رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الصليب والحياة الطبيعية «الحق الحق أقول لكم: إن لم تقع حبة الحنطة في الأرض وتمت فهي تبقى وحدها، ولكن إن ماتت تأتي بثمر كثير. من يحب نفسه يهلكها ومن يبغض نفسه في هذا العالم يحفظها إلى حياة أبدية» (يو12: 24،25). يوضِّح الرب لنا هنا معنى الصليب بطريقة مبسطة، فيذكر أن حبه الحنطة، وإن كانت لها حياة طبيعية في ذاتها، ولكنها لن تتمكن من الإثمار إلا حينما تجتاز الموت. وإن الموت يجرِّد حبه الحنطة من قشرتها الخارجية، من محدوديتها، فالقشرة الخارجية تحصر بداخلها قوة حياة غير محدودة قادرة على الإثمار الكثير. قال المسيح مرة «لي صبغة أصطبغها وكيف أنحصر حتى تكمل» (لو12: 50)، فمع عظمة المسيح وعظمة حياته، أدرك أنه لن يكمل إلا إذا اصطبغ بصبغه الموت والصليب. وهكذا الحال معنا، فنحن كأولاد لله لنا قدرات إلهية كامنة في أعماقنا (1بط1: 5)، ولكن هذه القدرات لن تنفجر وتخرج إلى حيز الوجود إلا حينما تتفتت القشرة الخارجية، «لنا هذا الكنز في أوان خزفية» ولكي يرى الناس الكنز الموجود في داخلنا، وأعني به أثمار الروح القدس في حياتنا، يجب أن يُكسر الإناء الخزفي، والمقصود به الحياة الطبيعية الذاتية، وهذا هو مبدأ الله: فلكي يمتلئ المكان من رائحة الطيب يجب أن تنكسر قارورة الطيب، وكسر القارورة يعني أنها لن تعود تصلح مره أخرى إلى شيء. إن المسيح لم يُشبع الجموع بالخمس خبزات من شعير والسمكتين إلا بعد ما «كسر وبارك»، فقبل البركة والإثمار من المحتم أن يأتي الكسر، وهذا ليس بالشيء اليسير والهين علي الحياة الطبيعية، التي عادة ما تصارع على البقاء، فيعقوب ظل يصارعه إنسان حتى طلوع الفجر، ولكنه لم يُبارك ولم يأخذ لقب إسرائيل أي "أمير الله" إلا بعد أن "خلع الله حق فخذه"، فتكسير يعقوب كان حتمياً حتى يأخذ البركة. يا له من مبدأ عظيم وعميق في مقاصد الله وفكره، ويا ليتنا لا نقاوم يده العظيمة وهي تتدخل في حياتنا بغرض الكسر، فهو يكسر فقط الحياة الطبيعية الهشة الضعيفة التي ورثناها من آدم، يكسر الإنسان الخارجي، أما الداخل فيطلقه بدون حدود حتى يعطِّر المقادس، ويعطِّر أجواء هذا العالم الذي لا يعرف سوى الحياة الخارجية المحدودة. فبهذا الكسر تأتي بركات كثيرة وإثمار عظيم. ما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء! من عرف فكر الرب ومن صار له مشيراً! |
|