
18 - 06 - 2012, 05:52 AM
|
 |
..::| VIP |::..
|
|
تاريخ التسجيل: May 2012
العمر: 58
المشاركات: 51,017
|
|
متى يكون الحوار حلا ؟!
وبما أن الإختلافات حتمية بين البشر في كل مراحل حياتهم وفي كل مستوياتهم الإجتماعية والإقتصادية , إذن لابد من وجود آليات مناسبة للحل تعمل طول الوقت خاصة إذا تحولت الإختلافات إلى خلافات (أي أصبحت تسبب مشكلة) , ولنأخذ مثالا لذلك أننا نلبس ملابسنا في البداية نظيفة , ومع الحركة والعمل والإحتكاك يصيبها التلوث والبقع , ونحن هنا لا نتخلص منها لهذا السبب ولكن نضعها في الغسّالة فتعيد إليها نظافتها ثم نمر عليها بالمكواة فنعيد لها رونقها وجمالها , وهكذا الحياة الزوجية تحتاج لآليات تنظيف وتنسيق وتجميل لكي تظل براقة طازجة متألقة . وحين تسأل أحدا عن هذه الآليات تسمع مباشرة كلمة "الحوار" , تلك الكلمة التي لاكتها الألسنة حتى فقدت معناها , وأصبح الشباب يستخدمها للدلالة على السخرية والخداع فيقول لك : "فلان بيحوّر عليّ" .. أو يصف شخصا بأنه "محوراتي" .. أو يقول لك محتجا ومتعجلا " إحنا مش ها نخلص من الحوار ده بقى " .
إذن فالحوار ليس حلا سحريا طول الوقت لمشاكلنا بل قد يكون هو نفسه أحد مشاكلنا , إذ ليس كل حوار إيجابيا بالضرورة , وهذا يستدعي منا مراجعة مسألة الحوار وأثره في الحياة الزوجية بشكل خاص .
فالحوار في اللغة بمعنى المحاورة أي المجاوبة , والتحاور هو التجاوب (الرازي 666 هـ ) . وفي معناه الإصطلاحي هو تفاعل لفظي أو غير لفظي بين اثنين أو أكثر من البشر بهدف التواصل الإنساني وتبادل الأفكار والخبرات وتكاملها . وهو نشاط حياتي نستخدمه في كل وقت , وقد يكون إيجابيا فتصلح به حياتنا وقد يكون سلبيا فنشقى به أيما شقاء , فقد نتحدث مع بعضنا كثيرا ونتحدث في كل شئ وعن كل شئ ولكننا نتألم ونشقى مع هذا الحوار وتتدهور حياتنا به نظرا لقيامه على أساس أعوج . وهذا يستدعي منا أن نراجع أهداف الحوار ومرجعية الحوار ومستويات الحوار وبعض ألوان الحوار السلبي في حياتنا الزوجية لكي نعرج في النهاية إلى خصائص الحوار الإيجابي.
أهداف الحوار :
1 – محاولة فهم الآخرين (وليس تعليمهم أو إثبات أنهم على خطأ) .
2 – إقناع الآخرين بوجهة نظر معينة ( وليس إجبارهم على تبني رؤيتنا الشخصية على أنها الحق المطلق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه)
3 – الوصول إلى صيغة من التفاهم والتعايش والتكامل (وليس إلى تحقيق أهدافنا الشخصية وإثبات وتثبيت رؤانا الخاصة)
4 – الإرتقاء بالوجود البشري عن طريق تبادل وتكامل وتراكم الخبرات (وليس إثبات أننا الأعلم والأقدر والأحكم)
مرجعية الحوار :
كلما كانت هناك مرجعية قوية وأرضية مشتركة كلما كان الحوار أكثر إيجابية وثراءا وتكاملا , وعلى العكس كلما ضعفت هذه المرجعية أو تشتت أو تعارضت كلما تعطلت مسارات الحوار أو ضاقت وأصبح الحوار أقرب إلى الضجيج . وهذا يعيدنا إلى فترة الإختيار وفترة الخطبة حيث كنا نؤكد على وجود تكافؤ اجتماعي وثقافي وأرضية مشتركة بين الشريكين وحد أدنى من الأشياء المتفق عليها حتى تكون قاعدة لحوار إيجابي فيما بعد . والمرجعية هنا أشبه بالدستور الذي يتحاكم إليه الناس , والمعيار الذي يقيسون بها الأقوال والأفعال .
مستويات الحوار :
- الحوار الداخلي (مع النفس) : وفى حالة كون هذا الحوار صحياً فإنه يتم بين مستويات النفس المختلفة فى تناغم وتصالح دون إلغاء أو وصم أو إنكار أو تشويه . أما إذا فشل ذلك الحوار النفسي الداخلي فإن الاضطرابات الناتجة ربما تدفع بموجات العنف المتراكمة إلى الخارج أو إلى الداخل فتكون مدمرة للآخرين أو للنفس ذاتها .
- الحوار الأفقي (مع الناس) : وهو قدرتنا على التفاهم والتفاعل والتعايش ليس فقط مع من يتفقون معنا أو يشبهوننا بل أيضا مع المختلفين معنا والمغايرين لنا .
- الحوار الرأسي ( مع الله ) : وتختلف طبيعة هذا الحوار عن المستويين السابقين حيث يتوجه الإنسان نحو ربه بالدعاء والاستغفار وطلب العون ويتلقى منه سبحانه إجابة الدعاء والمغفرة والمساعدة . وهذا المستوى إذا كان نشطاً وإيجابياً فإنه يحدث حالة من التوازن والتناسق في المستويين السابقين ( أي فى حوار الإنسان مع نفسه وحواره مع الآخرين ) .
قبول الإختلاف كسنة كونية أساس لنجاح الحوار :
إن الاختلاف في وجهات النظر وتقدير الأشياء والحكم عليها ، أمر فطري طبيعي وله علاقة بالفروق الفردية إلى حد كبير ، إذ يستحيل بناء الحياة ، وقيام شبكة العلاقات الاجتماعية بين الناس ذوي القدرات المتساوية والنمطية المتطابقة ، إذ لا مجال – عندئذ – للتفاعل بين البشر . وقد يخطئ أحد الزوجان أو كلاهما حين يعتقد أن الحوار الآن سيحل كل الإختلافات ويوحد الرؤى للأبد بين الطرفين , ولهذا ينزعج حين يكتشف أن ثمة خلاف نشأ حول نفس الموضوع أو موضوع مشابه بعد فترة من الزمن , وأن الطرف الآخر يخطئ إذ لا يحقق كل توقعاته , ولا يتفق معه في كل أو معظم آرائه .
|