رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
عند الصليب وعند القبر جثسيماني! جلجثة! اسمان يذكراننا بالآلام التي تحملها الرب يسوع ويقوداننا للسجود ونحن نحكي ما فعل. كانت الحوادث تدور بسرعة في ذلك النهار المظلم الفريد في تاريخ البشرية. كل بُغضة الناس، تحت سلطان إبليس، انطلقت ضد الله، وضد ابنه يسوع المسيح. لكن انطلقت أيضاً محبة الله غير المحدودة للإنسان عند الصليب. كان موت المخلِّص هو الموضوع الأساسي في خطة الله لخلاص خليقته. جثسيماني: هناك قاسى الرب وحده معركة رهيبة، وفي جلجثة قَبِل الكأس وشربها. لقد جاء يهوذا مع فرقته وأخذوا المخلِّص واقتادوه إلى أورشليم. واجتمع السنهدريم، وقرر أولئك القضاة الأثمة أن يسلموا الرب يسوع إلى الوالي بيلاطس البنطي لكي يُصلب. لم يُجب الرب على اتهامات أولئك الناس أمام الوالي، واندهش بيلاطس من ذلك، واعترف أن يسوع لم يفعل شيئاً يستحق الموت بسببه، وكان يريد أن يُطلقه، ولكنه استسلم أخيراً عندما صرخ الجمع مع رؤسائه مراراً: ليُصلب! وهكذا أُسلم الرب إلى أعدائه الحقودين. ومن المؤثر أن نرى نساء متواضعات ينضممن إلى الموكب الذي اتجه حينئذاك إلى مكان العذاب الذي يُدعى جلجثة (أي مكان الجمجمة) حيث نُصب صليب المخلِّص (لو23: 26-32). يا له من مكان كبير قد أخذه في قلوبهن! فبينما كانت بغضة رؤساء الشعب للرب يسوع تزداد، كان تعلقهن به قوياً ومتزايداً. لقد سبق أن تبعنه من الجليل إلى أورشليم وخدمنه (مر15: 41؛ لو23: 27). وهكذا نستطيع أن نفهم دموعهن ونوحهن (مر16: 10) عندما فكرن أنهن سوف يفقدن إلى الأبد هذا الحبيب الذي لا مثيل له. لقد بقين بالقرب من الصليب بقلوب منكسرة. كان الرب يسوع في ذلك المكان مصلوباً بين لصّين، يا له من مشهد للجمع الذي كان يمر أمامه! كانت آلامه لا يعبَّر عنها. كان مخلصنا العزيز وحده تماماً أثناء ساعات الظلمة الثلاث التي جاءت على كل الأرض. لقد عرف هذا الألم الفائق، وهو الترْك من الله بسبب خطايانا، التي لا حصر لها، التي أخذها على نفسه ليصنع لها الكفارة (مت27: 47؛ مر15: 34). ونحو الساعة التاسعة صرخ بصوت عظيم «إلهي إلهي لماذا تركتني؟» وليتم الكتاب قال أخيراً «أنا عطشان» (يو19: 28). من أعلى الصليب نطق الرب أيضاً بهذه الكلمة التي لا حدود لمداها «قد أُكمل» (يو19: 30). وأخيراً خاطب من جديد الآب الذي تمجد تماماً بعمله قائلاً «يا أبتاه في يديك أستودع روحي» (لو23: 46). «ثم إن (أي بعد هذه الأمور) ...» (يو19: 38). لم يبقَ جسد الرب يسوع طويلاً على صليب العار، لكن الله أعد آنيتين له للاهتمام به: يوسف الذي من الرامة ونيقوديموس. لقد وضع في قلبيهما شعوراً مشتركاً بالمحبة والتقدير للرب يسوع، في حين أنه لم يكن لرؤسائهم سوى البغضة له والاحتقار! لقد ورد ذكر يوسف الذي من الرامة في الأناجيل الأربعة، وحسب ما يقوله لنا مرقس البشير، يبدو أنه كان عضواً في مجمع السنهدريم (محكمة اليهود). ويظهر نيقوديموس ثلاث مرات في إنجيل يوحنا (3: 1-21؛ 7: 50-52، 19: 39-42). يا له من تقدم أحرزه في طريقه نحو النور منذ مقابلته الأولى مع الرب يسوع! لقد عملت النعمة إذاً في قلبي هذين الرجلين اللذين، ربما دون أن يتفقا معاً، جاءا إلى هناك في تلك الساعة الرهيبة، ليُنزلا عن الصليب جسد المخلِّص المائت. لقد أخذته تلك الأيدي التقية، ولفّته بأكفان مع أطياب، ثم وضعته في قبر يوسف الجديد المنحوت في الصخر، حيث لم يوضع أحد فيه من قبل. لقد سبق أن تكلم الأنبياء عن الآلام التي كان يتعين أن يُعانيها المسيا قبل حدوثها بوقت طويل. فأصحاح 53 من سفر إشعياء النبي مثلاً، يتحدث إلينا عن هذه الآلام بطريقة مؤثرة جداً، ولكن هذا الفصل نفسه من الكتاب المقدس يُرينا أيضاً قصد الله من جهة عبده الكامل «وجُعل مع الأشرار قبره ومع غني عند موته. على أنه لم يفعل ظلماً ولم يكن في فمه غش» (إش53: 9). لقد قام فجر يوم جديد. وفي اليوم الثالث، اليوم الأول من الأسبوع، وُجد القبر فارغاً والحجر الكبير الذي كان يمنع الدخول قد دُحرج. والنساء اللاتي ذهبن إلى هناك في الصباح المبكر جداً ومعهن الأطياب التي أعددنها ليُدهن بها جسد الرب يسوع، علمن من الملائكة أنه قام من الأموات. يا له من خبر مجيد كُلِّفن بإعلانه لشركائهن في الحزن! ومن بين النساء اللاتي نجدهن في المشاهد المؤثرة في نهاية الأناجيل، تحتل مريم المجدلية مكاناً خاصاً. أ لم يسبق لها أن اختبرت نعمة الرب وقوته بطريقة خاصة؟ طوباك يا مريم! لقد خلّصها الرب يسوع من سبعة شياطين (لو8: 2؛ مر16: 9)، ويا له من اعتراف بالجميل منها نحو محررها وسيدها! وإذ بقيت بالقرب من القبر، كانت هى أول مَنْ رآه. ويحدثنا الأصحاح العشرون من إنجيل يوحنا عن هذه المقابلة العجيبة. لقد كانت تبحث عن سيدها وإذا به أمامها. وتعرفت عليه عندما قال لها: يا مريم. حينئذ قال لها يسوع «اذهبي إلى إخوتي وقولي لهم إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم» (ع17). إنه إعلان ثمين نحب أن نذكره دائماً كنتيجة لعمل مخلصنا. إننا بالنعمة أولاد الله ولا يستحي الرب أن يدعونا إخوته (عب2: 11). لقد سبق أن قال الرب لتلاميذه إنه سوف يتركهم، وهذه الكلمة أحزنتهم جداً. ولكنه كان قد أعلن لهم أيضاً أنه سوف يراهم ثانية فيتحول حزنهم إلى فرح. وفي مساء اليوم الأول من الأسبوع اختبروا ذلك فعلاً، إذ وُجد سيدهم المحبوب فعلاً فجأة في وسطهم في العُلية المُغلقة خوفاً من اليهود، وقال لهم «سلام لكم»، وأراهم يديه وجنبه. فكان فرحهم عظيماً عندما رأوه ثانية! وعند ظهوره الثاني كان توما أيضاً موجوداً. وإذ كان في حيرة أمام الرب، قال هذه الكلمة العظيمة «ربي وإلهي»! ويوحنا، التلميذ الذي كان يسوع يحبه، بحسب نص إنجيله، كان هو التلميذ الوحيد الذي نراه عند الصليب (19: 26،27). ويا لها من خدمة ثمينة أسندها له الرب في تلك الساعة المشهودة: منذ تلك الساعة أخذ أم المخلِّص إلى خاصته. وبطرس ويوحنا وتوما وباقي التلاميذ الذين كانوا شهوداً لآلام وقيامة الرب يسوع، كانت لهم أيضاً الرؤية المجيدة لارتفاعه إلى السماء (مر16: 19؛ لو24: 52،53). كانوا ممتلئين فرحاً ولا يكفّون عن تسبيح وبركة الله. وبواسطة الروح القدس المرسَل من السماء يوم الخمسين، أمكن أن تُعلَن الرسالة الإلهية بقوة إلى الجمع الذي احتشد في أورشليم. والأصحاحات الأولى لسفر أعمال الرسل، تُظهر لنا نشاط ومجاهرة الرسل لإعلان خبر الخلاص بالرب يسوع الذي صُلب. وبطرس بصفة خاصة إذ امتلأ بالروح القدس (أع4: 8) دعا الشعب إلى التوبة وإلى الرجوع بعزم إلى الله. ويا لها من حرارة ومن محبة عند هؤلاء الشهود، شهود الكنيسة الأولى! كان بينهم بحسب اعتقادنا، يوسف الذي من الرامة ونيقوديموس، لأنهما على الأرجح رأيا الرب مُقاماً من الأموات ثم مرتفعاً إلى السماء. وحينئذ تحولت أنظارهما نحو مخلِّصٍ حيّ فوق، وهما يختبران أنه هو أيضاً بالروح القدس معهم على الأرض. وعن قريب سوف نتلاقى مع كل هؤلاء الأمناء في الفرح الكامل الذي سيكون نصيبنا الأبدي. ومع المفديين من كل العصور ومن كل قبيلة ولسان وشعب وأمة، سوف نرنم الترنيمة الجديدة لمجد الخروف الذي ذُبح. لقد كان في وسط اثنين من المجرمين في يوم اتضاعه العميق (يو19: 18)، وقريباً سوف ننظر إليه في وسط العرش كالغرض الأسمى لقلوب الذين خلّصهم بموته فوق صليب الجلجثة. ليته من الآن يشغل المكان الأول في حياتنا إذ كم هو يستحق ذلك! |
|