى نقطة الارتفاع التي منها انحدر. أما عندما نطلقه ويتهدم السياج، فإنه يتبعثر في كل اتجاه، ويخترق كل المستويات السفلية. وهكذا بالحقيقة يضيع كل الكلام الزائد كالماء عندما يتحرر من رقابة الصمت، ويُحمل العقل عبر قنوات عديدة ويتوه، وبالتالي يفقد القوة التي بها يمكن أن يعود داخليًا للمعرفة الذاتية، لأنه يتشتت بسبب كثرة الكلام والثرثرة، ويحيد عن مواقع التأمل السري في القلب. وهنا يُعَرِض العقل نفسه للجراحات المصوبة من العدو الذي يترصد به، لأنه لم يحط نفسه بسياج من اليقظة. وهكذا كُتِبَ بالأمثال: "مدينة منهدمة بلا سور، الرجل الذي ليس له سلطان على روحه." (أم 25: 28).
إن قلعة العقل التي بلا سور من الصمت تتعرض لسهام العدو، وعندما ينبعث الكلام من أسوار القلعة ويضربها تتعرض للعدو علانية فيهزمها دون ما تعب، إذ ينهزم العقل الثرثار حيث يحارب نفسه بنفسه بكثرة الكلام.
البابا غريغوريوس (الكبير)