منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم اليوم, 11:46 AM   رقم المشاركة : ( 173981 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,258,008

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




يوم الرب يوم خلاص:

"فيغار الرب لأرضه ويرق لشعبه. ويُجيب الرب ويقول لشعبه هأنذا مُرسل لكم قمحًا ومِسطارًا وزيتًا لتشبعوا منها ولا أجعلكم أيضًا عارًا بين الأمم. والشمالي أُبعده عنكم وأطرده إلى أرض ناشفة ومقفرة مُقدمته إلى البحر الشرقي وساقته إلى البحر الغربي فيصعد نتنه وتطلع زُهمته لأنه قد تصلف في عمله.
لا تخافي أيتها الأرض ابتهجي وافرحي لأن الرب يُعظم عمله. لا تخافي يا بهائم الصحراء فإن مراعي البرية تنبُت لأن الأشجار تحمل ثمرها التينة والكرمة تُعطيان قوتهما. ويا بني صهيون ابتهجوا وافرحوا بالرب إلهكم لأنه يُعطيكم المطر المُبكر على حقه ويُنزل عليكم مطرًا مُبكرًا ومُتأخرًا في أول الوقت. فتُملأ البيادر حنطة وتفيض حياض المعاصر خمرًا وزيتًا. وأُعوض لكم عنْ السنين التي أكلها الجراد الغوغاء والطيار والقمص جيشي العظيم الذي أرسلته عليكم. فتأكلون أكلًا وتشبعون وتُسبحون اسم الرب إلهكم الذي صنع معكم عجبًا ولا يخزى شعبي إلى الأبد. وتعلمون أنى أنا في وسط إسرائيل وأنى أنا الرب إلهكم وليس غيري ولا يخزى شعبي إلى الأبد" (يؤ2: 18- 27).


** "يغار الرب لأرضه ويرق لشعبه": إنه مِن أهم دوافع خلاصنا، هي غيرة الرب ورقته على شعبه: "لأن السيد لا يرفض إلى الأبد. فإنه ولو أحزن يرحم حسب كثرة مراحمه" (مراثى3: 31، 32). ويشهد عنه بولس الرسول قائلًا: "الله بيًن محبته لنا لأنه ونحن بعد خُطاة مات المسيح لأجلنا" (رو5: 8).
** وبالرغم مِن كُل أخطاء الشعب، إلا أن الرب لا زال يُسميه شعبه ولم يخجل منه. هكذا أعلن الرب عن محبته في مثل الابن الضال والدرهم المفقود والخروف الضال (لو15). فكُل الذين نالوا نعمة البنوة لله بالمعمودية لا يُفقدهم تقصيرهم في محبة الرب أو ضلالهم بنوتهم لله لأنهم اصطبغوا بصبغته، بل لهم فرصة للرجوع إلى حُضن الآب طالما همْ في الجسد.
 
قديم اليوم, 11:48 AM   رقم المشاركة : ( 173982 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,258,008

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




** بركات الخلاص:

1 الأرض تعود تُعطي ثمرها، والبهائم تشبع، والإنسان يتمتع بالقمح والمسطار والزيت. خلاص الرب يُعطي شِبعًا فلا نكون مُحتاجين للعالم وملذاته، ونجد أنفسنا نُرنم مع داود قائلين: "الرب راعيَّ فلا يُعوزني شيء. في مراعِ خضر يُربضني. إلى مياه الراحة يُوردني. يرُد نفسي. يهديني إلى سُبل البر مِن أجل اسمه. أيضًا إذا سرت في وادي ظل الموت لا أخاف شرًا لأنك أنت معي. عصاك وعكازك هما يُعزيانني. تُرتب قدامى مائدة تجاه مُضايقيَّ. مسحت بالدهن رأسي. كأسى ريًا. إنما خير ورحمة يتبعانى كُل أيام حياتى وأسكن في بيت الرب إلى مدى الأيام" (مز23). ويقول أيضًا: "معك لا أريد شيئًا في الأرض" (مز73: 25).
2 "لا أجعلكم عارًا بين الأمم"، فالرب يُزيل مِن حياتنا أسباب العار، ويُعطينا نُصرة وكرامzة، "فمن يؤذيكم إن كُنتم مُتمثلين بالخير" (1بط3: 13). وحتى إن كُنا مُتألمين أو مُضطهدين فإننا نتبع وصية بطرس الرسول القائلة: "أيها الأحباء لا تستغربوا البلوى المُحرقة التي بينكم حادثة لأجل امتحانكم كأنه أصابكم أمر غريب. بل كما اشتركتم في آلام المسيح افرحوا لكي تفرحوا في استعلان مجده أيضًا مُبتهجين. إن عُيرتم باسم المسيح فطوبى لكم لأن روح المجد والله يحل عليكم.... فإذًا الذين يتألمون بحسب مشيئة الله فليستودعوا أنفسهم كما لخالق أمين في عمل الخير" (1بط4: 12- 19).
3 "الشعور بالفرح والبهجة"، فرح الرب لا يستطيع أحد أن ينزعه منًا. لأن خلاص الرب عوضنا عنْ كُل ما أتلفته الخطية فينا، فمراعي البرية تُنبت، البرية أي الأماكن التي لا يُمكن أن تأتي بثمر، إلا إنها في يد الرب تأتي بثمر كثير.
4 "تشبعون وتُسبحون": مِن بركات الخلاص أنها تُطلق أصواتنا بالتسبيح، لمنْ عظًم الصنيع معنا. كما قال السيد المسيح للإنسان الذي كان به روح نجس بعد أن شفاه: "اذهب إلى بيتك وإلى أهلك وأخبرهم كمْ صنع الرب بك ورحمك" (مر5: 19). وكما سبحت القديسة حنة بعد أن أعطاها الرب صموئيل النبي وقالت: "فرِح قلبي بالرب. ارتفع قرني بالرب. اتسع فمي على أعدائي. لأني قد ابتهجت بخلاصك" (1صم2: 1). ويقول دانيال النبي بعد أن أعلمه الرب بحلم الملك: "إياك يا إله آبائي أحمدُ وأُسبٍح الذي أعطاني الحكمة والقوة وأعلمني الآن ما طلبناه منك لأنك أعلمتنا أمر الملك" (دا2: 23). ويوصينا بولس الرسول قائلًا: "لأن ليس لنا هنا مدينة باقية لكننا نطلب العتيدة. فلنُقدٍم به (بالمسيح) في كُل حين لله ذبيحة التسبيح أي ثمر شِفاه مُعترفة باسمه" (عب13: 14، 15).
5 وبخلاص الرب يزداد إيماننا بالله، إذ يقول: "وتعلمون أنى أنا في وسط إسرائيل وأنى أنا الرب إلهكم وليس غيري ولا يخزى شعبي إلى الأبد" (يؤ2: 27). كما نطق أيوب بعد أن شفاه الرب قائلًا: "بسمع الأذن سمعت عنك والآن رأتك عيناي" (أي 42: 5).
 
قديم اليوم, 11:51 AM   رقم المشاركة : ( 173983 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,258,008

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


يوم الرب يوم حلول الروح القدس:



"ويكون بعد ذلك أنى أسكب روحي على كُل بشر فيتنبأ بنوكم وبناتكم ويحلم شيوخكم أحلامًا ويرى شبابكم رؤى. وعلى العبيد أيضًا وعلى الإماء أسكب روحي في تلك الأيام" (2: 28، 29).
هذه نبوة عنْ يوم حلول الروح القدس على التلاميذ وكُل المجتمعين معهم، الروح القدس الذي استحقه المؤمنين كثمرة للخلاص الذي قدًمه السيد المسيح بذاته. وهذا هو الوعد الذي أعطاه الرب لتلاميذه قبل صعوده عنهم، إذ قال لهم: "وفيما هو مجتمع معهم أوصاهم أن لا يبرحوا مِن أورشليم بل ينتظروا موعد الآب الذي سمعتموه مني. لأن يوحنا عمًد بالماء وأما أنتم فستتعمدون بالروح القدس ليس بعد هذه الأيام بكثير" (أع1: 4، 5). وجاء هذا الوعد بعدما دينَت الخطية بالصليب، وصرنا أبناء الله، واستحققنا حلول الروح القدس علينا.
في العهد القديم، الروح القدس كان يحل على ثلاثة فئات فقط مِن الشعب، الملوك والأنبياء والكهنة، وذلك عنْ طريق دهنهم بدُهن المسحة. أما في العهد الجديد صار الروح القدس عطية لكُل المؤمنين الرجال والنساء والأطفال والشيوخ العبيد والإماء، كما قال بولس الرسول: "أما الآن فاطرحوا عنكم أنتم أيضًا الغضب السخط الخبث التجديف الكلام القبيح مِن أفواهكم. لا تكذبوا بعضكم على بعض إذ خلعتم الإنسان العتيق مع أعماله ولبستم الجديد الذي يتجدًد للمعرفة حسب صورة خالقه. حيث ليس يوناني ويهودي ختان وغرلة بربري سكيثي عبد حر بل المسيح الكُل وفي الكُل" (كو3: 8- 11).
** ونستحق حلول دوام عمل الروح القدس فينا، إذا:
# داومنا على تقديم توبة نقية للرب، مثلما جاء في (يؤ1: 13، 14).
# انتظار الخلاص من الرب ونحن مؤمنين أنه لا بُد أن يُخلٍص الذين التجأوا إليه، كما جاء في (يؤ2: 18-27).
# الإيمان الكامل بوعد الرب لنا بالامتلاء مِن الروح القدس.
 
قديم اليوم, 11:52 AM   رقم المشاركة : ( 173984 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,258,008

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

يوم الرب الأخير:

"وأعطى عجائب في السماء والأرض دمًا ونارًا وأعمدة دُخان. تتحول الشمس إلى ظُلمة والقمر إلى دم قبل أن يجئ يوم الرب العظيم المخوف. ويكون أن كُل منْ يدعو باسم الرب ينجو. لأنه في جبل صهيون وفي أورشليم تكون نجاة. كما قال الرب. وبين الباقين منْ يدعوه الرب" (يؤ2: 30- 32).
هذه نبوة أيضًا على اليوم الأخير، هي غير مُحدًدة بزمان، كما قال السيد المسيح عنْ هذه الأيام: "فيما هو جالس على جبل الزيتون تقدم إليه التلاميذ على إنفراد قائلين قُل لنا متى يكون هذا وما هي علامة مجيئك وانقضاء الدهر. فأجاب يسوع وقال لهم أنظر لا يُضلكم أحد. فإن كثيرين سيأتون باسمي قائلين أنا هو المسيح ويضلون كثيرين. وسوف تسمعون بحروب وأخبار حروب. أنظروا لا ترتاعوا. لأنه لا بُد أن تكون هذه كُلها. ولكن ليس المنتهى بعد. لأنه تقوم أمة على أمة ومملكة على مملكة وتكون مجاعات وأوبئة وزلازل في أماكن. ولكن هذه كُلها مُبتدأ الأوجاع. حينئذ يُسلمونكم إلى ضيق ويقتلونكم وتكونون مُبغضين مِن جميع الأمم لأجل اسمي. وحينئذ يعثر كثيرون ويُسلمون بعضهم بعضًا. ويقوم أنبياء كذبة كثيرين ويُضلون كثيرين. ولكثرة الإثم تبرد محبة الكثيرين. ولكن الذي يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص. ويُكرز ببشارة الملكوت هذه في كُل المسكونة شهادة لجميع الأمم. ثم يأتي المنتهى" (مت23: 3- 14).
ونلاحظ أنه في السفر يقول "كُل منْ يدعو باسم الرب ينجو". كُل منْ يبقى أمينًا للرب ينجو.
ويقول السفر أيضًا "في أورشليم تكون نجاة"، فليست نجاة خارج الكنيسة، والالتزام بصلواتها. لذلك علينا أن نُصلي مع داود الملك قائلين: "علمني يا رب طريق فرائضك فأحفظها إلى النهاية. فهمني فألاحظ شريعتك وأحفظها بكل قلبي. دربني في سبيل وصاياك لأني بها سُررت. أمل قلبي إلى شهاداتك لا إلى المكسب. حوٍل عينيَّ عنْ النظر إلى الباطل. في طريقك أحيني. أقم لعبدك قولك الذي لمُتقيك. أزل عاري الذي حَذِرت منه لأن أحكامك طيبة. هأنذا قد اشتهيت وصاياك. بعدلك أحيني" (مز119: 33- 39).

 
قديم اليوم, 11:53 AM   رقم المشاركة : ( 173985 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,258,008

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


يوم الدينونة العظيم

"لأنه هوذا في تلك الأيام وفي ذلك الوقت عندما أرد سبي يهوذا وأورشليم أجمع كُل الأمم وأُنزلهم إلى وادي يهوشافاط وأحاكمهم هناك على شعبي وميراثي إسرائيل الذين بددوهم بين الأمم وقسموا أرضي وألقوا قرعة على شعبي وأعطوا الصبي بزانية وباعوا البنت بخمر ليشربوا.
وماذا أنتن لي يا صور وصيدون وجميع دائرة فلسطين. هل تُكافئونني عنْ العمل أم هل تصنعون بي شيئًا. سريعًا بالعجل أرد عملكم على رؤوسكم. لأنكم أخذتم فضتي وذهبي وأدخلتم نفائسي الجيدة إلى هياكلكم. وبعتم بني يهوذا وبني إسرائيل لبني الياوانيين لكي تُبعدوهم عنْ تخومهم. هأنذا أُنهضهم مِن الموضع الذي بعتموهم إليه وأرد عملكم على رؤوسكم. وأبيع بنيكم وبناتكم بيد بني يهوذا ليبيعوهم للسبائيين لأمة بعيدة لأن الرب قد تكلم.


نادوا بهذا بين الأمم. قدٍسوا حربًا أنهضوا الأبطال ليتقدم ويصعد كُل رجال الحرب. اطبعوا سِكاتكم سيوفًا ومناجلكم رِماحًا. ليقُل الضعيف بطُل أنا. أسرعوا وهلموا يا جميع الأمم مِن كُل ناحية واجتمعوا. إلى هناك أنزل يا رب أبطالك. تنهض وتصعد الأمم إلى وادي يهوشافاط لأني هناك أجلس لأحاكم جميع الأمم مِن كُل ناحية. أرسلوا المنجل لأن الحصيد قد نضج. هلموا دوسوا لأنه قد امتلأت المعصرة. فاضت الحياض لأن شرهم كثير" (يؤ3: 1- 13).
وادي يهوشافاط معناها "دينونة الرب"، وهذا الأصحاح يتكلم عنْ يوم الدينونة التي يدين فيها الله كُل الأمم الذين أذلوا شعبه في هذا المكان.
 
قديم اليوم, 11:54 AM   رقم المشاركة : ( 173986 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,258,008

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


أسباب الدينونة:

** لأنهم بددوا شعب الرب وقسموا الأرض.
** باعوهم كأسرى... الصبي بزانية والبنت بخمر.
** باعوا أبناء يهوذا لليونانيين، فكان في أثينا 400000 عبد يهودي، وفي كورنثوس 460000 عبد يهودي، ويُباع يوميًا في دبلوس 10000 عبد يهودي. إذ كان أهل صور تُجار رقيق، ولكن انتقم الرب منها فبيع مِن أبنائها 13000 للعرب أمام الإسكندر الأكبر -كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى- (السبائيين هم العرب).
** صور وصيدون وفلسطين، هي بلاد مُجاورة ليهوذا، وقد تأذت منهم يهوذا أكثر مِن غيرها.
ومِن أجل يوم الدينونة هذا يُحذرنا بطرس الرسول قائلًا: "لا يَخف عليكم هذا الشيء الواحد أيها الأحباء أن يومًا واحدًا عند الرب كألف سنة وألف سنة كيوم واحد. لا يتباطأ الرب عن وعده كما يحسب قوم التباطؤ لكنه يتأنى علينا وهو لا يشاء أن يهلك أُناس بل أن يُقبل الجميع إلى التوبة. ولكن سيأتي كلص في الليل يوم الرب الذي فيه تزول السموات بضجيج وتنحل العناصر مُحترقة وتحترق الأرض والمصنوعات التي فيها.
فبما أن هذه كُلها تنحل أي أُناس يجب أن تكونوا أنتم في سيرة مُقدسة وتقوى مُنتظرين وطالبين سرعة مجيء يوم الرب" (2بط3: 8- 12).
 
قديم اليوم, 11:55 AM   رقم المشاركة : ( 173987 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,258,008

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


يوم الدينونة مُخيف للخطاة:

إذ يقول الرب: "«وَمَتَى جَاءَ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي مَجْدِهِ وَجَمِيعُ الْمَلاَئِكَةِ الْقِدِّيسِينَ مَعَهُ، فَحِينَئِذٍ يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ.. ثُمَّ يَقُولُ أَيْضًا لِلَّذِينَ عَنِ الْيَسَارِ: اذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلاَعِينُ إِلَى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ الْمُعَدَّةِ لإِبْلِيسَ وَمَلاَئِكَتِهِ، لأَنِّي جُعْتُ فَلَمْ تُطْعِمُونِي. عَطِشْتُ فَلَمْ تَسْقُونِي. كُنْتُ غَرِيبًا فَلَمْ تَأْوُونِي. عُرْيَانًا فَلَمْ تَكْسُونِي. مَرِيضًا وَمَحْبُوسًا فَلَمْ تَزُورُونِي. حِينَئِذٍ يُجِيبُونَهُ هُمْ أَيْضًا قَائِلِينَ: يَا رَبُّ، مَتَى رَأَيْنَاكَ جَائِعًا أَوْ عَطْشَانًا أَوْ غَرِيبًا أَوْ عُرْيَانًا أَوْ مَرِيضًا أَوْ مَحْبُوسًا وَلَمْ نَخْدِمْكَ؟ فَيُجِيبُهُمْ قِائِلًا: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ لَمْ تَفْعَلُوهُ بِأَحَدِ هؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ، فَبِي لَمْ تَفْعَلُوا. فَيَمْضِي هؤُلاَءِ إِلَى عَذَابٍ أَبَدِيٍّ»." (مت 25: 31، 41-46).
** سيستخدم الرب شعبه في يوم الدينونة هذا، "يصعد كُل رجال الحرب". كما قال بولس الرسول: "ألستم تعلمون أن القديسين سيدينون العالم... ألستم تعلمون أننا سندين ملائكة" (1كو6: 2، 3).
وقال أيضًا لتلاميذه: "أَنْتُمُ الَّذِينَ ثَبَتُوا مَعِي فِي تَجَارِبِي، وَأَنَا أَجْعَلُ لَكُمْ كَمَا جَعَلَ لِي أَبِي مَلَكُوتًا، لِتَأْكُلُوا وَتَشْرَبُوا عَلَى مَائِدَتِي فِي مَلَكُوتِي، وَتَجْلِسُوا عَلَى كَرَاسِيَّ تَدِينُونَ أَسْبَاطَ إِسْرَائِيلَ الاثْنَيْ عَشَرَ»." (لو 22: 28-30).
** "الأبطال" هم ملائكة الرب التي سوف يُرسلها في نهاية الأيام لتفرز الخراف عنْ الجداء.
** "ليقُل الضعيف بطل أنا"، ونحن أيضًا نكون أبطالًا في عين الرب عندما نُجاهد ضد الخطية بشجاعة، ونحرص على نقاوة قلوبنا أمام الرب، ونحفظ وصاياه، ونعيش له بالأمانة إلى آخر العمر. وقد قدًم لنا بولس الرسول الأسلحة التي يجب أن نحملها لنكون أبطال حقيقيين: "أخيرًا يا إخوتي تقووا في الرب وفي شدة قوته. البسوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا أن تثبتوا ضد مكايد إبليس. فإن مُصارعتنا ليست مع لحم ودم بل مع الرؤساء مع السلاطين مع ولاة العالم على ظُلمة هذا الدهر مع أجناد الشر الروحية في السماويات. مِن أجل ذلك احملوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا أن تقاوموا في اليوم الشرير وبعد أن تتمموا كُل شيء أن تثبتوا. فإثبتوا مُمنطقين أحقاءكم بالحق ولابسين درع البر وحاذين أرجلكم باستعداد إنجيل السلام. حاملين فوق الكُل تُرس الإيمان الذي به تقدرون أن تُطفئوا جميع سهام الشرير المُلتهبة. وخذوا خوذة الخلاص وسيف الروح الذي هو كلمة الله. مُصلين بكُل صلاة وطلبة كُل وقت في الروح وساهرين لهذا بعينه بكُل مواظبة وطلبة لأجل جميع القديسين" (أف6: 10- 18).
 
قديم اليوم, 11:59 AM   رقم المشاركة : ( 173988 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,258,008

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


يوم الدينونة للأبرار يوم خلاص وفرح:

"جماهير جماهير في وادي القضاء لأن يوم الرب قريب في وادي القضاء. الشمس والقمر يظلمان والنجوم تحجز لمعانها. والرب مِن صهيون يُزمجر ومِن أورشليم يُعطي صوته فترجُف السماء والأرض. ولكن الرب ملجأ لشعبه وحصن لبني إسرائيل. فتعرفون أنى أنا الرب إلهكم ساكناُ في صهيون جبل قدسي وتكون أورشليم مُقدسة ولا يجتاز فيها الأعاجم في ما بعد.


ويكون في ذلك اليوم أن الجبال تقطر عصيرًا والتلال تفيض لبنًا وجميع ينابيع يهوذا تفيض ماء ومِن بيت الرب يخرج ينبوع ويسقى وادي السنط. مصر تصير خرابًا وأدوم تصير قفراُ خربًا مِن أجل ظلمهم لبني يهوذا الذين سفكوا دمًا بريئًا في أرضهم. ولكن يهوذا تُسكَن إلى الأبد وأورشليم إلى دور فدور. وأبرئ دمهم الذي لم أبرئه والرب يسكن في صهيون" (يؤ3: 14- 21).
وادي القضاء هو وادي يهوشافاط.
** "الشمس والقمر يظلمان والنجوم تحجز لمعانها"، فقد قال يوحنا الإنجيلي عنْ ذلك: "المدينة لا تحتاج إلى الشمس ولا إلى القمر ليُضيئا فيها لأن مجد الله قد أنارها والخروف سراجها. وتمشي شعوب المخلًصين بنورها وملوك الأرض يجيئون بمجدهم وكرامتهم إليها" (رؤ21: 23، 24). وكما قال بطرس الرسول عنهم: "تتحول الشمس إلى ظلمة والقمر إلى دم قبل أن يجئ يوم الرب العظيم الشهير" (أع2: 20).
** يوم الدينونة للمؤمنين يوم فرح وسلام وتعزية عوضًا عنْ كُل أتعاب الأرض. فبولس الرسول يقول: "نحن الأحياء الباقين سنُخطف جميعًا معهم في السُحب لملاقاة الرب في الهواء. وهكذا نكون كُل حين مع الرب. لذلك عزوا بعضكم بعضًا بهذا الكلام" (1تس4: 17، 18).
ويصف لنا سفر الرؤيا انتظار المؤمنين ليوم الدينونة فيقول: "ثم رأيت سماء جديدة وأرضًا جديدة لأن السماء الأولى والأرض الأولى مضتا والبحر لا يوجد في ما بعد. وأنا يوحنا رأيت المدينة المقدسة أورشليم الجديدة نازلة مِن السماء مِن عند الله مُهيئة كعروس مُزينة لرجلها. وسمعت صوتًا عظيمًا مِن السماء قائلًا هوذا مسكن الله مع الناس وهو سيسكن معهم وهم يكونون له شعبًا والله نفسه يكون معهم إلهًا لهم. وسيمسح الله كُل دمعة مِن عيونهم والموت لا يكون في ما بعد ولا يكون حزن ولا صُراخ ولا وجع في ما بعد لأن الأمور الأولى قد مضت. وقال الجالس على العرش ها أنا أصنع كُل شيء جديدًا. وقال لي أكتب فإن هذه الأقوال صادقة وأمينة. ثم قال لي قد تم. أنا هو الألف والياء البداية والنهاية. أنا أُعطى العطشان مِن ينبوع ماء الحياة مجانًا. منْ يغلب يرث كُل شيء وأكون له إلهًا وهو يكون لي ابنًا" (رؤ21: 1- 7).
** "مصر وأدوم تخرب"، مصر عدو قديم لإسرائيل، وأدوم هو عيسو أخو يعقوب وهو عدو لأبناء يعقوب.
** "وادي السنط". يبعد كثيرًا عن هيكل أورشليم ويقع على الشاطئ الآخر مِن نهر الأردن. وكان واديًا جافًا مُقفرًا، وقوله أن الينبوع يروى وادي السنط معناها أن الخير في آخر الأيام سوف يعُم حتى على الأماكن المُقفرة.
والسنط هو خشب وشجر، السنط هو شجر البرية الذي ينمو في ظروف البيئة القاسية، فهو يُعتبر رمز للنصرة على كُل الظروف القاسية. والسنط أيضًا رمز الحياة التي تغلب الموت إذ أنه ينمو في بيئة تموت فيها كُل الأشجار.
ونرى خشب السنط مُغشى بالذهب في تابوت العهد والمائدة ومذبح البخور، أما مذبح المحرقة فمنْ خشب السنط المُغشى بالنحاس. أما ألواح المسكن فمن خشب السنط المُغشى بالذهب وهي رمز للمؤمنين الذين هم في المسيح يسوع.
 
قديم اليوم, 12:25 PM   رقم المشاركة : ( 173989 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,258,008

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

Rose رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الأصوام تتحول إلى أعياد



بعد أن قدم لهم درسًا مرًا من واقع تاريخهم يكشف عن قساوة قلب آبائهم، عاد ليؤكد لهم غيرته المتقدة نحو أورشليم عروسه. إن كان قد سمح لها بالتأديب القاسي فعاشت في مرارة لكنه يوّد أنه يحول حزنها إلى فرح وأصوامها إلى أعياد، يباركها ويقيمها بركة للأمم. هكذا حوّل السؤال الذي وجهه أهل بيت إيل بخصوص الصوم إلى الجانب الإيجابي: الكشف عن محبة الله لهم وتحقيق رسالته فيهم بحلوله في وسطهم كسرّ فرحهم الداخلي.

1. غيرة الله على صهيون:

1 وَكَانَ كَلاَمُ رَبِّ الْجُنُودِ قَائِلًا: 2 «هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: غِرْتُ عَلَى صِهْيَوْنَ غَيْرَةً عَظِيمَةً، وَبِسَخَطٍ عَظِيمٍ غِرْتُ عَلَيْهَا. 3 هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: قَدْ رَجَعْتُ إِلَى صِهْيَوْنَ وَأَسْكُنُ فِي وَسَطِ أُورُشَلِيمَ، فَتُدْعَى أُورُشَلِيمُ مَدِينَةَ الْحَقِّ، وَجَبَلُ رَبِّ الْجُنُودِ الْجَبَلَ الْمُقَدَّسَ.

بينما هم يتساءلون عن الصوم الذي فرضوه على أنفسهم بسبب السبي إذا به يدخل بهم إلى أعماقه ليكتشفوا لهيب محبته المتقدة من نحوهم. وكأنه يجيب على سؤالهم بالقول: إني إله غيور محب لكم، تلامسوا مع محبتي النارية لتصيروا أنتم أيضًا نارًا ملتهبة لا تقدر الأحداث أن تطفئها.
يعلن العريس السماوي غيرته على شعبه الراجع من السبي الساقط تحت التأديب بسبب زناه الروحي وانحرافه: "غرت على صهيون غيرة عظيمة وبسخط عظيم غرت عليها... قد رجعت إلى صهيون وأسكن في وسط أورشليم، فتُدعي أورشليم مدينة الحق وجبل رب الجنود الجبل المقدس" [3].
أولًا: يؤكد الله غيرته عليها حتى وإن أدبها إلى حين
وكما يقول القديس ديديموس الضرير: [هذا ما يقوله ربنا ضابط الكل: "أحببت أورشليم أو صهيون، فإني أذكرها بعدما رفضتها وطردتها فصارت محتقرة من الغرباء؛ إني أحبها ليس أي حب كان وإنما أحبها بشدة عظيمة".
إنه العريس الغيور الذي يشتاق إلى عودة عروسه في بيت الزوجية. حقًا لقد احتقرته عروسه وزنت وراءه وخانته (أر 3: 2)، ولكنها إذ دخلت تحت الضيق أدركت خطأها فقالت: "أذهب وأرجع إلى رجلي الأول لأنه حينئذ كان خير ليّ من الآن" (هو 2: 7)، والعجيب أن رجلها الأول لا يرفضها بل يعاتبها في الماضي وإنما في حبه يتضع، قائلًا: "قد رجعت إليَّ صهيون وأسكن في وسط أورشليم"... معلنًا اشتياقه إلى حلوله فيها. عوض الخراب الذي حلّ بها يجعلها مدينة الحق وعوض الانحدار الذي هبطت إليه يجعلها جبله المقدس].
يقول القديس ديديموس الضرير: [تسمى من جديد مدينة الحق. فالحق لا تكون بعد برية (خربة) وإنما مدينة مكتظة بالسكان وبها مبانٍ كثيرة: الهيكل والمنازل المرتفعة، وتقام بها شوارع وطرق... ومن الجانب الروحي فإن أورشليم تمثل النفس التي تتأمل الأمور غير المنظورة والأبدية (لأن أورشليم تعني رؤية السلام)، فتري النفس السلام خلال الإتفاق المتبادل بين الحياة الفاضلة والحب الإلهي؛ فمن جانبها تلتهب بشعلة الحب فترجع إليه، ومن جانبه يرجع إليها يسمع توسلاتها ويعطيها سؤالها، فلا تكف عن الصلاة إليه... وتدعى "مدينة الحق" لأنها تسلك حسب الحق الذي تكتشفه تحت ظل الناموس، ولأنها "تفتش الكتب الإلهية" (يو 5: 39، 2 تي 3: 16) فتنعم بالحق].
هذا هو عمل العريس الغيور، يدخل إلى قلبنا فيجعله مدينة أورشليم، مدينة الحق، فننعم برؤية السلام بين نفوسنا والله، وندخل إلى أعماق الحق الإنجيلي ولا نقف عند الظلال والرموز التي للناموس.
إنه يقيمنا أيضًا "جبله المقدس"، وكما يقول المزمور: "الذين يثقون في الرب يكونون كجبل صهيون" (مز 124: 1)، يرفعنا بعد الانحدار الذي أصابنا لكي نبلغ بروحه القدوسه إلى الأعالي ثابتين فيه كالجبل لا تقدر عواصف العالم وخداعات إبليس أن تزعزعنا.
2. حلول البركة والسلام:

4 «هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: سَيَجْلِسُ بَعْدُ الشُّيُوخُ وَالشَّيْخَاتُ فِي أَسْوَاقِ أُورُشَلِيمَ، كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ عَصَاهُ بِيَدِهِ مِنْ كَثْرَةِ الأَيَّامِ. 5 وَتَمْتَلِئُ أَسْوَاقُ الْمَدِينَةِ مِنَ الصِّبْيَانِ وَالْبَنَاتِ لاَعِبِينَ فِي أَسْوَاقِهَا. 6 « هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: هأَنَذَا إِنْ يَكُنْ ذلِكَ عَجِيبًا فِي أَعْيُنِ بَقِيَّةِ هذَا الشَّعْبِ فِي هذِهِ الأَيَّامِ، أَفَيَكُونُ أَيْضًا عَجِيبًا فِي عَيْنَيَّ؟ يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ. 7 « هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: هأَنَذَا أُخَلِّصُ شَعْبِي مِنْ أَرْضِ الْمَشْرِقِ وَمِنْ أَرْضِ مَغْرِبِ الشَّمْسِ. 8 وَآتِي بِهِمْ فَيَسْكُنُونَ فِي وَسَطِ أُورُشَلِيمَ، وَيَكُونُونَ لِي شَعْبًا، وَأَنَا أَكُونُ لَهُمْ إِلهًا بِالْحَقِّ وَالْبِرِّ. 9 «هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: لِتَتَشَدَّدْ أَيْدِيكُمْ أَيُّهَا السَّامِعُونَ فِي هذِهِ الأَيَّامِ هذَا الْكَلاَمَ مِنْ أَفْوَاهِ الأَنْبِيَاءِ الَّذِي كَانَ يَوْمَ أُسِّسَ بَيْتُ رَبِّ الْجُنُودِ لِبِنَاءِ الْهَيْكَلِ. 10 لأَنَّهُ قَبْلَ هذِهِ الأَيَّامِ لَمْ تَكُنْ لِلإِنْسَانِ أُجْرَةٌ وَلاَ لِلْبَهِيمَةِ أُجْرَةٌ، وَلاَ سَلاَمٌ لِمَنْ خَرَجَ أَوْ دَخَلَ مِنْ قِبَلِ الضِّيقِ. وَأَطْلَقْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ، الرَّجُلَ عَلَى قَرِيبِهِ. 11 أَمَّا الآنَ فَلاَ أَكُونُ أَنَا لِبَقِيَّةِ هذَا الشَّعْبِ كَمَا فِي الأَيَّامِ الأُولَى، يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ. 12 بَلْ زَرْعُ السَّلاَمِ، الْكَرْمُ يُعْطِي ثَمَرَهُ، وَالأَرْضُ تُعْطِي غَلَّتَهَا، وَالسَّمَاوَاتُ تُعْطِي نَدَاهَا، وَأُمَلِّكُ بَقِيَّةَ هذَا الشَّعْبِ هذِهِ كُلَّهَا. 13 وَيَكُونُ كَمَا أَنَّكُمْ كُنْتُمْ لَعْنَةً بَيْنَ الأُمَمِ يَا بَيْتَ يَهُوذَا وَيَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ، كَذلِكَ أُخَلِّصُكُمْ فَتَكُونُونَ بَرَكَةً فَلاَ تَخَافُوا. لِتَتَشَدَّدْ أَيْدِيكُمْ. 14 «لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: كَمَا أَنِّي فَكَّرْتُ فِي أَنْ أُسِيءَ إِلَيْكُمْ حِينَ أَغْضَبَنِي آبَاؤُكُمْ، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ، وَلَمْ أَنْدَمْ. 15 هكَذَا عُدْتُ وَفَكَّرْتُ فِي هذِهِ الأَيَّامِ فِي أَنْ أُحْسِنَ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَبَيْتِ يَهُوذَا. لاَ تَخَافُوا.

كأن الله يقول لشعبه: الآن يوجد ما هو أهم من التساؤل إن كنتم تصومون أم تتوقفون عن الصوم الخاص بالسبي ألاَّ وهو إدراك مركزكم الجديد بعد أن أقمتكم كأورشليم الجديدة، مدينة الحق، وجبل صهيون الجديد، جبلي المقدس... تأملوا عطاياي ونعمي وتمسكوا بها. إن صمتم نائحين أو عيدتم فرحين فليكن فيكم هذا الهدف أن أسكن فيكم فتحل بركتي عليكم وتنعمون بسلامي الفائق.

هكذا يكشف الله عن بركات سكناه فينا بقوله:
أولًا: "سيجلس بعد الشيوخ والشيخات في أسواق أورشليم، كل إنسان منهم عصاه بيده من كثرة الأيام" [4]. من الجانب الحرفي، إذ يحل الله في وسطهم يمتلئون أيامًا صالحة ويحل السلام فيهم يفاجئهم الموت في شبابهم بل يعيشون حتى الشيخوخة، مملوئين صحة إذ ينزلون إلى أسواق المدينة يشترون احتياجاتهم ممسكين كل واحد عصاه بيده. أما من الجانب الرمزي فأسواق أورشليم التي يجلس فيها الشيوخ والشيخات هي فيض الحكمة الذي يناسب كنهر يفرح مدينة الله (مز 46: 4)، يستطيع الكل أن ينزل إليه ليرتوي منه، أو يدخل الأسواق ليقتنيه. وكما يقول الحكيم: "الحكمة تُنادي في الخارج، في الشوارع تعطي صوتها" (أم 1: 20). هذه الحكمة إنما هي: "شخص السيد المسيح"، الذي نزل من السماء وتقدم إلينا كعبد، يمكن للجميع أن يقتنيه في داخله وينعم به؛ هذا الذي تقول عنه العروس: "في الليل على فراشي طلبت من تحبه نفسي، طلبته فما وجدته؛ إني أقوم وأطوف في المدينة في الأسواق وفي الشوارع أطلب من تحبه نفسي" (نش 3: 1-2). فإذ يلتهب قلبها شوقًا إلى عريسها، "الحكمة عينها" تطلبه فلا تجده بجوارها، فتقوم بالتوبة من سريرها وتدخل إلى الكنيسة "المدينة المقدسة"، وتطوف في أسواقها وشوارعها، فتجده متجليًا في داخلها، يقدم ذاته لمن يطلبه.

ثانيًا: "وتمتلئ أسواق المدينة من الصبيان والبنات لاعبين في أسواقها" [5]. وجود الصبيان والبنات أيضًا في الأسواق يلعبون إنما يُشير إلى الطمانينة التي سادت على الجميع وعدم وجود حرب تنزع الفرح عن الكبار والصغار. وكما وصف إشعياء النبي العصر المسياني: "فأبتهج بأورشليم وأفرح بشعبي ولا يُسمع بعد فيها صوت بكاء ولا صوت صراخ، ولا يكون بعد هناك طفل أيام ولا شيخ لم يكمل أيامه، لأن الصبي يموت ابن مئة سنة" (إش 65: 19-20).
مع الشيوخ يوجد في السواق أيضًا أولاد يلعبون، هؤلاء هم جماعة البسطاء الذين بلغوا إلى "الطفولة" ليعيشوا في الرب بلا هّم، وكأن أسواق الكنيسة تضم حكمة الشيوخ مع بساطة الأطفال، كقول الرب لتلاميذه: "كونوا حكماء كالحيات وبسطاء كالحمام" (مت 10: 16).
وكما يقول القديس جيروم: [كن بسيطًا كحمامة فلا تلقي فخًا لأحد، وكن حكيمًا (بارعًا) كحية لا تسمح لأحد أن ينصب أمامك فخًا].
ويقدم لنا القديس ديديموس الضرير تفسيرًا رائعًا لهؤلاء الأطفال البسطاء الذين يلعبون في أسواق الكنيسة أي المدينة المقدسة: [يوجد أيضًا بنات صغار وصبيان ابتدأوا يلعبون لعبة تستحق المديح، لعبها داود الرجل الذي قلبه حسب الرب (أع 13: 22؛ 1 صم 13: 14). محققًا إرادة من اختاره، معلنًا بثقة أكيدة: "لعبت أمام الرب" (2 صم 6: 21). يمكننا أن نقول أن الأطفال الذين يلعبون في الأماكن الشعبية (الأسواق) التي بمدينة الرب المجيدة هم أُناس تكرسوا للرب منذ طفولتهم، فبنقاوة مع كرامة عميقة ارتبطوا بكلام مقدسة غير ملوم (تي 2: 7-8)].
في تفسيرنا في سفر الخروج رأينا أن الأولاد يشيرون إلى النفس والبنات إلى الجسد، فمتي تقدس الإنسان بكليته يأتي بثمار للنفس والجسد معًا. فلا يوجد بعد صراع بينهما بل يعملا معًا بالروح القدس، وتأتي الثمار كصبيان وبنات يلعبون معًا في أسواق المدينة المقدسة بفرح مجيد لا يُنطق به.
أخيرًا فقد ضمت أسواق المدينة الشيوخ مع الشيخات والصبيان مع الفتيات، أي الرجال مع النساء، والكبار مع الصغار...
وكما يقول القديس ديديموس الضرير: [فقد صار الكل خورسًا واحدًا ينشدون تسبحة واحدة بقلب واحد، وكما جاء في المزمور "الأحداث والعذارى أيضًا الشيوخ مع الفتيان ليسبحوا اسم الرب" (مز 148: 12-13). كما تهتم بالشيوخ الحكماء لا تتجاهل الشيخات الحكيمات اللواتي يقمن بدورهن في الكنيسة. وكما تفرح الكنيسة بحكمة الكبار تبتهج أيضًا بنصرة الأحداث، إذ يقول الرسول: "كتبت إليكم أيها الأحداث لأنكم أقوياء وكلمة الله ثابتة فيكم وقد غلبتم الشرير" (1 يو 2: 12-14)].
هذا العمل الإلهي في حياة جميع أعضاء الكنيسة يبدو مستحيلًا، إذ يقول النبي: "هكذا قال رب الجنود: إن يكن ذلك عجيبًا في أعين بقية هذا الشعب في هذه الأيام أفيكون أيضًا عجيبًا في عيني يقول رب الجنود؟‍‍‍!"]6]. إن كان العدو قد حطم أورشليم تمامًا فصار في أعين الكل استحالة عودة الفرح إليها، لكن ليس في عيني الله، إذ "كل شيء ممكن لدى الله" (مت 19: 26)... إنه يرد لها مجدها وفرحها بسكناه فيها!

ثالثًا: "هأنذا أخلص شعبي من أرض المشرق ومن أرض مغرب الشمس، وآتي بهم فيسكنون في وسط أورشليم ويكونون ليّ شعبًا وأنا أكون لهم إلهًا بالحق والبرّ" [7-8].
لا تضم أورشليم الجديدة خورسًا واحدًا من الشيوخ والشيخات والصبيان والفتيات وإنما يضم شعبًا واحدًا للرب من مشارق الشمس ومغاربها، إذ ينفتح باب الخلاص لجميع الأمم ويصير الكل واحدًا في الرب. هذه هي البركة العظمي لسكن الله وسط البشر وحلوله بيننا.
يقول القديس ديديموس الضرير: [هكذا قال رب الجنود: هأنذا أخلص شعبي من أرض المشرق ومن أرض مغرب الشمس، ليس فقط شعب الختان وإنما الشعب الذي من كل الأمم الذين يؤمنون بالرب المعلن في الأنجيل. قديمًا كان الشعب بالحق من أمة واحدة، من العبرانيين... حسب شهادة موسى: "حين قسم العلي للأمم، حين فرّق بني آدم، نصب تخومًا لشعوب حسب عدد بني إسرائيل، إن قسم الرب هو شعبه، يعقوب جبل نصيبه" (تث 32: 8-9)... كما قيل: "ويكون في ذلك اليوم أن أصل يسى القائم راية للشعوب إياه تطلب الأمم ويكون محله مجدًا" (إش 11: 10؛ رو 15: 12)... "تهللوا أيها الأمم شعبه" (تث 32: 43). فلم يعد هذا الشعب هو شعب العبرانيين وحدهم وإنما معهم من يعبدون الرب ويخدمونه كما تنبأ المزمور: "كل الأمم تتعبد له" (مز 72: 11)، وفي نص آخر: "كل الأمم الذين صنعتهم يأتون ويسجدون أمامك يا رب ويمجدون اسمك" (مز 86: 9)، وأيضًا: "تذكر وترجع إلى الرب كل أقاصي الأرض وتسجد قدامك كل قبائل الأمم، لأن للرب المُلك وهو المتسلط على كل الأمم" (مز 22: 27-28)... ويعلن الإنجيل عن إتحاد البشر من كل بلد بذكره كلمات المخلص: "كثيرون سيأتون من المشارق والمغارب ويتكئون مع إبراهيم وإسحق ويعقوب" (مت 8: 11). هذه الدعوة موجهة إلى كل جهات العالم. يضاف إلى هذا ما قيل: "إله الآلهة الرب تكلم ودعا الأرض من مشرق الشمس إلى مغربها" (مز 50: 1)... متى تكلم إله الآلهة ودعا الأرض من المشارق إلى المغارب؟ عندما ترك شعب الختان لأنهم جحدوا المخلص ملك الملوك بقولهم: "ليس لنا ملك إلاَّ قيصر" (يو 19: 15)، "دمه علينا وعلى أولادنا" (مت 27: 25). فبصلبهم للسيد المسيح سقطوا وانتهت عبادة الحرف، واستطاع الرب أن يقول لهم: "ليس ليّ مسرة بكم قال رب الجنود ولا أقبل تقدمة من يدكم لأنه من مشرق الشمس إلى مغربها إسمي عظيم بين الأمم وفي كل مكان يقرب لإسمي بخور وتقدمة طاهرة لأن إسمي عظيم بين الأمم" (ملا 1: 10-11)...].
هكذا يرد الله البشرية من المشارق والمغارب لتكون شعبًا له بالحق والبر. وما نقوله عن البشرية نقوله عن الإنسان، فإن الله يرده عن كل ضربة يمينية (من المشارق) وكل ضربة شمالية أو يسارية (من المغارب)، أي من السقوط تحت الخطايا الظاهرة ومن البر الذاتي ليكون بكامله لله متمتعًا بالحق والبر في المسيح يسوع.

رابعًا: إذ يجتمع شعب الله من كل الأمم بقلب واحد تكون له الأيدي المتشددة القوية القادرة بالرب على بناء الهيكل: "لتتشدد أيديكم أيها السامعون في هذه الأيام هذا الكلام من أفواه الأنبياء الذي كان يوم أسس بيت رب الجنود لبناء الهيكل" [9].
يقول القديس ديديموس الضرير: [يوصي الرب ضابط الكل أن تكون الأيدي المكرسة له قوية... وذلك بترجمة التعاليم الروحية إلى عمل حقيقي، فيرتبط العمل بالكلام؛ فلا يكون السامعون للناموس مجرد سامعين وإنما يحولون السماع إلى ثمر في أعمالهم].
إن كنا قد سمعنا من أفواه الأنبياء عن تأسيس بيت رب الجنود أي عن التجسد الإلهي، إذ يدعو الرب نفسه جسده هيكلًا، فإن هذا التجسد يهب قوة لأيدينا للعمل به، فتتحول الوصية الإلهية في حياتنا إلى حياة عملية مُعاشة. لفد أقام الله هذا الجسد، إذ قيل: "الحكمة بنت بيتها" (أم 9: 1)، فصار الله حالًا في وسطنا ويهبنا إمكانياته السماوية للعمل لحساب ملكوته.
وكما يقول القديس ديديموس الضرير: [كيف لا تكون أيادي السامعين لكلمات الأنبياء قوية وقد وُلد من العذراء ذاك الذي يليق أن يُدعي "الله معنا" (إش 7: 14)؟! بالحقيقة إذ يكون الله معنا تكون أيادينا قوية ويمكننا التسبيح بصوت مفرح: "رب القوات هو معنا، إله يعقوب هو حامينا" (مز 45: 11-12)... إنه يهبنا قوة فائقة للطبيعة!].
إذن لتتشدد أيدينا للعمل ولتتحول كلمات الله فينا إلى حياة إذ أقام الكلمة لنفسه بيتًا بتجسده، واهبًا إيانا قوة العمل. هذا وقد جعل منا حجارة مقدسة حيَّة لإقامة هيكله المقدس إذ يقول: "إن أحبني أحد يحفظ كلامي ويحبه أبي وإليه نأتي (أنا وأبي) وعنده نصنع منزلًا" (يو 14: 23). يجعلنا نحن أنفسنا مسكنًا له أو هيكلًا مقدسًا يقوم عليه حجر الزاوية كقول الرسول: "مبنيين على أساس الرسل والأنبياء ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية..." (أف 2: 20)].

خامسًا: إلتقاؤنا مع الإله المتجسد، وسكناه في وسطنا لم يشدد الأيدي بإمكانياته الإلهية العاملة فينا فحسب، وإنما قطع روح اليأس الذي فينا وألهب أعماقنا بالرجاء. فالعمل لا يحتاج فقط إلى الأيدي القوية والجهاد والمثابرة وإنما أيضًا إلى الروح المملوء رجاءً في الرب، لهذا يقول: "قبل هذه الأيام لم تكن للإنسان أجرة ولا للبهيمة أجرة ولا سلام لمن خرج أو دخل من قبل الضيق وأطلقت كل إنسان الرجل على قريبه" [10]. لقد أحاط الضيق بهم (حج 1: 6؛ 9: 11؛ 2: 16-19) مما جعل الإنسان كما الحيوان بلا قيمة حتى إن عملا شيئًا فبلا نفع ولا يستحقان أجرة! لقد كانت أورشليم خربة كالبرية، ويحكمها الغرباء، فكل مجهود يقوم به الإنسان لا يجدي شيئًا.
صار تعب الإنسان كما الحيوان في دخوله أو خروجه بلا نفع، الأمر الذي حول حياتهم إلى جحيم فانطلق كل واحد يقاوم أخاه بلا سبب، بمعنى آخر عوض أن يعمل كل واحد مع أخيه لبنيان بيت الله شعر كل واحد بالمذلة والفقدان التام والفراغ الداخلي فتحول إلى مقاومة أخوته ومضايقتهم.
أما من الجانب الروحي فلإنسان بدون التقائه بمخلصه الذي أقام هيكله المقدس يكون كالحيوان، يعمل بلا فهم ولا حكمة، فلا يستحق أجرة.
يقول القديس ديديموس الضرير: [يوبخ الكتاب من هم بلا عقل الذين في حماقة، فيقول: "لا تكونوا كفرس أو بغل بلا فهم" (مز 83: 9). حقًا كيف يمكن أن توجد أجرة لأُناس يعملون كل شيء بلا فهم ولا تعقل؟!].
هذه صورة مُرّة للبشرية خارج عمل الله، إنها تخرج للعمل وتدخل حسابًا فتجد نفسها في فراغ وبلا ثمر ولا تستحق المكافأة إذ انشغل كل واحد بمقاومة أخيه، وكما يقول المزمور: "يتكملون بالكذب كل واحد مع صاحبه بشفاة ملقة" (مز 12: 3)، وكما قيل بأرميا النبي: "كل أخ يعقب عقبًا وكل صاحب يسعى إلى الوشاية، ويختل الإنسان صاحبه ولا يتكلمون بالحق، علموا السنتهم التكلم بالكذب وتعبوا في الافتراء" (أر 9: 4-5). أما خلال العهد الجديد فتقوم أورشليم على السلام الحقيقي وتأتي بثمار متزايد، فلا يكون تعب الإنسان والحيوان بلا أجرة كما كان سابقًا. يقول: "أما الآن فلا أكون أنا لبقية هذا الشعب كما في الأيام الأولى يقول رب الجنود، بل زرع السلام، الكرم يعطي ثمره والأرض تعطي غلتها والسموات تعطي نداها وأُملك بقية هذا الشعب هذه كلها: [11-12]. يا لها صورة مبهجة بعد أن كان الإنسان يعمل بلا تعقل كالحيوان فلا يكون له أجرة، إذ تفقد النفس (الإنسان) ثمرتها كما يفقد الجسد (الحيوان) قدسيته، ويقاوم أحدهما الآخر، الآن إذ يسكن الرب فيه، ليس فقط تنعم نفسه بالأجرة وإنما جسده أيضًا ويكون بينهما وفاق روحي ويصير له ثمر روحي فائق، تعمل الأرض كما السماء لحسابه في الرب. إذ يرجع الرب إليه ويسكن في داخله ويقيم مملكته في قلبه، يظهر زرع السلام الذي يغرسه الآب نفسه بروحه القدوس، وتظهر ثمار الروح القدس بكونها ثمار الكرمة الحقيقية، وتعطي الأرض (الجسد) غلتها إذ يحمل الجسد قدسية خاصة ويصير آلات بر لحساب الله، وتهب السماء (النفس) نداها، إذ تكون لها نعمة الروح القدس تملأها... هذه كلها يهبها الله للنفس التي تقبله فيها.
يقول القديس ديديموس الضرير: [تحقق هذا الإصلاح البهي بالمعنى الروحي عندما جاء ذاك الذي قال: "روح الله عليَّ لأنه مسحني لأبشر المساكين، أرسلني لأشفي المنكسري القلوب، لأنادي للمأسورين بالإطلاق وللعمي بالبصر وأرسل المنسحقين في الحرية" (لو 4: 18)... مكتوب "يشرق في أيامه الصديق وكثرة السلام، سلامه سوف لا يعرف حواجز، سوف لا يكون لأمة واحدة بل لجماعة الأمم". الأرض كلها التي تخضع لذاك القائل لتلاميذه وللذين يرغبون في خدمته: "أعطيكم سلامي" (يو 14: 27)، تتمتع بهدوء عظيم يستتب فيها، والكرمة تعطي ثمرها والأرض غلتها والسماء نداها. أما الكرمة التي تعطي ثمرها فهي التأملات الروحية في الحق... والأرض تعطي غلتها، إذ تثمر البذرة التي ألقاها يسوع فيها ثلاثين وستين ومائة (مت 13: 8، 23)... تقدم الأرض غلتها لمن يزرعها بالدموع وبالعرق والحزن، فيحصدها بالفرح (مز 125: 5)... "الذين يزرعون بالدموع يحصدون بالابتهاج، الذاهب ذهابًا بالبكاء حاملًا مبذر الزرع مجيئًا يجيء بالترنم حاملًا حزمه" (مز 126: 5). هذا الحصاد الكثير روحي يخص الكلام الإلهي، وكما أوصي هوشع النبي: "إزرعوا لأنفسكم بالبر. أحصدوا بحسب الصلاح، أحرثوا لأنفسكم حرثًا، فإنه وقت لطلب الرب حتى يأتي ويعلمكم البر" (هو 10: 12)... أما السماء تعطي نداها، فإننا سنفهم الندى عندما نعرف السماء التي تعطيه. السماء بلا شك ليست إلاَّ ذاك الذي يحمل صورة الإنسان السماوي (1 كو 15: 49)، حيث يكون وطنه في السماء (في 3: 20). فقد قيل عن الذين يظهرون صورة المخلص السماوي: "السموات تشهد بمجد الله والفلك يخبر بعمل يديه" (مز 18: 1)، وجاء عنهم في النشيد الكبير الوارد في سفر التثنية: "أيتها السموات افرحي معه" (تث 32: 43)، أي افرحي مع المخلص. كيف لا يفرحون ويتهللون معه وقد تشكلوا على صورته كقول الرسول: "ليكونوا مشابهين صورة ابنه" (رو 8: 29)، وأيضًا "سنلبس صورة السماوي" (1 كو 15: 49)؟! يليق بنا أن نقول أنهم باتحادهم في سماء واحدة يعطون ندى سماوي، لكن كل واحد يُعطي نداه الخاص، متشبهًا بموسى القائل: "يهطل كالمطر تعليمي ويقطر كالندي كلامي" (تث 32: 2)].

سادسًا: إذ يصير للمؤمن بسكنى الله في قلبه هذه البركات الإلهية، يصير سماءً تعطي نداها، فإنه لا يعود بعد يكون لعنة لغيره ولا لنفسه، وإنما يكون بركة... الأمر الذي نتحدث عنه في تفسير نهاية هذا الأصحاح [20-23].


3. تذكيرهم بالوصية:

16 هذِهِ هِيَ الأُمُورُ الَّتِي تَفْعَلُونَهَا. لِيُكَلِّمْ كُلُّ إِنْسَانٍ قَرِيبَهُ بِالْحَقِّ. اقْضُوا بِالْحَقِّ وَقَضَاءِ السَّلاَمِ فِي أَبْوَابِكُمْ. 17 وَلاَ يُفَكِّرَنَّ أَحَدٌ فِي السُّوءِ عَلَى قَرِيبِهِ فِي قُلُوبِكُمْ. وَلاَ تُحِبُّوا يَمِينَ الزُّورِ. لأَنَّ هذِهِ جَمِيعَهَا أَكْرَهُهَا، يَقُولُ الرَّبُّ».

وسط هذه البركات التي تحلّ في حياتهم بسكنى الرب فيهم التي تبدو كأنها مستحيلة [9]. يُناشدهم بالتمسك بالوصية الإلهية حتى لا يسقطوا تحت غضبه كآبائهم. "هذه هي الأمور التي تفعلونها: ليكلم كل إنسان قريبه بالحق. اقضوا بالحق وقضاء السلام في أبوابكم، لا يفكرن أحد في السوء على قريبه في قلوبكم ولا تحبوا يمين الزور، لأن هذه جميعها أكرهها يقول الرب" [16-17].
الآن إذ يعيد بناء الهيكل وتجديد أورشليم مدينته المقدسة أراد أن يتأسس هذا العمل على الحق الملتحم بالبرّ، أو بمعنى آخر يقوم على الحق العملي في حياة أولاده. وهنا نلاحظ في وصاياه هذه الآتي:
أولًا: يبدأ بعلاقتنا مع إخوتنا في الرب كالحديث مع إخواتنا بالحق، والقضاء بالعدل والسلام إلخ... ويختم بوصية خاصة بعلاقتنا به "يمين الزور"، وكأن الله يريد أورشليمنا الداخلي أن تقوم على الحب العملي الحقيقي مع إخوتنا وإنما في الرب.
ثانيًا: يبدأ بالحديث عن "الحق"، هذا هو أساس البنيان الحقيقي. ما هو هذا الحق الذي نتكلم به مع أقربائنا ونقضي به إلاَّ تجلي "السيد المسيح" نفسه في حديثنا كما في تصرفاتنا، فقد أعلن عن نفسه أنه "الحق". هذا الحق لا يكرز به بالكلام فحسب وإنما يعلن بقوة خلال التصرفات العملية في حياة الرعاة كما الرعية.
يرى القديس ديديموس الضريرأن الرب يبدأ حديثه بخصوص القادة الروحيين الذين يجب أن يعلنوا "الحق" لا بالمعرفة النظرية العقلية وحدها وإنما خلال الحياة الفاضلة والتصرفات العملية، فمن كلماته التي علق بها على هذه العبارة الإلهية: [يليق بنا أن نسمع كلام يسوع ونمارسه كما صرح هو بنفسه: "كل من يسمع أقوالي هذه ويعمل بها أشبهه برجل عاقل" (مت 7: 24)].
[لتعلن أعمالنا التعاليم الروحية التي نقدمها، بهذا يكون الإنسان "عاملًا لا يخزي" (2 تي 2: 15). بهذا الفكر يكتب الرسول لتلميذه أن يحفظ النقاوة والوقار والإخلاص وكلامًا صحيحًا غير ملوم (تي 2: 7-8). ما هو الكلام الصحيح غير الملوم إلاَّ ممارسة ما نوصي به الغير، وأمانتنا الخالصة بما نعده للآخرين بالنسبة للإيمان؟!].
هكذا أكد الآباء الكنسيون ضرورة إعلان الحق بالحياة العملية وتجليه في السلوك اليومي، فمن كلمات القديس يوحنا الذهبي الفم: [من يدبر الآخرين يلزمه أن يكون أكثر بهاءً من أي كوكب منير، تكون حياته بلا عيب، يتطلع الكل إليه فيرونه في حياته نموذجًا لهم].
ثالثًا: يكمل حديثه بالقول: "اقضوا بالحق وقضاء السلام في أبوابكم"... إن كان "الحق" هو الأساس الذي تُبنى عليه المدينة الجديدة، فيليق أن يمتزج الحق بالسلام. الحق السماوي يفتح القلب بالحب ليتسع لاحتمال الآخرين مسالمًا إن أمكن جميع الناس.
يعلق القديس ديديموس الضرير على قوله "في أبوابكم"، بقوله إن مجالس القضاء القائمة على الحق الممتزج بالسلام تكون عند الأبواب لتفرز الداخلين إلى المدينة من الذين يحرمون منها. وكأن السلام لا يعني المجاملة على حساب الحق أو التهاون مع الشر، وإنما فيما يتسع القلب بالحب يلزم ألاَّ يدخل المدينة المقدسة شيء دنس أو رجس!
لنحب الجميع ونفتح قلوبنا للسلام مع الكل، لكن لا نفتح أبوابنا الداخلية للشر والخطية مجاملة للآخرين!
رابعًا: لا يفكرن أحد في السوء على قريبه في قلوبكم، بمعنى النسيان الداخلي لكل إساءة صنعها قريب معنا أو عدم إساءة الظن في تصرفاته. يقدم لنا يوسف الصديق مثلًا حيًا لهذه الفضيلة ففي اتزانه يدرك ما فعله به إخوته لكن قلبه يرى ما وراء تصرفات إخوته: يد الله العاملة لخلاصه وخلاصهم، لهذا باتساع قلب قال لهم: "لإستبقاء حياة أرسلني الله قدامكم" (تك 45: 5) "أنتم قصدتم ليّ شرًا، أما الله فقصد به خيرًا لكي يفعل كما اليوم ليحيي شعبًا كثيرًا" (تك 50: 20).
إذ يدرك الإنسان المقاصد الإلهية تستريح نفسه جدًا في كل شيء، ويتسع قلبه بالسلام لكل أحد حتى لمقاوميه، فلا يقاوم الشر بالشر بل بالخير والحب.
خامسًا: أخيرًا يسألهم ألاَّ يحبوا يمين الزور الذي يكرهه الرب، إذا أوصانا: "لا تنطق باسم الرب إلهك باطلًا" (خر 20: 7).
4. الأصوام تتحول إلى أعياد:

18 وَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ رَبِّ الْجُنُودِ قَائِلًا: 19 «هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: إِنَّ صَوْمَ الشَّهْرِ الرَّابِعِ وَصَوْمَ الْخَامِسِ وَصَوْمَ السَّابعِ وَصَوْمَ الْعَاشِرِ يَكُونُ لِبَيْتِ يَهُوذَا ابْتِهَاجًا وَفَرَحًا وَأَعْيَادًا طَيِّبَةً. فَأَحِبُّوا الْحَقَّ وَالسَّلاَمَ.

"إن صوم الشهر الرابع وصوم الخامس وصوم السابع وصوم العاشر يكون لبيت يهوذا ابتهاجًا وفرحًا وأعيادًا طيبة، فأحبوا الحق والسلام" [18-19].
كانت حياتهم الماضية قد اتسمت بالصوم مع النوح بسبب ما حلّ بهم من تأديبات بسبب خطاياهم، والآن إذ يحل الرب في وسطهم ويعلن سكناه فيهم يحولّ قلوبهم إلى الفرح وحياتهم إلى عيد لا ينقطع هكذا المسيحي الحقيقي وسط أصوامه وآلامه إذ يدرك حلولّ الله فيه لا ينقطع عنه الفرح الداخلي ولا يتوقف العيد عن حياته.
في الأصحاح السابق تحدثنا عن الصوم بكون ليس مجرد امتناع عن الطعام بل توقف عن الشر مع التمتع بالسيد المسيح خبز الحياة. هذا عن الصوم الروحي أما بالنسبة للعيد
فيقول القديس أثناسيوس الرسولي: [إن يسوع المسيح الذي هو الطريق والباب وكل شيء بالنسبة لنا فهو أيضًا "عيدنا" كقول الطوباوي بولس: "لأن فصحنا المسيح قد ذُبح" (1 كو 5: 7)]. وكما أن الصوم ليس مجرد امتناع عن الأطعمة هكذا العيد ليس أكلًا وشربًا بل حياة مفرحة في الرب.
يقول البابا أثناسيوس الرسولي: [ليتنا لا نعيد العيد بطريقة أرضية بل كمن يحفظ عيدًا في السماء مع الملائكة... لنفرح لا في أنفسنا بل في الرب، فنكون مع القديسين]. [ليتنا لا نقف عند مجرد تنفيذ الطقوس الخاصة بالعيد بل نستعد للاقتراب للحمل الإلهي ونلمس الطعام السماوي].
5. إقامتهم بركة للأمم:

20 هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: سَيَأْتِي شُعُوبٌ بَعْدُ، وَسُكَّانُ مُدُنٍ كَثِيرَةٍ. 21 وَسُكَّانُ وَاحِدَةٍ يَسِيرُونَ إِلَى أُخْرَى قَائِلِينَ: لِنَذْهَبْ ذَهَابًا لِنَتَرَضَّى وَجْهَ الرَّبِّ وَنَطْلُبَ رَبَّ الْجُنُودِ. أَنَا أَيْضًا أَذْهَبُ. 22 فَتَأْتِي شُعُوبٌ كَثِيرَةٌ وَأُمَمٌ قَوِيَّةٌ لِيَطْلُبُوا رَبَّ الْجُنُودِ فِي أُورُشَلِيمَ، وَلْيَتَرَضُّوا وَجْهَ الرَّبِّ. 23 «هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: فِي تِلْكَ الأَيَّامِ يُمْسِكُ عَشَرَةُ رِجَال مِنْ جَمِيعِ أَلْسِنَةِ الأُمَمِ بِذَيْلِ رَجُل يَهُودِيٍّ قَائِلِينَ: نَذْهَبُ مَعَكُمْ لأَنَّنَا سَمِعْنَا أَنَّ اللهَ مَعَكُمْ».

الله لا يقبل أنصاف الحلول، إما أن يكون لعنة لنفسه كما لغيره أو بركة لنفسه كما لإخوته، إذ يقول: "ويكون كما أنكم كنتم لعنة بين الأمم يا بيت يهوذا ويا بيت إسرائيل كذلك اخلصكم فتكونون بركة" [13]. وها هو يفسر لهم كيف يكونون بركة، إذ يقول: "فتأتي شعوب كثيرة وأمم قوية ليطلبوا رب الجنود في أورشليم وليترضوا وجه الرب... في تلك الأيام يُمسك عشرة رجال من جميع ألسنة الأمم يتمسكون بذيل رجل يهودي، قائلين نذهب معكم لأننا سمعنا أن الله معكم" [22-23].
أولًا: إذ حلّ غضب الله بهم وتم السبي صاروا لعنة بين الأمم، أما علامة هذه اللعنة فهي خراب أورشليم حتى في أيام العيد، وكما يقول إرميا راثيًا صهيون: "طرق صهيون نائحة لعدم الآتين إلى العيد، كل أبوابها خربة، كهنتها يتنهدون" (مرا 1: 4).
وكما يقول القديس ديديموس الضرير: [كيف لا تكون طرق صهيون نائحة إذ لا يأتيها أحد ولا يوجد من يسرع في الصعود إلى أورشليم للاحتفال بالعيد والاجتماع هناك...؟!]. أما وقد تحولت من اللعنة إلى البركة فقد اجتذبت شعوب كثيرة إليها لكي تتمتع بالعيد وتفرح بالرب. يقول زكريا النبي: "فتأتي شعوب كثيرة وأمم قوية ليطلبوا رب الجنود في أورشليم". ولما كانت أورشليم تعني "رؤية السلام" فإن علامة البركة هي اجتذاب الكثيرين للتمتع بهذه الرؤيا الروحية للمصالحة على الصليب ونوال السلام مع الله.
ثانيًا: يعلق القديس ديديموس الضرير على القول: "أنا أيضًا أذهب". بأن النبي وهو يرى جموع الشعوب والأمم قادمة من أورشليم إلتهب قلبه شوقًا، واشتهي أن يكون بين هؤلاء القادمين، معلنًا ذلك بقوله: "أنا أيضًا أذهب". كما يرى أن المتحدث هنا هو المخلص، الذي يعلن دخوله أورشليم متقدمًا هذه الشعوب بروح النصرة، قائلًا: "أنا قد أنهضته بالنصر وكل طرقه أُسهل، هو يبني مدينتي، ويطلق سبيي لا بثمن ولا بهدية قال رب الجنود" (إش 45: 13). إذ يفتح الباب، باب النصرة والغلبة، ويبني المدينة المقدسة الداخلية، ويحرر النفس من سبيها لا بثمن مادي ولا بهدية أرضية بل بدمه الثمين تطلب الشعوب والأمم الرب وتدخل أورشليم الجديدة لتسترضي الرب، هؤلاء الذين قال عنهم الرسول: "قد أتيتم إلى جبل صهيون وإلى مدينة الله الحيّ، أورشليم السماوية، وإلى ربوات هم محفل ملائكة وكنيسة أبكار مكتوبين في السموات" (عب 12: 22-23).
ثالثًا: لا يقل الرب أنه يباركهم وإنما ما هو أعظم: "تكونون بركة" بهم تتبارك الأمم، وفي صفنيا يقول أنهم يصيرون "تسبحة في شعوب الأرض كلها" (صف 3: 20)، وفي ميخا يصيرون "كالندى من عند الرب" (مي 5: 7). فمن يحمل الرب في قلبه يحمل بركة للآخرين، ويكون تسبحة فرح تبتهج قلوبهم في الرب، يصيرون كالندى السماوي تطفئ لهيب نار العالم المهلك!
رابعًا: يختم حديثه عن البركة أن يمسك عشرة رجال من جميع ألسنة الأمم بذيل رجل يهودي قائلين نذهب معكم لأننا سمعنا أن الله معكم. هذه صورة العروس القائلة في النشيد: "اجذبني وراءك فنجري"، فإذ تنطلق نحو عريسها تحمل معها عشرة أشخاص تقتنيهم للرب بحياتها المقدسة وشهادتها للرب. هذا من جانب ومن جانب آخر فإننا نحن الذين كنا قبلًا من الأمم لا ننكر أننا قد استلمنا منهم العهد القديم بما حواه من الشريعة والنبوات كطريق لمعرفة الخلاص في المسيح يسوع. نحن مدينون لهم بقبول الإيمان بالمسيا المخلص.
يرى القديس ديديموس الضرير أن هذا اليهودي الذي يمسك بذيله عشرة رجال من كل الأمم إنما هو السيد المسيح الخارج من سبط يهوذا (عب 7: 14)، وكما قيل بإشعياء النبي: "ويكون في ذلك اليوم إن أصل يسي القائم راية للشعوب إياه تطلب الأمم ويكون محله مجدًا" (إش 11: 10). إنه موضوع انتظار لا لأمة واحدة بل لكل الأمم.
أما عدد عشر فيُشير في رأي القديس ديديموس الضرير إلى المؤمنين الذين صاروا عشر عذارى (مت 25: 1)، لهم خمس حواس للجسد مقدسة وخمسة حواس داخلية مقدسة. هذه كما أن المؤمنين يحملون اسم "يسوع المسيح"، بداية اسمه حرف "يوتا" وهو يعادل رقم 10 في اللغة اليونانية.


إسرائيل والعصر المسياني

الأصحاحات الثمانية الأولى تمثل وحدة واحدة غايتها تشجيع الشعب على إعادة بناء الهيكل، أما الأصحاحات الستة الأخيرة فتعالج نبوات تمس إسرائيل والأمم منذ كانت إسرائيل تخضع لحكم مادي وفارس (أثناء حياة زكريا النبي) إلى ظهور العصر المسياني. وقد سبق لنا في المقدمة عرض موجز لآراء بعض النقاد الذين حاولوا تمزيق وحدة السفر بنسب الأصحاحات الستة الأخيرة لغير زكريا النبي سواء قبله أو بعده، وقد جاء التقليد اليهودي كما المسيحي يعلنان وحدة السفر ونسبه لزكريا النبي.
الحكم المقدوني

(إسكندر الأكبر والمكابيون)

عندما كتب النبي هذا السفر كانت المتاعب الأولى التي واجهت القادمين من السبي، فعادة بناء بيت الرب كادت أن تنتهي، لكنهم كانوا يشعرون أنهم في خطر بسبب المدن القوية المحيطة بهم من الشمال كصور ومن الجنوب كأشقلون وغزة وعقرون هذه التي تمثل ضغطًا عنيفًا عليهم، لهذا شجعهم النبي بالحديث عن غزو قادم يكتسح هذه المدن القوية مع ترفق بأورشليم وكل اليهودية، وكان في ذلك يتنبأ عن فتوحات الإسكندر الأكبر.

مقدمة:

إذ يرى كثير من النقاد أن ما ورد بهذا الأصحاح يمثل صورة حيَّة لفتوحات إسكندر الأكبر وموقفه من اليهود وما تبع ذلك من انتصارات للمكابيين الأمر الذي جعلهم يرفضون الرأي القائل بأن هذا الجزء سُجل قبل زكريا النبي، لكنهم ظنوا أنه كُتب كسجل تاريخي بعد الأحداث أي بعد عصر زكريا النبي. هذا الرأي وإن كان يرد على أصحاب الرأي القائل بأن سُجل قبل زكريا لكنه لا يعني أنه كُتب قبل عصر زكريا، لأن الكاتب لا يسجل تاريخًا حدث في الماضي وإنما نبوة تحققت بعد كتابته.
1. انتصارات إسكندر الأكبر:

1 وَحْيُ كَلِمَةِ الرَّبِّ فِي أَرْضِ حَدْرَاخَ وَدِمَشْقَ مَحَلُّهُ. لأَنَّ لِلرَّبِّ عَيْنَ الإِنْسَانِ وَكُلَّ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ. 2 وَحَمَاةُ أَيْضًا تُتَاخِمُهَا، وَصُورُ وَصَيْدُونُ وَإِنْ تَكُنْ حَكِيمَةً جِدًّا. 3 وَقَدْ بَنَتْ صُورُ حِصْنًا لِنَفْسِهَا، وَكَوَّمَتِ الْفِضَّةَ كَالتُّرَابِ وَالذَّهَبَ كَطِينِ الأَسْوَاقِ. 4 هُوَذَا السَّيِّدُ يَمْتَلِكُهَا وَيَضْرِبُ فِي الْبَحْرِ قُوَّتَهَا، وَهِيَ تُؤْكَلُ بِالنَّارِ. 5 تَرَى أَشْقَلُونُ فَتَخَافُ، وَغَزَّةُ فَتَتَوَجَّعُ جِدًّا، وَعَقْرُونُ. لأَنَّهُ يُخْزِيهَا انْتِظَارُهَا، وَالْمَلِكُ يَبِيدُ مِنْ غَزَّةَ، وَأَشْقَلُونُ لاَ تُسْكَنُ. 6 وَيَسْكُنُ فِي أَشْدُودَ زَنِيمٌ، وَأَقْطَعُ كِبْرِيَاءَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ. 7 وَأَنْزِعُ دِمَاءَهُ مِنْ فَمِهِ، وَرِجْسَهُ مِنْ بَيْنِ أَسْنَانِهِ، فَيَبْقَى هُوَ أَيْضًا لإِلهِنَا، وَيَكُونُ كَأَمِيرٍ فِي يَهُوذَا، وَعَقْرُونُ كَيَبُوسِيٍّ. 8 وَأَحُلُّ حَوْلَ بَيْتِي بِسَبَبِ الْجَيْشِ الذَّاهِبِ وَالآئِبِ، فَلاَ يَعْبُرُ عَلَيْهِمْ بَعْدُ جَابِي الْجِزْيَةِ. فَإِنِّي الآنَ رَأَيْتُ بِعَيْنَيَّ.

يقدم وحيًا هو نبوة تحمل تهديدًا ضد الأمم المقاومة وطمأنينة للمتكلين على الله.
أولًا: موقف الإسكندر الأكبر من مدن سوريا وفينقية: "وحي كلمة الرب في أرض حدراخ ودمشق محله، لأن للرب عين الإنسان وكل أسباط إسرائيل، وحماة أيضًا تتاخمها وصور وصيدون وإن تكن حكيمة جدًا، وقد بنت صور حصنًا لنفسها وكوّمت الفضة كالتراب والذهب كطين الأسواق، هوذا السيد يمتلكها ويضرب في البحر قوتها وهي تؤكل بالنار" [1-4].


لقد هزم إسكندر الأكبر عددًا من مدن سوريا منها حدراخ التي على نهر الأورونت ليست ببعيدة عن حماة، لكنه عينيه كانتا على دمشق العاصمة. وقد كان الرعب والدهشة بسبب انتصاراته قد سحبت أعين بني إسرائيل إلى الله تطلب منه العون الإلهي. أما بالنسبة لحماة وهي بجوار دمشق فقد سقطت أمامه.
بعد سوريا دخل إسكندر فينيقية فأخضع صور الغنية جدًا بتجارتها حتى كانت الفضة بالنسبة لها كالتراب والذهب كالطين بلا ثمن، فقد اضطر سكانها أن يتحصنوا في جزيرة مقابل صور لكن الإسكندر أحرق المدينة القديمة بالنار وألقي بحجارتها في البحر لإنشاء رصيف عبر به إلى الجزيرة يحاصر حصونها فانهارت أمامه.
ويرى القديس ديديموس الضريرفي دمشق وغيرها من بلاد سوريا صورة رمزية للأمم المقاومة للحق التي عادت فقبلته، إذ قيل هنا "هوذا السيد يمتلكها"... إنه يردها من وحشيتها الأولى إلى وداعته. أما صور فبسورها الضخم الذي تحصنت فيه تُشير إلى الهراطقة الذين يتحصنون بمناقشات سوفسطائية كحصون لهم، لكن الله يعمل أيضًا لإخضاعهم للإيمان الحق.
صور في الحقيقة تمثل الإنسان الذي استغني (رؤ 3: 17) فظن أنه قادر بذاته أن يتحصن وبماله أن يشبع؛ لكنه وهو يجمع الفضة تصير بالنسبة له ترابًا، وفيما هو يخزن الذهب يصير بالنسبة له طينًا. تتحول كلمة الله بالنسبة له وهي فضة في ذاتها إلى تراب بسبب فكره الأرضي، وتتحول الحياة الروحية وهي سماء في ذاتها إلى طين بسبب انحداره إلى الماديات. إنه يسقط في البحر الذي يرمز إلى دوامات العالم وعواصف القلق والغم، ويؤكل بالنار المهلكة، إذ تحطمه الخطية وتبدد حياته وممتلكاته! مسكين هو هذا الإنسان الذي يظن في نفسه أن حكيم جدًا كما ظنت صور، فأفسدت فضتها وذهبها وألقت بنفسها في بحر محبة العالم وأتون الخطية المهلك!
ثانيًا: موقف الإسكندر من مدن فلسطين: "وترى أشقلون فتخاف وغزة فتتوجع جدًا وعقرون لأنه يخزيها انتظارها..." [5].
يذكر في هذه العبارة وما تلاها أربع مدن فلسطينية (أشقلون، غزة، عقرون، أشدود) ولم يذكر المدينة الخامسة من المدن الرئيسية "جت" ربما لأنها لم تقم بعد أن سقطت على يد عزيا (2 أي 26: 6). لقد خافت أشقلون وتوجعت غزة جدًا وأيضًا عقرون إذ رأوا ما حل بصور المدينة العظيمة المحصنة فأدراكوا الخطر الذي يحل بهم.
هذه المدن الأربع "أشقلون، غزة، عقرون، أشدود" إنما تُشير إلى العالم بجهاته الأربع وقد امتلأ بالعالم الوثني متشامخًا، لكنه يعود ويرجع إلى الرب المخلص وينعم بالخلاص. كما تُشير هذه المدن إلى الإنسان الترابي المرتبط بالأرض (جهات المسكونة الأربع) وقد عاد إلى مخلصه يحمل السمة الروحية.
"أشقلون" كلمة عبرية مشتقة من "شاقل" أي وزن، و"غزة" تعني "عزة" أو "قوة"، و"عقرون" تعني "عقر"، "أشدود" تعني "متشدد أو مخرب".
فأشقلون تُشير إلى النفس المعتدة بوزنها وقياسها، إذ تحلّ بها مخافة الرب تدرك ذاتها وترجع إلى الرب ليكون هو كل شيء بالنسبة لها، وكما يقول المرتل أن خائفي الرب "لا يعوزهم شيء من الخير" (مز 34: 10).
وغزة تتوجع جدًا [5] فما كانت تحسبه عزة وقوة تراه كلا شيء، فتقبل الرب نفسه عزتها وقوتها ومجدها الداخلي.
وعقرون إذ تدرك عقرها ترجع في انسحاق إلى الرب مخلصها فيهبها أولادًا (ثمارًا روحية) مباركين، وكما يقول المرتل: "المسكن العاقر في بيت أم أولاد فرحة" (مز 113: 9)، وكما قيل: "العاقر ولدت سبعة وكثيرة البنين ذبلت" (1 صم 2: 5). هذه هي كنيسة الأمم التي كانت عاقرًا فولدت الكثير بينما جماعة اليهود أصحاب المواعيد والعهود ومنهم الآباء والأنبياء ذبلت بسبب رفضها للمخلص. يقول إشعياء النبي: "ترنمي أيتها العاقر التي لم تلد، أشيدي بالترنم أيتها التي لم تتمخض، لأن بني المستوحشة أكثر من ذات البعل" (إش 54: 1). وكما يقول القديس ديديموس الضرير: [إن "البعل" هنا هو الناموس، فالأمم الذين كانوا بلا ناموس موسى امتلأت فرحًا بالخلاص، واليهود الذين كان لهم الناموس سقطوا في العمق الروحي.
أما "أشدود" فإذ تدرك تشددها المفسد وعمله المخرب ترجع إلى الرب وتصير خاضعة له. يسقط إلهها داجون أمام تابوت العهد (1 صم 5) وتنتهي مقاومتها لإعادة بناء أسوار أورشليم (نح 4: 7) لتتقبل كرازة الإنجيل بواسطة فيلبس (أع 8: 40) وتصير أسقفية تقوم بالكرازة بالخلاص.
يتحدث النبي عما يحدث في أشدود، قائلًا: "ويسكن في أشدود زنيم (أبناء غير شرعيين) وأقطع كبرياء الفلسطينيين، وأنزع دماءه من فمه، ورجسه من بين أسنانه، فيبقي هو أيضًا لإلهنا ويكون كأمير في يهوذا وعقرون كيبوسي" [6-7]. وقد تحقق ذلك حرفيًا إذ كادت أشدود أن تفقد سكانها الوطنيين فقد كانت سياسة إسكندر الأكبر أن يمزج الشعوب المغلوبة معًا ليفقدها وطنيتها. أما نزع الدماء من الفم فيُشير إلى تركهم الوثنية حيث كانوا يأكلون الذبائح بدمها (حز 33: 25). وقد منعت الشريعة ذلك (لا 17: 10-11؛ أع 9: 4). لقد رجعت أشدود إلى الرب بقبولها الإيمان المسيحي وارتدت لها كرامتها الأصلية فصارت كأمير في يهوذا، كما صارت عقرون أي العاقر كيبوسي أن تدوس محبة العالم تحت أقدامها.
ثالثًا: موقف الإسكندر من اليهود: "وأحل حول بيتي بسبب الجيش الذاهب والآئب فلا يعبر عليهم بعد جابي الجزبة. فإني الآن رأيت بعيني" [8]. لقد حلّ الرب حول بيته لكي لا يمسه جيش الإسكندر الأكبر في عبوره المتكرر بأورشليم، إذ لم يضر اليهود مع إنه أذل السامريين، يذكر يوسيفوس المؤرخ اليهودي أن يادو رئيس الكهنة لاقي الإسكندر ومعه جميع الكهنة لابسين الثياب المقدسة وقد ارتدى رئيس الكهنة العمامة على رأسه والصفيحة الذهبية المكتوب عليها "قدس للرب"، فلما رآه الإسكندر سجد له وقال له أنه رأى حلم الإله الذي كان اسمه كان مكتوبًا على الصفيحة، ثم دخل أورشليم وقدم ذبائح وأعطى اليهود امتيازات خاصة.
يختم الرب حديثه هنا بقوله: "فإني الآن رأيت بعيني".
وكما يقول القديس ديديموس الضرير: [هذه الرؤية الواضحة هي قوة البصيرة التي يكتبها عنها الرسول: "كل شيء عريان ومكشوف لعيني ذلك الذي معه أمرنا" (عب 4: 13)]... وكأن ما يعلنه الرب بالنبي مكشوف للرب مدبر خلاصنا!


2. المسيا الملك الروحي:

9 اِبْتَهِجِي جِدًّا يَا ابْنَةَ صِهْيَوْنَ، اهْتِفِي يَا بِنْتَ أُورُشَلِيمَ. هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي إِلَيْكِ. هُوَ عَادِلٌ وَمَنْصُورٌ وَدِيعٌ، وَرَاكِبٌ عَلَى حِمَارٍ وَعَلَى جَحْشٍ ابْنِ أَتَانٍ. 10 وَأَقْطَعُ الْمَرْكَبَةَ مِنْ أَفْرَايِمَ وَالْفَرَسَ مِنْ أُورُشَلِيمَ وَتُقْطَعُ قَوْسُ الْحَرْبِ. وَيَتَكَلَّمُ بِالسَّلاَمِ لِلأُمَمِ، وَسُلْطَانُهُ مِنَ الْبَحْرِ إِلَى الْبَحْرِ، وَمِنَ النَّهْرِ إِلَى أَقَاصِي الأَرْضِ. 11 وَأَنْتِ أَيْضًا فَإِنِّي بِدَمِ عَهْدِكِ قَدْ أَطْلَقْتُ أَسْرَاكِ مِنَ الْجُبِّ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ مَاءٌ. 12 ارْجِعُوا إِلَى الْحِصْنِ يَا أَسْرَى الرَّجَاءِ. الْيَوْمَ أَيْضًا أُصَرِّحُ أَنِّي أَرُدُّ عَلَيْكِ ضِعْفَيْنِ.

لئلا يظن البعض أن زكريا يهدف إلى الخلاص في العصر المقدوني، وأعطاء الرب نعمة لليهود في عيني الإسكندر انتقل إلى الخلاص الحقيقي خلال الملك الوديع المخلص واهب السلام للعالم. إن عيني الله المفتوحتين تنظران عمله الخلاصي كعمل حاضر به تخلص البشرية، لذا يقول: "إبتهجي جدًا يا ابنة صهيون، إهتفي يا بنت أورشليم. هوذا ملكك يأتي إليك، هو عادل ومنصور وديع وراكب على حمار وعلى جحش ابن أتان، وأقطع المركبة من أفريم والفرس من أورشليم وتقطع قوس الحرب، ويتكلم بالسلام للأمم وسلطانه من البحر إلى البحر ومن النهر إلى أقاصي الأرض" [9-10].
لقد حرم شعب من أرضه زمانًا طويلًا وخضع تحت ملوك غرباء في السبي هوذا يأتيه ملكه الذي يبهج ابنة صهيون جدًا ويفرح قلب بنت أورشليم، هو ملك عجيب
كما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [لا يقود مركبات كبقية الملوك، ولا يطلب جزية، ولا يطرد اناسًا، ولا يطلب حراسًا، إنما يسلك بوداعته العظيمة].

سبق لنا في تفسير الإنجيل بحسب متى تقديم فكر آباء الكنيسة في تفسير هذا النص وما حمله الجحش والآتان من رموز حين ركبهما السيد عند دخوله أورشليم، وما حملته أورشليم من رموز إستقبالها للسيد بابتهاج
. وهنا نلاحظ:
أولًا: يرى القديس ديديموس الضرير أن كلمة "صهيون" تعني "ملاحظ الوصايا أو منفذها"، أما أورشليم فتعني "رؤية السلام"، وكأن الذين ينعمون بالبهجة والتهليل بدخول السيد في حياتهم إنما هم منفذو الوصايا والمتمتعون برؤية السلام (خلال الصليب). يقول المرتل: "وصايا الرب مستقيمة تفرح القلب، أمر الرب طاهر ينير العينين" (مز 119: 8). "بالأولى (تنفيذ الوصية) تبتهج النفس جدًا لمجيء الملك الحقيقي، وبالثانية (رؤية السلام) تهتف لأنها في موقف مرتفع جدًا تعلن عن مجيء ملك الملوك... الأولى أخذت أمرًا أن تبتهج والثانية أخذت أمرًا أن تعلن عنه!
ليتنا نكون بحق بنت صهيون فنبتهج جدًا خلال ملاحظتنا للوصية الإلهية، ولنكن بنت أورشليم فنهتف معلنين الشهادة له خلال رؤيتنا للسلام الحقيقي الفائق في الرب المصلوب!

ثانيًا: إذ يدخل الرب المخلص الوديع إلى القلب يقطع المركبة الحربية من أفرايم والفرس من أورشليم وينزع قوس الحرب، فيحل السلام في داخله ويصير أفريم مثمرًا وأورشليم متمتعة بالسلام الحقيقي، مترنمًا: "هؤلاء بالمركبات وهؤلاء بالخيل، أما نحن فاسم الرب إلهنا نذكر؛ هم جثوا وسقطوا أما نحن فقمنا وإنتصبنا" (مز 20: 7-8).

ثالثًا: يمتد سلطان الرب الملك على الأمم، من البحر إلى البحر، ومن النهر إلى أقاصي الأرض. لعله يقصد بالبحار الذين كانوا يشربون المياه المالحة خلال التعاليم الوثنية، أما النهر فيقصد به الشريعة المقدسة الموسوية، فيضم الأمم مع اليهود تحت سلطانه.

رابعًا: يقول: "وأنت أيضًا فإني بدم عهدك قد أطلقت أسراك من الجب الذي ليس فيه ماء، ارجعوا إلى الحصن يا أسرى الرجاء، اليوم أيضًا أصرخ أني أرد عليك ضعفين" [11-12]. يبدو أن إسرائيل كجماعة من الفلاحين قد نقر كل جماعة منهم جبًا لأنفسهم وسط الصخور حتى متى وقت المطر يمتلئ ماءً، فإذ جاء وقت السبي ودخلوا في حالة رعب هربوا من الأعداء إلى الجب الذي ليس فيه ماء فصاروا أسرى هناك. ولعل هذا الجب يشير إلى الذات البشرية التي يقيمها الإنسان بنفسه ليحبس نفسه بنفسه فيها، لكن الله يطلقه بعهد الدم المقدس، يطلقه من أنانيته وذاته ليحيا في كمال حرية الصليب.
ويرى القديس ديديموس الضريرفي هذا الجب الذي بلا ماء الذي أُلقي فيه يوسف وأرميا ودانيال إلخ... إنما يُشير إلى الجحيم الذي بلا ماء الحياة الأبدية، فقد أطلقنا منه الرب لا خلال دم ثيران وتيوس وإنما من خلال دم العهد الجديد. إنه يدعونا للخروج من الجب للانطلاق إلى الحصن الذي هو الكنيسة المجيدة التي بلا عيب ولا دنس (أف 5: 27). "هناك يجد المأسورين المسحوبين من الجب الذي بلا ماء راحة". ففي الكنيسة يجد أسرى الرب "حصن للاستقامة طريق الرب" (أم 10: 29)، ويكون الرب نفسه حصنًا: "كن ليّ صخرة ملجأ أدخله دائمًا" (مز 71: 3)، "كن ليّ صخرة حصن بيت ملجأ لتخليصي، لأن صخرتي ومعقلي آنت، من أجل اسمك تهديني وتقودني" (مز 31: 2-3).



سادسًا: يرد الله للنفس مكافأة مضاعفة عوض أيام تعبها
وكما يقول القديس ديديموس الضرير: [من هو أسير للمسيح يستوطن في هذه المدينة ويجلس في الحصون المجيدة التي بها، ويحيا بلا خوف إذ ينتظر تعزيات مضاعفة وتشجيعًا عوض الحزن... ستكون المكافأة مضاعفة عن الضيقات السابقة، والمثل الواضح لذلك قصة أيوب الذي كانت له نفس قوية فنال مكافأة مضاعفة (أي 42: 11)]. إنه ينال مكافأة مضاعفة، إذ يتمتع بمئة ضعف في هذا العالم والحياة الأبدية في العالم الآخر؛ كما هي مضاعفة إذ ينال خلاص النفس مع الجسد أيضًا.
وسر مضاعفتها كما يقول القديس ديديموس الضرير: [إن الذي في السبي إذ يرجع من سبيه لا يخلص فحسب وإنما يصير معلمًا لظالميه فيضاعف مجده مجدًا!]
3. انتصارات المكابيين:

13 لأَنِّي أَوْتَرْتُ يَهُوذَا لِنَفْسِي، وَمَلأْتُ الْقَوْسَ أَفْرَايِمَ، وَأَنْهَضْتُ أَبْنَاءَكِ يَا صِهْيَوْنُ عَلَى بَنِيكِ يَا يَاوَانُ، وَجَعَلْتُكِ كَسَيْفِ جَبَّارٍ. 14 وَيُرَى الرَّبُّ فَوْقَهُمْ، وَسَهْمُهُ يَخْرُجُ كَالْبَرْقِ، وَالسَّيِّدُ الرَّبُّ يَنْفُخُ فِي الْبُوقِ وَيَسِيرُ فِي زَوَابعِ الْجَنُوبِ. 15 رَبُّ الْجُنُودِ يُحَامِي عَنْهُمْ فَيَأْكُلُونَ وَيَدُوسُونَ حِجَارَةَ الْمِقْلاَعِ، وَيَشْرَبُونَ وَيَضُجُّونَ كَمَا مِنَ الْخَمْرِ، وَيَمْتَلِئُونَ كَالْمَنْضَحِ وَكَزَوَايَا الْمَذْبَحِ. 16 وَيُخَلِّصُهُمُ الرَّبُّ إِلهُهُمْ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ. كَقَطِيعٍ شَعْبَهُ، بَلْ كَحِجَارَةِ التَّاجِ مَرْفُوعَةً عَلَى أَرْضِهِ. 17 مَا أَجْوَدَهُ وَمَا أَجْمَلَهُ! اَلْحِنْطَةُ تُنْمِي الْفِتْيَانَ، وَالْمِسْطَارُ الْعَذَارَى.

بعد أن تحدث عن انتصارات إسكندر الأكبر وكيف أعطى الله نعمة لليهود في عينيه، ثم عاد فحدثنا عن الملك المسيا، يتحدث هنا عن "ياوان" أي اليونانيين، إذ غلبهم المكابيين في القرن الثاني قبل الميلاد (دا 11: 32؛ 8: 9-14)، وجاءت النبوة تؤكد أمرًا واحدًا أن الله هو سر نصرتهم.
يقول "أوترت لنفسي يهوذا" [13]؛ ما هو هذا السهم الخارج من يهوذا لينهض أبناء صهيون على بني ياوان إلاَّ السيد المسيح نفسه السهم الإلهي الخارج من سبط يهوذا لحساب أبناء الإيمان ضد إبليس وأعماله الشريرة؟! إنه كلمة الله الحيّ الفعّال الأمضى من كل سيف ذي حدين (عب 4: 12)، القائل: "جعل فمي كسيف حاد" (إش 49: 2).
إذ انطلق السهم لحساب خلاص البشرية ضد إبليس تجلي الرب في مملكته، وكما يقول النبي: "ويُرى الرب فوقهم وسهمه يخرج كالبرق والسيد الرب ينفخ في البوق ويسير في وزابع الجنوب، رب الجنود يحامي عنهم" [14-15]. لقد خرج السيد المسيح السهم الحقيقي كالبرق، يدخل إلى القلب فيجرحه بجراحات الحب، لتقول النفس: "إني مريضة حبًا" (نش 5: 8)، يحطم فيها أعمال إبليس ويبرق فيها ببهاء مجده. وكما جاء في حبقوق: "لنور سهامك الطائرة للمعان برق مجدك" (حب 3: 11).
وكما يقول القديس ديديموس الضرير: [القدس هو يهوذا... إذ يخرج منه السهم الإلهي كالبرق يستنير الإنسان الداخلي وتستنير عيون القلب]. وكما بالبرق يهب الرب استنارة لعيني النفس، فنفخ البوق يهب أذنًا داخلية لسماع صوته الذي يدوي ليحذرنا من العدو إبليس ولكي يضمنا إلى الاحتفال بمجيئه المفرح، إذ كانت الأبواق تضرب عند الحرب كما في الأعياد.


هكذا هو يتنبأ عن النصرة على اليونانيين بواسطة المكابيين، يعلن نصرتنا الأبدية على إبليس بالمسيح يسوع السهم الإلهي الحق. وقد صوّر لنا هذه النصرة بقوله: "رب الجنود يُحامي عنهم، فيأكلون ويدوسون حجارة المقلاع ويشربون ويضجون كما من الخمر ويمتلئون كالمنضح وكزوايا المذبح، ويخلصهم الرب إلههم في ذلك اليوم كقطيع شعبه بل كحجارة التاج مرفوعة على أرضه. ما أجوده وما أجمله، الحنطة تنمي الفتيان والمسطار العذارى" [15-16].
إن كان الله قد استخدم الوثنيين كحجارة مقلاع يصوبها الله نحو شعبه لتأديبهم فإنه إذ يرجع إليهم برحمته يجعل هذه الحجارة تحتهم يدوسونها بأقدامهم، هكذا بنفس الفكر إن كان الله يسمح لنا بتجارب أو ضيقات متنوعة إنما يستخدمها لنا لتأديبنا أو تزكيتنا، وفي محبته لا يجعلنا تحت التجربة ساقطين، إنما تسقط التجربة تحتنا ولا يكون لها سلطان علينا تفقدنا سلامنا الداخلي وفرحنا في الرب.
وكما أنه عند السبي شرب الشعب كأس غضب الله بالحزن والوجع، فإذ يترفق الله بهم يشربون كأس الفرح والبهجة!
أنه يهب النصرة لشعبه بكونه قطيعه الناطق، ويقيمهم كحجارة التاج مرفوعة على أرضه، ويحسب الترجمة السبعينية يقيمهم كحجارة مقدسة تتدحرج على الأرض.
يعلق القديس جيروم على ذلك بقوله: [لاحظ قوله: "الحجارة المقدسة تتدحرج على الأرض"، فإنها عجلات تجري على الأرض مسرعة نحو الأماكن المرتفعة].
كما يقول: ["لتفريق الحجارة وقت ولجمع الحجارة وقت" (جا 3: 5). الآن أقام الله من حجارة الأمم الصلدة أولادًا لإبراهيم (مت 3: 9)، فصاروا حجارة مقدسة تتدحرج على الأرض (زك 9: 16)، عبرت خلال مروحة الهواء التي للعالم وتدحرجت في مركبة الله على عجلات سريعة].
وعندما تحدث عن باولا Paula التي تنفق أموالها لا على مبانٍ حجرية بل على الفقراء قال: [أرادت أن تنفق أموالها لا على الحجارة التي تزول مع زوال العالم بل على الحجارة الحية التي تتدحرج على الأرض، والتي بها تُبْنَى مدينة الملك العظيم كما جاء في سفر الرؤيا (رؤ 21: 14)].
خلال هذه النصرة الفائقة التي ترفع النفس إلى السماء كحجارة حيَّة تتدحرج مرتفعة إلى أورشليم العليا، تشعر النفس بشبع روحي، إذ قيل "الحنطة تُنمي الفتيان والمسطار العذارى"... يقدم الله نفسه حنطة ومسطارًا ليشبع فتياننا وفتياتنا أي ليُنمي ثمار الروح فينا خلال تقديس النفس بكل طاقاتها (الفتيان) والجسد بكل أحاسيسه وعواطفه (العذارى).


انتظار الملكوت المسياني



إن كان الله قد وهبهم نعمة في عيني الإسكندر الأكبر، وأعطاهم نصرات متتالية في عصر المكابيين، لكن الحاجة إلى الدخول في الملكوت المسياني، حيث يأتي الملك الوديع واهب الخلاص ومانح السلام الداخلي للأمم، ففي هذا الملكوت ننعم بالآتي:

1. التمتع بالمطر المتأخر:

"اُطْلُبُوا مِنَ الرَّبِّ الْمَطَرَ فِي أَوَانِ الْمَطَرِ الْمُتَأَخِّرِ، فَيَصْنَعَ الرَّبُّ بُرُوقًا وَيُعْطِيَهُمْ مَطَرَ الْوَبْلِ. لِكُلِّ إِنْسَانٍ عُشْبًا فِي الْحَقْلِ." [1].

قديمًا بسبب الشر أوقف إيليا المطر ثلاث سنين وستة أشهر حتى يتأدب الكل وينزل المطر، وهكذا تحجب خطايانا فيض نعم الله الغزيرة علينا وتحرمنا من مطره الذي يحول البرية القاحلة إلى جنة تُفرح قلبه (نش 5: 1).
في دراستنا لسفر هوشع (6: 3) لاحظنا أنه في فلسطين يسقط مطر مبكر حيث تلقي البذار، ومطر متأخر به يتم نضج المحصول، المطر الأول يشير إلى عمل الروح القدس خلال الناموس والنبوات إلخ... قبل مجيء السيد، أما المتأخر فيشير إلى فيض حلول الروح القدس على كنيسة العهد الجديد، الذي أعلن عنه يوئيل النبي: "أسكب روحي على كل البشر" (يؤ 2: 28).
يمكننا القول أن المطر المبكر هو الناموس والنبوات التي منحها الرب لرجال العهد القديم، وأما المطر المتأخر فهو الكرازة بالإنجيل الذي يكشف أسرار الله ويهبنا معرفة عميقة ورؤيا للحياة الإلهية.
يرى القديس ديديموس الضرير أن المطر المبكر أيضًا يعني التعاليم الخاصة بتجسد المخلص أما المطر المتأخر فهو التمتع بأسرار لاهوته.
على أي الأحوال ليتنا لا نكف عن أن نطلب من الله بغير انقطاع لكي يبرق في قلوبنا ببهاء مجده واهبًا إيانا مطره المتأخر ليسقي أرضنا بحبه الإلهي ويهبها ثمرًا متكاثرًا.
2. التمتع برعاية الله الشخصية:

2 لأَنَّ التَّرَافِيمَ قَدْ تَكَلَّمُوا بِالْبَاطِلِ، وَالْعَرَّافُونَ رَأَوْا الْكَذِبَ وَأَخْبَرُوا بِأَحْلاَمِ كَذِبٍ. يُعَزُّونَ بِالْبَاطِلِ. لِذلِكَ رَحَلُوا كَغَنَمٍ. ذَلُّوا إِذْ لَيْسَ رَاعٍ. 3 «عَلَى الرُّعَاةِ اشْتَعَلَ غَضَبِي فَعَاقَبْتُ الأَعْتِدَةَ، لأَنَّ رَبَّ الْجُنُودِ قَدْ تَعَهَّدَ قَطِيعَهُ بَيْتَ يَهُوذَا، وَجَعَلَهُمْ كَفَرَسِ جَلاَلِهِ فِي الْقِتَالِ.

إن كان الله يمطر على الصالحين والأشرار، لكنه لا يهب المطر الروحي إلاَّ لطالبيه، والآن لكي يتعهد قطيعه روحيًا يلزم لهذا القطيع أن يترك خداعات العرافة والسحر والأحلام التي للأنبياء الكذبة فيرعى هو شعبه.
"لأن الترافيم قد تكلموا بالباطل والعرافون رأوا الكذب وأخبروا بأحلام كذب، يغرون بالباطل، لذلك رحلوا كغنم. ذلوا إذ ليس راعٍ، على الرعاة اشتعل غضبي فعاقبت الأعتدة، لأن رب الجنود تعهد قطيعه بيت يهوذا وجعلهم كفرس جلاله في القتال" [2-3].
الترافيم عبارة عن تماثيل لآلهة يقيمونها داخل البيوت كحارسة لهم ولكي يستشيروها قبل كل تصرف. فإن الله لا يمكن أن يتسلم رعاية شعبه ما داموا يتكلون على الترافيم ويسألون العرافة ويلجأون إلى أحلام الأنبياء الكذبة، فإن هذه جميعها قد تهادن الإنسان وتخدعه بكلمات لطيفة مخادعة، لكن المتكلين عليها لا يسقطون في المذلة إذ هم بلا رعاية. والآن إذ يترك الشعب هذه الخداعات الباطلة يقوم الرب بعملين: يعلن غضبه على الرعاة الفاسدين ويتسلم هو الرعاية بنفسه، كما أكد في سفر حزقيال: "هأنذا أسأل غنمي وأفتقدها... أنا أرعى غنمي وأربضها يقول السيد الرب" (حز 234: 11، 15). إنه يُعاقب الأعتدة (الكباش) الشريرة ويتعهد قطيعه مقدمًا حياته فدية عنها (يو 10: 11). يهبهم حياته القادرة أن تقيمهم كفرس في موكب الخلاص، قادرون على القتال ضد إبليس وأعماله. وكما قيل: "هل على الأنهار حمي يا رب، هل على الأنهار غضبك، أو على البحر سخطك حتى أنك ركبت خيلك مركباتك مركبات الخلاص؟!" (حب 3: 8).
3. التمتع بالنصرة وردّ المُلك:

4 مِنْهُ الزَّاوِيَةُ. مِنْهُ الْوَتَدُ. مِنْهُ قَوْسُ الْقِتَالِ. مِنْهُ يَخْرُجُ كُلُّ ظَالِمٍ جَمِيعًا. 5 وَيَكُونُونَ كَالْجَبَابِرَةِ الدَّائِسِينَ طِينَ الأَسْوَاقِ فِي الْقِتَالِ، وَيُحَارِبُونَ لأَنَّ الرَّبَّ مَعَهُمْ، وَالرَّاكِبُونَ الْخَيْلَ يَخْزَوْنَ. 6 وَأُقَوِّي بَيْتَ يَهُوذَا، وَأُخَلِّصُ بَيْتَ يُوسُفَ وَأُرَجِّعُهُمْ، لأَنِّي قَدْ رَحِمْتُهُمْ. وَيَكُونُونَ كَأَنِّي لَمْ أَرْفُضْهُمْ، لأَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلهُهُمْ فَأُجِيبُهُمْ. 7 وَيَكُونُ أَفْرَايِمُ كَجَبَّارٍ، وَيَفْرَحُ قَلْبُهُمْ كَأَنَّهُ بِالْخَمْرِ، وَيَنْظُرُ بَنُوهُمْ فَيَفْرَحُونَ وَيَبْتَهِجُ قَلْبُهُمْ بِالرَّبِّ. 8 أَصْفِرُ لَهُمْ وَأَجْمَعُهُمْ لأَنِّي قَدْ فَدَيْتُهُمْ، وَيَكْثُرُونَ كَمَا كَثُرُوا. 9 وَأَزْرَعُهُمْ بَيْنَ الشُّعُوبِ فَيَذْكُرُونَنِي فِي الأَرَاضِي الْبَعِيدَةِ، وَيَحْيَوْنَ مَعَ بَنِيهِمْ وَيَرْجِعُونَ. 10 وَأُرْجِعُهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، وَأَجْمَعُهُمْ مِنْ أَشُّورَ، وَآتِي بِهِمْ إِلَى أَرْضِ جِلْعَادَ وَلُبْنَانَ، وَلاَ يُوجَدُ لَهُمْ مَكَانٌ. 11 وَيَعْبُرُ فِي بَحْرِ الضِّيقِ، وَيَضْرِبُ اللُّجَجَ فِي الْبَحْرِ، وَتَجِفُّ كُلُّ أَعْمَاقِ النَّهْرِ، وَتُخْفَضُ كِبْرِيَاءُ أَشُّورَ، وَيَزُولُ قَضِيبُ مِصْرَ. 12 وَأُقَوِّيهِمْ بِالرَّبِّ، فَيَسْلُكُونَ بِاسْمِهِ، يَقُولُ الرَّبُّ».

ثمر رعاية الله الشخصية هو تمتعهم بالنصرة والأمان والفرح وردّ مُلك الله فيهم.
أولًا: "منه الزاوية، منه الوتد، منه قوس القتال، منه يخرج كل ظالم سريعًا" [4]. تظهر الرعاية الإلهية الحقة بتجلي السيد المسيح وسط شعبه كحجر زاوية يربط الكل معًا فيه، ويسند الجميع بروح واحد. يظهر فيهم أيضًا كوتد يسند خيمتهم الزمنية أي حياتهم المؤقتة فلا تحركها رياح التعاليم الغربية ولا عواصف محبة العالم وشهوات الجسد. هذا هو الوتد الإلهي الذي يسند الجسد (الخيمة) بتقديسه لحساب ملكوت الله. ويكون الرب أيضًا فيهم قوس قتال يصوبه المؤمن محاربًا الشر والخطية، فيُقال عنهم: "واحد منكم يطرد الفًا ويهزم اثنان ربوة" (تث 32: 30)، أما هم فكجنود للرب حاملين السيد المسيح سهمهم الحقيقي فيقولون: "إِنَّ مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ، بَلْ مَعَ الرُّؤَسَاءِ، مَعَ السَّلاَطِينِ، مَعَ وُلاَةِ الْعَالَمِ عَلَى ظُلْمَةِ هذَا الدَّهْرِ، مَعَ أَجْنَادِ الشَّرِّ الرُّوحِيَّةِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ" (أف 6: 13).
أما قوله: "منه يخرج كل ظالم سريعًا" فيشير إلى عمله في كنيسته التي تقبله حجر الزاوية والوتد والقوس الروحي، إذ ينزع عنها الظالم والمفسد ليكون الكل فيها مقدسين به.
ثانيًا: "ويكونون كالجبابرة الدائسين طين الأسواق في القتال ويحاربون لأن الرب معهم والراكبون الخيل يخزون" [5]. هذا هو جبروتهم وهذه هي غلبتهم أنهم يدوسون طين الأسواق فلا يكون كصاحب الوزنة الذي دفنها في التراب (مت 25: 18)، إنما بالرب السماوي يرتفعون فوق كل فكر مادي محلقين في السماويات، مهما بدا هذا الفكر عنيفًا كراكبي الخيل.
يميز القديس ديديموس الضرير بين راكبي الخيل والفرسان؛ فراكبو الخيل هم الذين يمتطونها دون ضبطها بلجام، فإن كانت الخيل تُشير إلى الجسد فإن النفس تمتطي الجسد وتتركه في جموحه وعناده، لذا تخزى هذه النفس بسبب شهوات الجسد. كما تُشير الخيل إلى الأفكار السوفسطائية المتعجرفة تمتطيها النفس فتسقط في الكبرياء وتُحرم من الخلاص. عن راكبي الخيل قيل: "الفرس وراكبه طرحهما في البحر" (خر 15: 1)، "هؤلاء بالمركبات وهؤلاء بالخيل أما نحن فإسم الرب إلهنا نذكر" (مز 20: 7)، "باطل هو الفرس لأجل الخلاص" (مز 33: 7). هذا بالنسبة لراكبي الخيل أما الفرسان فيشيرون إلى من يمتطي الفرس أو الخيل ضابطًا إياه بلجام، فقد قيل لإيليا النبي: "يا أبي يا أبي مركبة إسرائيل وفرسانها" (2 مل 2: 12).
ثالثًا: يعوضهم عن السنين التي أكلها الجراد، فعوض الخسائر التي لحقت بهم يوم رفضهم الرب ينالون بركات عظمى تغطي الخسائر السابقة، إذ يقول: "وأقوي بيت يهوذا وأخلص بيت يوسف وأرجعهم، لأني قد رحمتهم ويكونون كأني لم أرفضهم لأني أنا الرب إلههم فأجيبهم" [6]. لماذا يتحدث عن بيت يهوذا وبيت يوسف؟ لأنه من البيت الأول خرج يسوع واهب الخلاص، ومن البيت الثاني ظهر يوسف رمز المسيح الذي قدم القمح بعد أن سحقهم الجوع والقحط (تك 41: 56).
فإن كان إسرائيل قد مرت به سنوات قحط فيوسف الحقيقي يشبعهم كقول القديسة مريم: "أشبع الجياع خيرات" (لو 1: 53). إنه الرب إلههم الذي يجيب سؤالهم ويشبع احتياجاتهم، فلا يعودون يذكرون الماضي بمجاعته الروحية القاسية لأن أفراح الحاضر تغطي على كل أحزان الماضي. لذا يقول: "ويكون أفرايم كجبار ويفرح قلبهم كأنه خمر" [7]. هذه هي سمة العصر المسياني: فرح الروح القدس الذي لا يستطيع العالم أن ينزعه من القلب!
هنا يذكر أفرايم كجبار مملوء فرحًا، ربما إشارة إلى مملكة الشمال التي عاشت في السبي مدة أطول من يهوذا لذا أكدّ مساندته لها. وربما قصد سبط أفرايم بالذات لأنه العنيف الذي كان المحرض الأول لفساد مملكة الشمال، خاصة وأن يربعام الذي حرض الأسباط العشرة على الثورة ضد يهوذا كان أفرايمي (1 مل 11: 26؛ 12: 2)، وهو الذي أقام العبادة الوثنية في إسرائيل (1 مل 12: 25-33). الآن يؤكد الرب لافرايم أنه يصير كجبار روحيًا ويمتلئ قلبه فرحًا.
رابعًا: يجمع شتاتهم وينميهم في حضنه: "أُصفر لهم وأجمعهم لأني قد فديتهم ويكثرون كما كثروا "[8]. إنه كالنحّال الذي يُصفر لنحله المشتت لجمع العسل من المروج والبساتين. إنه يضمهم إليه ويهبهم بالبركة أن ينموا ويكثروا كما سبقوا فأكثروا، بمعنى أنه إن كان قد اهتم بهم وهم تحت التأديب، تحت عبودية فرعون فكانوا ينمون بقدر ما أذلوهم (خر 1: 7) أفليس بالأولى يُنميهم ويكثرهم حين يفديهم من العبودية؟!
إنه يُحقق فيهم وعده لإبراهيم أب الآباء: "لأني أجعلك أبًا لجمهور من الأمم، وأثمرك كثيرًا جدًا وأجعلك أممًا" (تك 17: 5-6)، وكما قيل في إشعياء: "الصغير يصير ألفًا والحقير أمة قوية" (إش 60: 22). وكما يقول القديس ديديموس الضرير: [لو أخذت هذه الكلمات بطريقة حرفية لظهرت صعبة فإن كثير من القديسين لم يكن لهم أولاد قط مثل إيليا وأليشع ويوحنا المعمدان الذي لم يبلغ إليه أحد في الفضيلة ومعرفة الأسرار المقدسة (مت 11: 11) ومع ذلك لم يكن له أولاد لذا يجب أن نفهم ذلك روحيًا]. فمن جهة أخرى يكون لهم أولاد في الروح كالذين ولدهم بولس في الإنجيل (1 كو 4: 15)، الذين تمخض بهم حتى يتصور المسيح فيهم (غلا 4: 19)، أو الذين يدعوهم بطرس الرسول: "أولاد الطاعة" (1 بط 1: 14)، ومن جهة أخرى يكون لهم أولاد في القلب أي ثمار الروح القدس المعلنة فينا كأولاد يفرحون قلب الله!
خامسًا: إذ يرجعهم إليه لينموا ويثمروا بالروح القدس يعود فيزرعهم بين الشعوب كبذار حيَّة تدفن في الأرض لتأتي بثمر كثير، إذ يقول: "وأزرعهم بين الشعوب فيذكرونني في الأراضي البعيدة ويحيون مع بنيهم ويرجعون، وأرجعهم من أرض مصر وأجمعهم من أرض أشور وآتي بهم إلى أرض جلعاد ولبنان ولا يوجد لهم مكان، ويعبر في بحر الضيق ويضرب اللجج في البحر وتجف كل أعماق النهر وتخفض كبرياء أشور ويزول قضيب مصر، وأقويهم بالرب فيسلكون بإسمه يقول الرب" [9-12].
يا لها من صورة حيَّة ومفرحة لعمل الله فيهم، فبعد أن يجمعهم من سبي الخطية ويردهم إليه، يلقيهم كبذار حيَّة وسط الشعوب ليشهدوا للخلاص في الأراضي البعيدة ويكون لهم أبناء روحيون في الرب. لكنهم لا يسلكون بروح العالم إنما ترجع قلوبهم عن أرض مصر الرمزية أي محبة العالم، ويجمعهم الرب من أشور أي من روح الكبرياء وينطلق بهم إلى أرض جلعاد ولبنان، ولئلا يُفهم ذلك ماديًا قال: "ولا يوجد لهم مكان"، إذ هم في حالة هجرة مستمرة وانطلاقة دائمة من قوة إلى قوة ومن مجد إلى مجد، مرتفعة قلوبهم في السمويات، وليس لها مكان في الأرض!
يعلق القديس ديديموس الضرير على هذه العبارة بكونها إعلانًا عن الهجرة الروحية للإنسان المؤمن: [الذي يعبر من الرذيلة إلى الفضيلة. هذا هو بالحق تغيير البلد، تغيير من الخطية إلى البرّ، ومن الشر إلى التقوى... ويسير من فضيلة إلى فضيلة (مز 83: 8)، ويعبر من ظل الناموس حيث الحرف الذي يقتل ليبلغ الروح الذي يُحيي (2 كو 3: 6)]...
ويرى القديس ديديموس أن الهجرة إلى لبنان الروحية إنما هي هجرة إلى حالة التأله بمعنى التمتع بسمات الرب يسوع، حيث تدخل النفس إلى الكنيسة المجيدة المقدسة التي "لا دنس فيها ولا غضن أو شيء من مثل ذلك" (أف 5: 27)، فيُقال عنها: "رائحة ثيابكِ كرائحة لبنان" (نش 4: 11).
إذ يدخل بهم إلى لبنان الجديد أي الحياة الكنسية المقدسة، يعبر بهم في بحر الضيق، كالسمك الحيّ الذي يختفي في المياه مع كل اضطراباتها والبحر بكل أمواجه دون أن تفقده حياته... إنهم يدخلون إلى الضيق في هذا العالم لكن لا يستطيع لجج العالم أن تبتلعهم ولا أعماق النهر أن تسحبهم! إنما يخرجون من كل ضيقة أكثر قوة معلنين ملكوت الله في داخلهم، لذا يختم حديثه عن بركات هذا العصر بقوله: "وأقويهم بالرب فيسلكون باسمه يقول الرب" [12].







 
موضوع مغلق


الانتقال السريع


الساعة الآن 12:30 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024