اليوم, 02:21 PM | رقم المشاركة : ( 177631 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
خارج التفكير نقرأ في رومية 1 «لَمَّا عَرَفُوا اللهَ لَمْ يُمَجِّدُوهُ... لَمْ يَسْتَحْسِنُوا أَنْ يُبْقُوا اللهَ فِي مَعْرِفَتِهِمْ» . هنا نجد أناسًا لم يستطيعوا أن يهربوا من شهادة الطبيعة خارجهم وإلحاح “شيء ما” بداخلهم يخبرهم؛ فعرفوا أن الله موجود. إلا أن وجود الله بالنسبة لهم غير مُستحب، وتمجيده بإعطائه المكان اللائق في الحياة هو أمر غير مرغوب. ولأنهم لم يستطيعوا أن يهربوا من واقع وجود الله حاولوا “إبداله” بآلهة من صنعهم، تُرضي هذا “الشيء”، أو الإحساس الذي بداخلهم وتحقِّق لهم كل ما يشتهون في الوقت نفسه. في القرينة نراهم «أَبْدَلُوا مَجْدَ اللهِ الَّذِي لاَ يَفْنَى بِشِبْهِ صُورَةِ الإِنْسَانِ الَّذِي يَفْنَى، وَالطُّيُورِ، وَالدَّوَابِّ، وَالزَّحَّافَاتِ... وَاتَّقَوْا وَعَبَدُوا الْمَخْلُوقَ دُونَ الْخَالِقِ، الَّذِي هُوَ مُبَارَكٌ إِلَى الأَبَدِ». وإلى الآن والوضع على ما هو عليه، وإن اختلفت الصورة والمسمّيات والآلهة، فأصبحوا: المال، الشهرة، السلطة، المتعة، التدين، الأسرة، ... ، والقائمة تطول باستمرار، كما قيل ليهوذا «...آلِهَتُكَ الَّتِي صَنَعْتَ لِنَفْسِكَ... عَلَى عَدَدِ مُدُنِكَ صَارَتْ آلِهَتُكَ» (إر 2: 27، 28). ومرة ثانية السبب عينه: «شَهَوَاتِ قُلُوبِهِمْ إِلَى النَّجَاسَةِ... مَمْلُوئِينَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ ...» (تابع باقي القائمة المؤسفة في رومية 1: 19-32). فهم لم يستحسنوا إبقاء الله الخالق العظيم في حسبانهم، ليس لأن وجوده غير مقنع، ولا لأنهم وجدوا فيه جورًا أو ظلمًا - حاشا - بل لأنهم «سَارُوا فِي مَشُورَاتِ (رغبات وشهوات) وَعِنَادِ قَلْبِهِمِ الشِّرِّيرِ، وَأَعْطَوْا (لله) الْقَفَا لاَ الْوَجْهَ ... وَقَدْ حَوَّلُوا لِي الْقَفَا لاَ الْوَجْهَ... (لأنهم) لَمْ يَسْمَعُوا لِيَقْبَلُوا أَدَبًا (فهم لا يريدوا أن يكونوا على مقاييس الله)» (إر 7: 24؛ 32: 33). |
||||
|
|||||
اليوم, 02:23 PM | رقم المشاركة : ( 177632 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الإله المجهول تطوَّر الأمر وزاد ابتعاد الإنسان عن خالقة، فتارة ينكر وجوده وأخرى يستبعده من حساباته، حتى بات الإنسان في غُربة عن الله وصار بالنسبة له إلهًا مجهولاً (اقرأ أعمال 17: 23-31). وتساءل الإنسان: من هو الله؟ أين هو الله؟ «مَنْ يُعْطِينِي أَنْ أَجِدَهُ، فَآتِيَ إِلَى كُرْسِيِّهِ» (أي 23: 3)؟ لقد أصبح الله غامضًا جدًا بالنسبة للإنسان. من المستغرب أن يصل الأمر إلى هذا الحد «مَعَ أَنَّهُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا لَيْسَ بَعِيدًا. لأَنَّنَا بِهِ نَحْيَا وَنَتَحَرَّكُ وَنُوجَدُ»، بل إن هذا الأمر مُعلن في دواخل الإنسان، مما حدا بشعراء وثنيين أن يقولوا: «لأَنَّنَا أَيْضًا ذُرِّيَّتُهُ». على أن المدهش أن جهل الإنسان هذا بالله لا يمنعه عنه، فذلك «الإِلهُ الَّذِي خَلَقَ الْعَالَمَ وَكُلَّ مَا فِيهِ... يُعْطِي الْجَمِيعَ حَيَاةً وَنَفْسًا وَكُلَّ شَيْءٍ» رغبة قلبه هي أن الناس «يَطْلُبُوا اللهَ لَعَلَّهُمْ يَتَلَمَّسُونَهُ فَيَجِدُوهُ»، ووعده «وَتَطْلُبُونَنِي فَتَجِدُونَنِي إِذْ تَطْلُبُونَنِي بِكُلِّ قَلْبِكُمْ» (إر29: 13)، وما أكثر من طلبوه فوجدوه من كل البقاع وشتى الخلفيات. وليتم هذا الأمر «فَاللهُ الآنَ يَأْمُرُ جَمِيعَ النَّاسِ فِي كُلِّ مَكَانٍ أَنْ يَتُوبُوا»، وهنا يظهر مرة أخرى ما يفصل الإنسان عن الله: الخطية. والعجيب أن سامعي خطاب بولس استمعوا بتجاوب كبير إلى النقطة التي وصل فيها إلى حل الله: التوبة والإيمان بيسوع المُقام من الأموات، وعندها تفرق الجمع دون عودة حقيقية إلى الله. وما زال الحال هكذا، فالإنسان لديه الاستعداد أن يسمع كثيرًا عن الله إلى أن يأتي الأمر لدوره بنبذ خطاياه والعودة إلى الله بالتوبة! |
||||
اليوم, 02:23 PM | رقم المشاركة : ( 177633 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
تحييز الله على أن البعض لجأ إلى هذا المنطق الغريب الذي لا يقل فسادًا عن سابقيه، ألا وهو اعتبار أن الله يمكن أن يحيَّز (يحدَّد أو يحجَّم) بمكان أو بزمان. لام الله على شعبه يومًا بالقول «أَلَعَلِّي إِلهٌ مِنْ قَرِيبٍ، يَقُولُ الرَّبُّ، وَلَسْتُ إِلهًا مِنْ بَعِيدٍ؟» وفي جهل قال بعضهم عن الإله الحي إنه «آلِهَةُ جِبَال» (1مل 20: 23). حتى يونان نبيه يومًا «قَامَ ... لِيَهْرُبَ ... مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ ... لِيَذْهَبَ مَعَهُمْ إِلَى تَرْشِيشَ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ»، وإمعانًا في الاختباء نزل إلى بطن السفينة. كيف يا يونان وأنت عالم أنه «إِلهِ السَّمَاءِ الَّذِي صَنَعَ الْبَحْرَ وَالْبَرَّ»؟ (يون 1). يرد الله على هذ بالقول: «إِذَا اخْتَبَأَ إِنْسَانٌ فِي أَمَاكِنَ مُسْتَتِرَةٍ أَفَمَا أَرَاهُ أَنَا، يَقُولُ الرَّبُّ؟ أَمَا أَمْلأُ أَنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ، يَقُولُ الرَّبُّ؟» (إر 23: 23، 24). ويتجاوب من فهم الأمور على حقيقتها قائلاً «مِنْ وَجْهِكَ أَيْنَ أَهْرُبُ؟ إِنْ صَعِدْتُ إِلَى السَّمَاوَاتِ فَأَنْتَ هُنَاكَ... فِي الْهَاوِيَةِ... فِي أَقَاصِي الْبَحْرِ... الظُّلْمَةُ» (مز 139: 7-11)، ومن عرف ذلك يهرب إلى الله، لا منه. |
||||
اليوم, 02:26 PM | رقم المشاركة : ( 177634 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الاقتراب الشكلي «قَالَ السَّيِّدُ: أَنَّ هذَا الشَّعْبَ قَدِ اقْتَرَبَ إِلَيَّ بِفَمِهِ وَأَكْرَمَنِي بِشَفَتَيْهِ، وَأَمَّا قَلْبُهُ فَأَبْعَدَهُ عَنِّي» (إش29: 13)، وما أوسع انتشار هذه الفلسفة في يومنا هذا، المليارات يتبعونها. فالله بالنسبة لهؤلاء يمكن إرضاؤه بأداء بضعة مطاليب شكلية. البعض يسهِّل من هذه المطاليب والبعض الآخر يصعِّبها ويسعى في منالها الطريق الطويل. القاسم المشترك في هؤلاء أن “القلب بعيد”. في ظنهم أن لله بعض “طلبات” يريدها، فليأخذها ويتركنا لشأننا نعيش على هوانا. أما القلب، واعتبار الله في السر والعلن فلا وجود حقيقي لها، فـ«الشِّرِّيرِ... لَيْسَ خَوْفُ اللهِ أَمَامَ عَيْنَيْهِ» (مز36: 1؛ رو3: 18)، وكثر من«لاَ يَخَافُ اللهَ» (لو18: 2). لمثل هؤلاء يقول الرب في مزمور 50 «اِسْمَعْ يَا شَعْبِي فَأَتَكَلَّمَ... لاَ عَلَى ذَبَائِحِكَ أُوَبِّخُكَ، فَإِنَّ مُحْرَقَاتِكَ هِيَ دَائِمًا قُدَّامِي (لم يكفوا عن تقديمها وإلى الآن)... إِنْ جُعْتُ فَلاَ أَقُولُ لَكَ، لأَنَّ لِي الْمَسْكُونَةَ وَمِلأَهَا. هَلْ آكُلُ لَحْمَ الثِّيرَانِ، أَوْ أَشْرَبُ دَمَ التُّيُوسِ (ولنلاحظ ضخامة الحيوانين هنا عن الخراف والحمام المستخدمة أيضًا في الذبائح)؟ اِذْبَحْ للهِ حَمْدًا (يخرج من القلب)... مَا لَكَ تُحَدِّثُ بِفَرَائِضِي وَتَحْمِلُ عَهْدِي عَلَى فَمِكَ (ظاهريًا)؟ وَأَنْتَ قَدْ أَبْغَضْتَ التَّأْدِيبَ وَأَلْقَيْتَ كَلاَمِي خَلْفَكَ (داخليًا). إِذَا رَأَيْتَ سَارِقًا وَافَقْتَهُ ... (أكمل القائمة المزرية). افْهَمُوا هذَا يَا أَيُّهَا النَّاسُونَ اللهَ (مع أنهم شكليًا يقدِّمون ذبائح إلا أن الله يراهم ناسينه)، لِئَلاَّ أَفْتَرِسَكُمْ وَلاَ مُنْقِذَ. ذَابحُ الْحَمْدِ يُمَجِّدُنِي، وَالْمُقَوِّمُ طَرِيقَهُ (كنتيجة عملية للقلب المستقيم) أُرِيهِ خَلاَصَ اللهِ». |
||||
اليوم, 02:26 PM | رقم المشاركة : ( 177635 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
معاداة الله وصل الأمر إلى ذروته. لقد أنكر الإنسان وجود الله، وحاول اسقاطه من تفكيره، أو تجهيله، أو تحجيمه، أو إرضاؤه شكليًا؛ إلا أن كل هذه المحاولات باءت بالفشل لأنه «لَمْ يَتْرُكْ نَفْسَهُ بِلاَ شَاهِدٍ» (أع 14: 17)، في الطبيعة وفي الضمير وفي كل مكان وزمان. ولأن الإنسان بطبيعته لا يطيق مقاييس الله ويريد أن ينفض عنه نيره بأي شكل؛ فقد وصل الأمر بالبعض أن «يَقُولُونَ ِللهِ: ابْعُدْ عَنَّا، وَبِمَعْرِفَةِ طُرُقِكَ لاَ نُسَرُّ. مَنْ هُوَ الْقَدِيرُ حَتَّى نَعْبُدَهُ؟ وَمَاذَا نَنْتَفِعُ إِنِ الْتَمَسْنَاهُ؟» (أي21: 14). لقد وصل الأمر إلى العداء السافر. فكأن صاحب هذه الفلسفة يقول لله: أعرف أنك موجود وتملأ الوجود، أعرف الكثير عنك وعن صفاتك، ولن أُسقطك من حساباتي بل سأحسبك عدوًا! والعداء لله على الأرض يتزايد يومًا بعد يوم، وسيصل إلى ذروته قريبًا، حتى يضع الله حدًّا لكل شيء. |
||||
اليوم, 02:28 PM | رقم المشاركة : ( 177636 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
نظرات سلبية من الناس لله ليس بالضرورة بهذه الصورة المطلقة الصريحة، بل كثيرًا ما نتورط فيها جزئيًا أو نسبيًا: فمن لا يعمل لله حسابًا في السر والعلن ويتصرف وكأنه نسى أن هناك من يطالب وأن الأعلى هو فوق الكل، أليس ضمنيًا يتصرف كما لو كان “ليس إله”؟! ومن لا يستشيره في أمور حياته، ولا يفكر في أن يطيعه ويأتمر بأمره، ولا بحث عن مشيئته، ألم يضعه “خارج التفكير”؟! ومن لا يرى الله ظاهرًا في كل صغيرة وكبيرة، ولا يفرق معه أن يميّز تعاملات الله وأموره، ألا يُعتبر الله بالنسبة له “الإله المجهول”؟! ومن يعتبر أن لله جزءًا محدَّدًا في الحياه، قد يسميها “الحياة الروحية”، دون أن يعطيه حقه في الحياة بجملتها، أو أن الله فقط في “الاجتماعات” ألم يقم بـ“تحييز الله”؟! أما عن “الاقتراب الشكلي”، فحدِّث ولا حرج، وكل منا يعرف ضربة قلبه في هذا الصدد، فكم من المرات قالت شفاهنا لله أحلى الكلمات والترنيمات مما لم نكنَّه في قلوبنا بل وعشنا عكسه؟! أما عن “معاداة الله” فهي أمر تمنعنا ثقافتنا الشرقية من أن نُجاهر به، وقد نعتقد أننا أبعد ما نكون عنه بحكم أمور كثيرة، لكن ماذا نقول أمام القول الصريح «أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّ مَحَبَّةَ الْعَالَمِ عَدَاوَةٌ ِللهِ؟ فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ مُحِبًّا لِلْعَالَمِ، فَقَدْ صَارَ عَدُوًّا ِللهِ» (يع4: 4)؟! فلنفحص أنفسنا إذن! الله يقترب رأينا أن كل فلسفات الإنسان، وبسبب شره وعناد قلبه وكبريائه، صبَّت كلها في طريق البُعد عن الله. وأصبح التقرير نافذ على الجميع «هَلْ مِنْ فَاهِمٍ طَالِبِ اللهِ؟ ... لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ». على أن الله، لأن لذته في الإنسان، وقلبه لا يرضى بأقل من أن يكون في علاقة حبية مع هذا المخلوق المميَّز المحبوب لقلبه؛ كان يحب أن يتدخل هو. وفي هذا الصدد أكتفي بهذه الآيات البليغة المُبهرة الخالدة التي تغني عن أي إضافة: «لأَنَّ الْمَسِيحَ، إِذْ كُنَّا بَعْدُ ضُعَفَاءَ (لا يمكننا فعل أي شيء يقربنا منه)، مَاتَ فِي الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ لأَجْلِ الْفُجَّارِ (في كثير من الترجمات بمعنى “بلا إله”)... وَلكِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا، لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا... وَنَحْنُ أَعْدَاءٌ قَدْ صُولِحْنَا مَعَ اللهِ بِمَوْتِ ابْنِهِ» (رو5: 6-10). |
||||
اليوم, 02:29 PM | رقم المشاركة : ( 177637 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
عودة إلى الأحضان وإذ تدخَّل الله بنعمته صار لأناس أن يُقال عنهم «عَرَفْتُمُ اللهَ، بَلْ بِالْحَرِيِّ عُرِفْتُمْ مِنَ اللهِ» (غل4: 9). وما أرفع معرفته لنا!! وما أسمى ما عرَّفنا به عن شخصه! عرفنا أنه محبة، وأن هذه المحبة متجهة للإنسان لتخلِّصه، وأنه وهو القدوس العادل قد دبَّر الفداء اللازم ليعيد الإنسان إليه، دافعًا الثمن ابنه الحبيب، مقدِّمًا بالنعمة الحل والعلاج لكل من يؤمن. عرفنا فيه الرفيق الرقيق، والصديق الودود، والراعي القدير. ولن نكف إلى الأبد عن اكتشاف كمال وجمال هذا الشخص الكريم، الذي في محبته وصلاحه ونعمته ارتضى أن يعرِّف نفسه للإنسان المخلوق من الطين!! نتيجة هذه المعرفة تم في كثيرين القول: «رَجَعْتُمْ إِلَى اللهِ مِنَ الأَوْثَانِ، لِتَعْبُدُوا اللهَ الْحَيَّ الْحَقِيقِيَّ» (1تس1: 9). وبعد أن ضلَّت نفوسهم طويلاً بعيدًا عنه، متخبّطين كالعصفور التائه عن عشه، عادوا إلى الحضن الكريم، عادوا ليعيشوا بالقرب منه، في خوفه، ولتمجيده. نتيجة حتمية أولئك الذين رجعوا إليه، وعرفوه كما يعلن هو ذاته لهم، كلما عرفوه واقتربوا منه فاختبروه وأعلن لهم عن ذاته وعرفوا مقاصده، كلما استمتعوا أكثر بوصفهم «الَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ» (رو8: 28). وكيف لا تُحَبّ يا إلهي الكريم؟! كيف لا أحبك وقد ميَّزتني في خلقي، واحتملتني في بُعدي، وصبرت على جهلي، وفديت نفسي، وغفرت ذنبي، وسرت بقربي، واهتممت بأمري، وكفكفت دمعي، وأنقذت من الزلل رجلي، وملأت قلبي، فملكته. قد أفهم سيدي لماذا أنا احبك، لكن هل تتفضل عليَّ بروح الحكمة والإعلان لتفهمني: كيف، ولماذا، وإلى أي حدٍّ أنت تحبني؟! أعرف أنه فخر لي، ولكل قديسيك، أنك “إلهنا”، فهل تتكرم وتُدخل لعقلي الصغير كيف: «لاَ يَسْتَحِي بِهِمِ اللهُ أَنْ يُدْعَى إِلهَهُمْ» (عب 11: 16)؟ فكيف لا أحبك وقد ربطتني بشخصط فأسرت قلبي؟! فاعطني أن أحيا أحبك، أقدِّر شخصك، أُخلص لك، أسعى كل يوم أكثر لأعرفك. وما أكفاك لي!! |
||||
اليوم, 02:33 PM | رقم المشاركة : ( 177638 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
طبيعة الله الله هو الكائن الروحي الأسمى، الذي لا تستطيع العقول أن تُدركه، قال صوفر النعماتي لأيوب: «أَإِلَى عُمْقِ اللهِ تَتَّصِلُ أَمْ إِلَى نِهَايَةِ الْقَدِيرِ تَنْتَهِي؟ هُوَ أَعْلَى مِنَ السَّمَاوَاتِ فَمَاذَا عَسَاكَ أَنْ تَفْعَلَ؟ أَعْمَقُ مِنَ الْهَاوِيَةِ فَمَاذَا تَدْرِي؟ أَطْوَلُ مِنَ الأَرْضِ طُولُهُ وَأَعْرَضُ مِنَ الْبَحْرِ» (أي11: 7-9). وطبيعة الله أمر يتميَّز عن صفاته، فنحن نقول إن الله بار وليس بر، وقدوس وليس قداسة، وصالح وليس صلاح، وعادل وليس عدل؛ هنا نقصد صفاته والتي عرفناها من أحداث تمَّت مثل سقوط الملائكة، خراب الأرض، سقوط الإنسان، هذه الأحداث استوجبت أن تُظهر لنا صفات الله. أما عن طبيعة الله، فإن الرسول يوحنا الحبيب هو الكاتب الذي كلمنا عن هذا الجانب، فيقول إن: الله نور، الله محبة، الله روح . اللـه نــور «وَهَذَا هُوَ الْخَبَرُ الَّذِي سَمِعْنَاهُ مِنْهُ وَنُخْبِرُكُمْ بِهِ: إِنَّ اللهَ نُورٌ وَلَيْسَ فِيهِ ظُلْمَةٌ الْبَتَّةَ» (1يو1: 5)، ويستطرد كلامه في الإنجيل قائلا: «فِيهِ كَانَتِ الْحَيَاةُ وَالْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ النَّاسِ» (يو1: 4). الحياة التي كانت في شخصه صارت يومًا من الأيام نورًا للناس. «وَï*گلنُّورُ يُضِيءُ فِي الظُّلْمَةِ، وَالظُّلْمَةُ لَمْ تُدْرِكْهُ» (يو1: 5)؛ النور حالة (طاقة) وليس عنصرًا ماديًا، وعلى النقيض الظلمة، وهى بدورها أيضًا حالة. يقول الرسول بولس للقديسين في كورنثوس «أَيَّةُ شَرِكَةٍ لِلنُّورِ مَعَ الظُّلْمَةِ؟» (2كو6: 14)، فحيث يُضئ النور تتبدد الظلمة. وباعتبار أن الله نور هو قدوس، وتظهر قداسته في كراهيته للخطية «عَيْنَاكَ أَطْهَرُ مِنْ أَنْ تَنْظُرَا الشَّرَّ وَلاَ تَسْتَطِيعُ النَّظَرَ إِلَى الْجَوْرِ» (حب1: 13). أمام هذا الحق الإلهي يجب علينا أن نحيا حياة القداسة. قال الرب يسوع «أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فلاَ يَمْشِي فِي الظُّلْمَةِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ» (يو8: 12). يقول الرسول بولس للقديسين في أفسس الذين كانوا قبلاً ظلمة «اسْلُكُوا كَأَوْلاَدِ نُورٍ» (أف5: 8). عندما نسلك عمليًا في هذا الحق تظهر فينا طبيعة الله، أن الله نور. اللـه محـبة لو كان الله نورًا فقط، لكنا هربنا منه، وارتعبنا من حضوره. فالنور يكشف حالتنا، خرابنا وظلامنا. وهكذا أضحى الإنسان في حالته الأدبية الساقطة فاشلاً ويائسًا، خائفًا ومرتعبًا. إنه في هذه الحالة يحتاج إلى مَنْ يُحبه ويترأف بحالته، ويغمره بالنعمة، والتي هي ظهور محبة الله في مشهد شر الإنسان وفساد قلبه «وَلَكِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا» (رو5: 8)، «لأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ» (يو3: 6). لقد ظهرت هذه المحبة في صليب المسيح، محبة دافقة وباذلة، غامرة وليس لها مثيل، محبة بدون مقابل بل ومحبة قوية وصلت إلينا فانتشلتنا من سقطتنا، ومن مزابل العالم كي توصلنا إلى قمة المجد وتجلسنا على العروش. ومن زاوية إلهية، ظهر نشاط هذه المحبة بين أقانيم اللاهوت، لقد أعلن الابن عن محبة الآب له بقوله: «أَحْبَبْتَنِي قَبْلَ إِنْشَاءِ الْعَالَمِ» (يو17: 24)، وأيضا عن محبته للآب «إنِّي أُحِبُّ الآبَ» (يو14: 31)، وخاطب الرسول بولس المؤمنين في رومية قائلاً: «أَطْلُبُ إِلَيْكُمْ ... بِمَحَبَّةِ الرُّوحِ» (رو15:3)، حقا الله محبة، هذه هي طبيعته. ونحن إذ أدركتنا هذه المحبة، وظهر عملها فينا، لا يسعنا إلا أن نُحبه لأنه هو أحبنا أولاً، وأن نظهر في حياتنا وسلوكنا الدليل العملي لمحبتنا له. ونستطيع أن نبرهن على ذلك عندما نحفظ وصاياه، ونحفظ كلامه، ونحب مجده (يو14: 23،21، 28). «كُلُّ مَنْ يُحِبُّ فَقَدْ وُلِدَ مِنَ اللهِ وَيَعْرِفُ اللهَ، وَمَنْ لاَ يُحِبُّ لَمْ يَعْرِفِ اللهَ، لأَنَّ اللهَ مَحَبَّةٌ» (1يو4: 8،7). الله روح الله في جوهر لاهوته غير ملموس، وغير منظور (كو1: 12)، لذلك يقول الكتاب: «اَللَّهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ» (يو1: 18). «الَّذِي لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ، وَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَاهُ» (1تي6: 16)، «مَلِكُ الدُّهُورِ الَّذِي لاَ يَفْنَى وَلاَ يُرَى» (1تي1: 17)، والمسيح باعتباره الكلمة هو الطريق الوحيد للإعلان عن الله «اَلاِبْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ» (يو1: 18). ولأن الله روح؛ فهو ليس بحاجة إلى أكل وشرب. الكتاب كلَّمنا عنه بالطريقة واللغة التي نفهمها، لكي يقرِّب إلى قلوبنا ما لا ندركه بأفهامنا البشرية، عبَّر لنا عن أعمال الله بأعمال أعضاء جسم الإنسان، فقال عنه «عَيْنَاهُ تَنْظُرَانِ. أَجْفَانُهُ تَمْتَحِنُ بَنِي آدَمَ» (مز11: 4)، «عَيْنَا الرَّبِّ نَحْوَ الصِّدِّيقِينَ وَأُذُنَاهُ إِلَى صُرَاخِهِمْ» (مز34: 15)، «سَمَاوَاتِكَ عَمَلَ أَصَابِعِكَ» (مز8: 3)، «يَدَاكَ صَنَعَتَانِي وَأَنْشَأَتَانِي» (مز 119: 73)، «هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ: السَّمَاوَاتُ كُرْسِيِّي وَالأَرْضُ مَوْطِئُ قَدَمَيَّ» (إش66: 1). عندما تكلم الرب مع المرأة السامرية عن السجود قال لها: «اَللَّهُ رُوحٌ، وَالَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَالْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا» (يو4: 24). «اَللَّهُ رُوحٌ» هنا يتكلم عن طبيعة الله، وعدم محدوديته ووجوده في كل مكان، هو روح لا تحدّه الأبعاد والمواقع، لا يتجه الناس إليه في اتجاه خاص. أمام هذا الإعلان الإلهي ليتنا نُشبع قلبه بتقديم سجود له بالروح والحق، سجود يتناسب مع طبيعته الأدبية، يتصاعد كبخور عطر إلى محضر الله. |
||||