رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
إذ يرجعهم إليه لينموا ويثمروا بالروح القدس يعود فيزرعهم بين الشعوب كبذار حيَّة تدفن في الأرض لتأتي بثمر كثير، إذ يقول: "وأزرعهم بين الشعوب فيذكرونني في الأراضي البعيدة ويحيون مع بنيهم ويرجعون، وأرجعهم من أرض مصر وأجمعهم من أرض أشور وآتي بهم إلى أرض جلعاد ولبنان ولا يوجد لهم مكان، ويعبر في بحر الضيق ويضرب اللجج في البحر وتجف كل أعماق النهر وتخفض كبرياء أشور ويزول قضيب مصر، وأقويهم بالرب فيسلكون بإسمه يقول الرب" [9-12]. يا لها من صورة حيَّة ومفرحة لعمل الله فيهم، فبعد أن يجمعهم من سبي الخطية ويردهم إليه، يلقيهم كبذار حيَّة وسط الشعوب ليشهدوا للخلاص في الأراضي البعيدة ويكون لهم أبناء روحيون في الرب. لكنهم لا يسلكون بروح العالم إنما ترجع قلوبهم عن أرض مصر الرمزية أي محبة العالم، ويجمعهم الرب من أشور أي من روح الكبرياء وينطلق بهم إلى أرض جلعاد ولبنان، ولئلا يُفهم ذلك ماديًا قال: "ولا يوجد لهم مكان"، إذ هم في حالة هجرة مستمرة وانطلاقة دائمة من قوة إلى قوة ومن مجد إلى مجد، مرتفعة قلوبهم في السمويات، وليس لها مكان في الأرض! يعلق القديس ديديموس الضرير على هذه العبارة بكونها إعلانًا عن الهجرة الروحية للإنسان المؤمن: [الذي يعبر من الرذيلة إلى الفضيلة. هذا هو بالحق تغيير البلد، تغيير من الخطية إلى البرّ، ومن الشر إلى التقوى... ويسير من فضيلة إلى فضيلة (مز 83: 8)، ويعبر من ظل الناموس حيث الحرف الذي يقتل ليبلغ الروح الذي يُحيي (2 كو 3: 6)]... ويرى القديس ديديموس أن الهجرة إلى لبنان الروحية إنما هي هجرة إلى حالة التأله بمعنى التمتع بسمات الرب يسوع، حيث تدخل النفس إلى الكنيسة المجيدة المقدسة التي "لا دنس فيها ولا غضن أو شيء من مثل ذلك" (أف 5: 27)، فيُقال عنها: "رائحة ثيابكِ كرائحة لبنان" (نش 4: 11). إذ يدخل بهم إلى لبنان الجديد أي الحياة الكنسية المقدسة، يعبر بهم في بحر الضيق، كالسمك الحيّ الذي يختفي في المياه مع كل اضطراباتها والبحر بكل أمواجه دون أن تفقده حياته... إنهم يدخلون إلى الضيق في هذا العالم لكن لا يستطيع لجج العالم أن تبتلعهم ولا أعماق النهر أن تسحبهم! إنما يخرجون من كل ضيقة أكثر قوة معلنين ملكوت الله في داخلهم، لذا يختم حديثه عن بركات هذا العصر بقوله: "وأقويهم بالرب فيسلكون باسمه يقول الرب" [12]. |
|